الحوثيون في اليمن: إنّهم يخنقون الإعلام

24 يناير 2015
رافضون للسيطرة العسكرية اليمنية على الدولة (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

تضييق الحوثيين في اليمن على الإعلام ليس جديداً. لكن الأسبوع الأخير كشف عن حجم التضييق والتعتيم اللذين يشهدهما هذا القطاع بعد سيطرة "أنصار الله" عليه. فبين معركة القصر الرئاسي، واستقالة الرئيس، وغياب الدولة تماماً، اختفى الإعلام اليمني تماماً وغُيّب عن المشهد، ليحلّ محله الاعلام العالمي، و"فيسبوك" بالاضافة إلى حساب وزيرة الاعلام نادية السقاف على "تويتر".


استقالة الرئيس المفاجئة

لم تكن الساعة قد تجاوزت الثامنة والنصف من مساء أول من أمس الخميس، عندما تفاجأ اليمنيون بنبأ استقالة رئيسهم عبدربه منصور هادي على شاشات المحطات التلفزيونية الخارجية. كان الأمر بالنسبة لهم كالصدمة. اصطبغ "الأحمر" اللون الخاص بالخبر العاجل على تلفزيوني "الجزيرة" و"العربية" يتحدثان عن استقالة الرئيس اليمني (عبد ربه منصور هادي) وفقاً لمصدر رئاسي، وبعدها بدقائق بدأت المواقع الإخبارية الالكترونية بتداول الخبر بحسب المحطتين. ويستقي كثير من اليمنيين الأخبار التي تتعلق بالشأن المحلي من الإعلام الخارجي، مع غياب تغطية وسائل الإعلام المحلية.

وتصدرت محطات "بي بي سي"، "فرانس 24"، "الجزيرة"، "العربية"، "روسيا اليوم"، و"سكاي نيوز" متابعة اليمنيين خلال حدث أول من أمس. وظلت تغطية الإعلام اليمني غائبة عن خبر الاستقالة، واكتفت المحطات التلفزيونية المحلية بنشر أخبار عاجلة، واتجه الباحثون عن مستجدات الأحداث إلى المواقع الالكترونية. ولا تصدر الصحف اليمنية يوم الجمعة باعتباره يوم إجازة اسبوعية باستثناء صحيفتي "أخبار اليوم"، و"اليمن اليوم" التي نشرت مانشيتاً تسأل فيه "من يترأس الرئاسة".

إلى ذلك، انقطع بث تلفزيون "عدن" الحكومي فجأةً أثناء بدء إذاعة بيان اللجنة الأمنية في
"إقليم عدن"، فيما ذهب صحافيون يمنيّون في المحطة إلى القول إن الحوثيين يقفون وراء الانقطاع. وتتحكّم في بثّ تلفزيون "عدن" المحطةُ المركزية في العاصمة صنعاء، التي باتت تحت سيطرة الحوثيين،
وكانت وزيرة الإعلام اليمنية نادية السقاف قد طلبت الإثنين الماضي من المواطنين متابعة بيانات الحكومة من تلفزيون عدن. 
من جهته، بث تلفزيون "اليمن" سهرة غنائيّة متجاهلاً خبر الاستقالة تماماً.

معركة القصر الرئاسي 
لم تكن وسائل الإعلام اليمنية بعيدة عما حدث في العاصمة صنعاء في التاسع عشر من يناير/كانون الثاني، جميعها تابعت الحدث باستثناء الإعلام الحكومي الذي بات في سلطة الحوثيين.
واندلع قتال عنيف الإثنين الماضي جنوب العاصمة اليمنية عندما هاجم مسلحو أنصار الله (الحوثيون) القصر الرئاسي، وتمكنوا من السيطرة عليه، وامتدت المواجهات حتى منزل الرئيس عبد ربه منصور هادي.

نحو السابعة من صباح الإثنين الماضي، بدأت الأخبار تتصدر نشرات المواقع الإلكترونية أولاً، وبعدها بنصف ساعة بدأت بعض المحطات التلفزيونية العربية بمتابعة الحدث عبر شريطها العاجل وامتدت التغطية حتى اليومين التاليين.

لكن الأمر اختلف في المحطات التلفزيونية اليمنية، فمع اشتداد المواجهات بين الحرس الرئاسي ومسلحي جماعة الحوثيين، كانت أغلبها تبث أغاني صباحية وأخرى اكتفت ببث برامج مسجلة، باستثناء تلفزيون "اليمن اليوم" المملوك لنجل الرئيس السابق الذي خصص تغطية شاملة بالحدث، وبث مقاطع فيديو للمواجهات وأجرى اتصالات مع مراسلين له و"شاهد عيان" أفصح
خلال حديثه بأنه أحد المقاتلين الحوثيين.

