صناعة الإشاعة: طوّرت نفسها وفق أدوات العصر

26 نوفمبر 2014
+ الخط -
كلما تطوّرت تكنولوجيا المعلومات ازدهرت الإشاعة!
ليست هذه نظرية علمية بقدر ما هي استنتاج مؤقت متأهّب دوماً لما يدحضه. فقد بدا بديهياً لجيل رافق الثورة التكنولوجيّة أن تتمكن قفزة الاتصالات في قطع الطريق على الإشاعة، لما توفّره هذه الاتصالات المتطوّرة من قدرة على الوصول إلى المعلومة الصحيحة ونشرها بالضرورة في مواجهة الإشاعة.

نعرف أنّ الإشاعة قديمة بقدم التجمّعات البشريّة. وكان رواجها يُعزى إلى التخلّف والتسرّع والميل إلى تصديق ما يُشاع، وتحديداً لأن الإشاعة تروّج لأفكار تثير الاهتمام والفضول، وهي في أصلها تنطلق من نقطة ضعف المتلقي ونادراً ما تخطئ هدفها.

وقد ظهرت الإشاعة على مسرح الأحداث السياسية بطريقة ملفتة أو ربما مبتكرة. توقّف البعض عن استهلاك الأفكار القديمة وحاولوا إعادة انتاجها، فنجحت إحدى محاولاتهم وفشلت أخرى.

تركّزت اللعبة "الناجحة" في ساحات التواصل الاجتماعي على أن يطلق فريق ما إشاعة مسيئة على نفسه، تثير إعجاب مناوئيه، فيقومون بدورهم بتداولها والحطّ من قدر الخصم وشتمه... وبعد أن يشارك نجوم وقياديو الفريق المناوئ قاعدتهم الشعبية في شتم الخصم، محلّ الإشاعة، والسخرية منه، تُعلن الحقيقة، ويتبيّن أنّ الأمر إشاعة، ويُلام من بنى تعليقاته وأفكاره على إشاعات، وقد يُتّهم بأنّه هو من روّجها، ولكن إن بحثنا عن المستفيد، سنجد أنّ من صدّق الاشاعة ليس مخترعها، بل الخصم نفسه، الذي يطلق إشاعة على نفسه كفخّ ينصبه لكارهيه.

الخطير أنّ وسائل إعلامية بأمّها وأبيها باتت تُجنّد لنشر الإشاعات، بينها البريئة وبينها المدمّرة، بل إنّ بعض هذه الوسائل الإعلامية تؤسّس لهدف استراتيجي مبطّن هو التضليل. تضليل الجماهير صناعة قديمة أيضاً، ولكنّها تملك كلّ الإمكانات والطموحات لتطوّر أدواتها وتخوض المعارك وتنتصر أيضاً! وليس خافياً أنّ الإشاعات أحد أبرز أدوات هذا التضليل.
النموذج الفنّي أبسط: يُشاع عن زواج سرّي بين فنّانة صاعدة وفنّان مشهور. طبعاً الجمهور يهتمّ بأخبار الفنّان الشخصية، وبالتالي سيهتمّ بزوجته المفترضة تلك، أو زوجته السرّية، ما يسلّط الأضواء عليها. بعد فترة، لم تعد تتخطى أيّاماً قليلة، تعلن تلك الفتاة الطموحة أنّ الإشاعة كاذبة، سواء بلسانها أو لسان مقرّبين منها، لإضفاء المزيد من الغموض وترك فسحة للتكهن والشكّ، فتسلّط الأضواء مجدداً نحوها، بينما هي تعدّ لألبوم غنائي أو دور درامي أو شيء آخر. ولا يهتمّ أحد بملاحقة من أطلق الاشاعة، والذي هو غالباً صاحبة الشأن، وهدفها أن تحصد الانتباه. ولا يكون الأمر رغماً عن الفنان المشهور، الذي قد لا يمانع لأسباب عديدة أن يمدّ الفنانة الطموحة ببعض من وقود شهرته، ويكسب في المقابل المزيد من الأضواء والاهتمام.

اللعبة تقليدية، ولكنّ ثورة وسائل التواصل الاجتماعي جعلتها أسرع وصولاً إلى هدفها، رغم أنّ المنطق يوحي بالعكس، أن يكون تطوّر التواصل التقني حائلاً دون انتشار الإشاعة وسرعة انكشافها، ولكن ما يجري أنّ الإشاعة تُكشف في وقت قصير ولكنّها خلال هذا الوقت تحقّق انتشاراً مهولاً.

ولم تكن موجة التعري الأخيرة فريدة من نوعها، إلا أنّها أذكت نار إشاعة من نوع فريد، وهي إطلاق بعض طالبات الشهرة إشاعات عن تعريهن، بدت أسرع انتشاراً وأخفّ ضراراً لأنّها لا تُشرك أشخاصاً آخرين في لعبتها. ولا يخفى في الوسط الفنّي الدور الكبير الذي لعبته إشاعة توقيف عارضة أزياء صاعدة في قضية أخلاقية، فجّرت شهرتها حتى صارت اليوم نجمة المشاهير المطلقة.

مؤسف أنّنا لا نعيش في الفيلم الكوميدي "إشاعة حبّ"، بل نحن في عرض تراجيدي متواصل، الإشاعة فيه قبيحة مهما ارتدت من أقمشة باهرة أو مهما تعرّت!
المساهمون