بينما تواصل السلطات السودانية تضييقها على الصحف المحلية، ومحاصرتها اقتصادياً ومصادرة أعدادها كل فترة وأخرى ما يكبّدها خسائر مالية ضخمة، وبينما يواصل الصحافيون السودانيون نضالهم من أجل الوصول إلى صحافة حرة بعيدة عن عين الرقيب الأمني والسياسي والاقتصادي، لا بدّ من الحديث عن دور سيّدة وصحافية سودانية في النضال طيلة عقود طويلة للوصول إلى صحافة حرة.
هي "السودانية الواعية" هكذا سمّاها الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ. عُرفت بسيدة الصحافة السودانية، بعدما قضت في مهنة المتاعب، ما يزيد عن 53 عاماً، ولا تزال حتى اليوم تناضل في هذا المجال. إنها أمال عباس، المثال الأفضل للمرأة السودانية المثقفة والواعية تماماً لدور النساء في مجتمع ومهنة تغلب عليهما الذكورية المطلقة.
عملت عباس خلال مسيرتها الصحافية على مناصرة حقوق المرأة والدعوة لخلق منابر جديدة يتمدد فيها الحراك النسوي، فضلاً عن تصديها للدفاع عن الحريات وإرساء أسس الديمقراطية. عرفت أناملها الكتابة الصحافية في سن مبكرة، حيث كانت أولى كتاباتها وهي في المدرسة المتوسطة. بدأت بالكتابة عن هموم الطالبات في مجلة نسائية وتطورت كتابتها لتصل إلى صفحات الفن والأدب والمنوعات والسياسة.
ولدت عباس في نهاية الأربعينات من القرن الماضي، عقب نهاية الحرب العالمية الثانية. وتعد واحدة من النساء الأوائل اللواتي دخلن مجال الصحافة. وكانت أول إمراة سودانية تصل لمنصب رئيسة تحرير لصحيفة سياسية مستقلة في العام 1999 وهي "الرأي الآخر"، حيث فتحت الباب بعدها لتوالي التجارب لقيادة المرأة في الصحف المحلية. تعد من الشخصيات التي ساهمت بإيجابية في طرق أبواب جديدة في الصحافة والسياسة بإظهار اهتمامها بالشعر الشعبي والأدب عموماً.
بعد إكمال تعليمها الثانوي، عملت عباس في مجال التعليم قبل أن تتزوج وترحل مع زوجها إلى مدينة سنار. وبعد وفاة زوجها مُنحت الدكتوراه الفخرية في الآداب من كلية الأحفاد الجامعية.
انخرطت عباس في العمل السياسي في سن مبكرة، وتحديداً مع الحزب الشيوعي السوداني، حيث كانت أصغر يسارية في روابط النساء. حصدت عدة جوائز بينها جائزة الشجاعة في الصحافة، وهي جائزة عالمية.
تنقلت عباس في عدد من الصحف السودانية، وآخر هذه الوظائف كانت في صحيفة "الصحافة" حيث عملت كمستشارة ولا تزال في الجريدة نفسها حتى تاريخ اليوم.
تعددت المواضيع التي تتناولها عباس في أعمدتها المختلفة والتي حملت أسماء مختلفة "كالعمق العاشر"، "صدى"، "مرافئ النجوم"... مؤكدة في أكثر من حال أن كل اسم زاوية كتبت فيها يحمل دلالة معينة وقريبة من قلبها وقلمها.
مَن عمل مع عباس يجزم بمهنيتها وديموقراطيتها وسلاسة إدراتها للصحيفة، فضلاً عن احترامها لمبادئها ومصداقيتها ونزاهة قلمها وتجربتها الصحافية التي يصفونها بالشجاعة. إذ تعرضت بسبب هذه الشجاعة للاعتقال مرات عدة. وحكم عليها عند رئاستها لتحرير صحيفة "الرأي الآخر" بالحبس لمدة ثلاثة أشهر. واختلفت أسباب سجنها، لكن أشهرها كان عند تناول الصحيفة لقضايا فساد تتصل بحاكم الخرطوم، إلى جانب مقالات ناهضت قرار الحاكم بمنع النساء من العمل في محطات البنزين. وبهدف إنقاذها من السجن طلب منها الاعتذار فرفضت، وعندما قدّم مالكو الصحيفة اعتذاراً نيابة عنها لإنقاذها قامت بتقديم استقالتها.