وغابت المحطات التلفزيونية الحكومية (اليمن – سبأ – الإيمان – عدن) تماماً عن مشهد المواجهات وظلت على بثها المعتاد من البرامج المسجلة، وامتنعت عن بث بيانات الحكومة المنددة بعنف جماعة الحوثيين وهجماتها على المباني السيادية من بينها القصر الجمهوري.
وأعلنت وزيرة الإعلام اليمنية، نادية السقاف، الإثنين الماضي رفع الشرعية عن وسائل الإعلام الحكومية كافة ما عدا تلفزيون عدن، وقالت إن الحوثيين يسيطرون على تلك الوسائل ويرفضون نشر بيانات الدولة.

واستطاع الحوثيون بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول الماضي، التحكم بخط السياسة التحريرية لوسائل الإعلام الحكومية وفرضها بالقوة بعد حملات، من بينها اقتحام مكتب وزيرة الإعلام ومنزل رئيس تحرير صحيفة "الثورة" وإجباره على الاستقالة.

"فيسبوك"... الأسرع

قبل أن تنشر وسائل الإعلام أي أخبار، يكون مستخدمو موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحديداً قد استبقوا النشر في الأحداث، لكنها لا تأخذ بمعيار الدقة بتاتاً.
وألهمت الاضطرابات المتسارعة في البلاد مئات اليمنيين للتحول إلى "مراسلين" إذ لا يمكن للصحافيين التغاضي عن المعلومات التي تنشرها هذه الحسابات، بيد أنها تبقى "تنبيهاً" للإعلام المهني بما حدث خلافاً لوسائل إعلام لطالما اعتمدت في أخبارها على "الشائعات والأخبار غير الدقيقة".
ومكّن نشر الصور والفيديوهات بشأن المواجهات في القصر الرئاسي على موقع "فيسبوك"
كثيرا من وسائل الإعلام الحصول على المعلومات بصورة ميسّرة، فضلاً عن الحصول على مصادر وشهود يكونون غالباً قريبين من موقع الأحداث.
من جهتها فإن تغطية المواقع الإلكترونية غالباً ما تكون سريعة، لكنها تفتقد أيضاً للدقة، وتعتمد معظم المواقع في تلقي المعلومات على "فيسبوك" أو "النقل" من أي وسيلة إعلام، كما حدث في مواجهات القصر الرئاسي.

رفع "الشرعية" عن الإعلام الحكومي

أعلنت وزيرة الإعلام اليمنية رفعها الشرعية عن وسائل الإعلام الحكومي ابتداءً بالوكالة الحكومية "سبأ" والتلفزيون الحكومي، بعد رفضها نشر بيانات الحكومة منها المنددة باختطاف مدير مكتب الرئيس اليمني.
ويسيطر الحوثيون على وسائل الإعلام الحكومية، وغابت أخبار هجوم الجماعة على القصر الرئاسي ومنزل الرئيس عن صفحاتها، فضلاً عن نشر أخبار زعيم جماعة الحوثيين ومقتطفات من خطابه في الصفحة الأولى من صحيفتي الثورة و26 سبتمبر التابعة للجيش.
وقال صحافي في وكالة "سبأ" – طلب عدم ذكر اسمه خشية تعرضه للإيقاف – إن الحوثيين
استحدثوا مكتباً داخل الوكالة لتسيير العمل الإداري والمالي داخلها، وأجروا تغييرات على بعض المسؤولين.
وأضاف لـ "العربي الجديد": "تم تغيير مدير الشؤون المالية والإدارية في الوكالة بطلب من الحوثيين، بزعم أنها ضمن التصعيد الثوري". وتابع: "يساند صحافيون موالون للجماعة كل تحركاتها ويقومون بكل المهام التي توكل إليها من قيادات الحوثيين، خاصة في إدارة الأخبار المحلية".
وقال الصحافي سامي نعمان إن سيطرة الحوثيين على المؤسسات الإعلامية والرسمية تعبير عن هيمنتهم على الدولة، ويتخذون "مبررات سخيفة" من قبيل مكافحة الفساد الذي أصبح مدخلاً مهماً للسطو على الدولة برمته في أفحش ظاهرة فساد يشهدها العالم".
وأشار في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أن حرية التعبير "لم تكن بخير في عهد صالح، ولا عهد هادي.. الحريات تتقوض إذا ما وقع انقلاب عسكري، فكيف بميليشيا مسلحة على شاكلة جماعة الحوثي".
وقال "الأشهر الماضية أظهرت انتهاكات فظيعة وحالة إرهاب، وتهديدات، ومنع الصحافيين من العمل في بعض الأماكن إلا بترخيص، فضلاً عن الاعتداء على الطلاب والمتظاهرين، هذه رسائل ترويع كبرى للصحافيين عبر آخرين يعتقلونهم".
لكن نعمان لفت إلى أن "الأخطر" في الأمر أن الحوثيين يسعون لتكريس عبد الملك الحوثي قداسة وذاتاً مصونة لا يمكن المساس بها، ويطالبون حالياً بأن يستحوذوا على نيابة الصحافة".
وأضاف "يبدو لي أن الهامش الذي تم توسيعه بنضالات الصحافيين خلال السنوات الماضية تسعى الجماعة لإزاحته، وللأسف بمباركة زملاء يرتمون في أحضان هذه الجماعة، رغم أنهم كانوا من أكبر المدافعين عن حرية التعبير وضحاياها في عهد صالح".


انتهاكات خلال الأيام الثلاثة

أعلن مدير عام الأخبار في تلفزيون اليمن الحكومي توفيق الشرعبي استقالته من منصبه احتجاجاً على تدخل الحوثيين في أعمال القناة، وفرضهم سياسة تحريرية مناهضة للحكومة. وقال في حسابه على "فيسبوك" "لم يعد هناك أخبار ولم يعد هناك سوى رأي واحد ولم يعد للوطن من أخبار، لذا فضلت الاستقالة اليوم أنا مواطن عادي ولا علاقة لي بالسياسة".


وفي إذاعة صنعاء الحكومية، قال مدير عام الأخبار محمد القمراني إن مسلحي جماعة الحوثيين أقصوه من منصبه، دون أي مبرر ودون حتى الرجوع إلى القنوات القانونية في وزارة الإعلام.
وأضاف "الجماعة تنتهج الإقصاء والتهميش لمعارضيها، وإن ادعاءاتها في مكافحة الفساد مزاعم كاذبة، وإقصائي من منصبي إجراء تعسفي غير شرعي وغير قانوني وتوغل على السلطة الشرعية، وانتهاك فاضح للحقوق المحمية بالقانون".

وأعربت نقابة الصحافيين اليمنيين عن قلقها الشديد للتحريض الذي تعرض له مدير مكتب قناة "العربية" في صنعاء حمود منصر من قبل مصدر في مكتب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، على خلفية تغطية الزميل للأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد.
وحث بيان للنقابة على توفير الحماية له ولأفراد أسرته وتحمل مصدر التهديد كامل المسؤولية على كل ما يترتب عليه، داعية إلى عدم الزج بالصحافيين في الصراعات التي تشهدها البلاد، وجددت رفضها التعامل مع الصحافي كهدف سهل.

الوزيرة تُغرّد وحيدةً عن الدولة

تحولت صفحة وزيرة الإعلام اليمنية، نادية السقاف، من حساب شخصي إلى موقع تستمد منه وكالات الأنباء والمحطات والصحف آخر تطورات المواجهات في القصر الرئاسي والوضع السياسي، في ظل غياب أي تغطية لوسائل الإعلام الحكومية والخاصة، بسبب سيطرة وترهيب الحوثيين. ودعت السقاف إلى متابعة حسابها أو تلفزيون "عدن" المحلي، لمن يرغب في الحصول على أخبار وبيانات الدولة وما يحدث في البلاد، وقالت إنها ستواصل في بث الأخبار من صفحتها، بعدما فضّلت باقي القنوات التي يسيطر عليها المقاتلون الحوثيون بثّ برامج عادية أو حتى أغانٍ.

وقالت في تغريدة قبل يومين، على هامش استمرار اختطاف أحمد بن مبارك مدير مكتب الرئيس اليمني، "كيف يمكن أن نقوم بأعمالنا كوزراء ورجال ونساء دولة إذا لم نكن واثقين بأننا لن نختطف أو يتم الإساءة إلينا".

واعتمدت وسائل الإعلام المحلية والخارجية في تغطية الأحداث على حساب السقاف، إلى جانب المعلومات التي تصلها من مراسليها ومصادرها. كما أن الوزيرة النشيطة لفتت انتباه الإعلام العالمي، الذي بات يستقي الأخبار والتطورات الأمنية من حسابها الخاص على موقع "تويتر". وتعتبر السقاف من أنشط وزراء الإعلام الذين تسلموا هذه الحقيبة في البلاد.
 
المساهمون