وظهرت عباس كصحافية معارضة واكتسبت شهرتها كمدافعة عن حرية التعبير والرأي. ورغم تاريخها المناضل يأخذ عليها الكثيرون بقاءها في صحيفة "الصحافة" رغم شرائها أخيراً من قبل الحزب الحاكم، بينما يرى مقربون منها أن عباس على ارتباط وجداني بالصحيفة التي قضت فيها فترة طويلة تزيد عن 11 عاماً.
نقادها يؤكدون ان لديها قدرة في تأسيس جو جيد للعمل لنجاحها في مجال العلاقات العامة، لكنهم ينظرون لها كشخصية سلبية ومترددة في اتخاذ القرارات، ويرون أن الفكر اليساري يسيطر عليها ما يلغي عنها صفة الحيادية السياسية.
وتعتبر عباس من السودانيين المعادين للتيار الإسلامي السياسي حيث كانت من المناهضين للمصالحة بين نظام جعفر النميري الذي أيدته، والإسلاميين وخاصت معركة شرسة ضد الإسلاميين في الصحف التي عملت فيها.
وتعتد عباس بمبادئها ومواقفها فحكت أنها سبق ورفضت الذهاب إلى الولايات المتحدة لاستلام جائزة الصحافة للشجاعة لتزامن الواقعة مع اجتياح واشنطن لأفغانستان إلى جانب أنها تحمل موقفاً مبدئياً ضد سياسة أميركا في العالم.
وبين معارض وموالٍ لها يجمع كل العاملين في مجال الصحافة في السودان على أن عباس "قلب مفتوح" لمختلف الأجيال من الإعلاميين بجميع تخصصاتهم وتوجهاتهم السياسية. ويؤكد من عاصرها من الصحافيين خلال رئاستها للتحرير تقديمها للمهنية على حساب أي قضية أخرى وهو ما جعل شعبيتها ترتفع في صفوف العالم الصحافي المحلي، خصوصاً أنها لم تتفرّد يوماً بأي قرار بل كانت تناقش كل الصحافيين حتى الشباب والصغار منهم، وهو ما أدى إلى نجاح صحيفة "الرأي الآخر" فوصل انتشارها إلى 95 في المئة من الأراضي السودانية.
اقــرأ أيضاً
هي "السودانية الواعية" هكذا سمّاها الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ. عُرفت بسيدة الصحافة السودانية، بعدما قضت في مهنة المتاعب، ما يزيد عن 53 عاماً، ولا تزال حتى اليوم تناضل في هذا المجال. إنها أمال عباس، المثال الأفضل للمرأة السودانية المثقفة والواعية تماماً لدور النساء في مجتمع ومهنة تغلب عليهما الذكورية المطلقة.
عملت عباس خلال مسيرتها الصحافية على مناصرة حقوق المرأة والدعوة لخلق منابر جديدة يتمدد فيها الحراك النسوي، فضلاً عن تصديها للدفاع عن الحريات وإرساء أسس الديمقراطية. عرفت أناملها الكتابة الصحافية في سن مبكرة، حيث كانت أولى كتاباتها وهي في المدرسة المتوسطة. بدأت بالكتابة عن هموم الطالبات في مجلة نسائية وتطورت كتابتها لتصل إلى صفحات الفن والأدب والمنوعات والسياسة.
ولدت عباس في نهاية الأربعينات من القرن الماضي، عقب نهاية الحرب العالمية الثانية. وتعد واحدة من النساء الأوائل اللواتي دخلن مجال الصحافة. وكانت أول إمراة سودانية تصل لمنصب رئيسة تحرير لصحيفة سياسية مستقلة في العام 1999 وهي "الرأي الآخر"، حيث فتحت الباب بعدها لتوالي التجارب لقيادة المرأة في الصحف المحلية. تعد من الشخصيات التي ساهمت بإيجابية في طرق أبواب جديدة في الصحافة والسياسة بإظهار اهتمامها بالشعر الشعبي والأدب عموماً.
بعد إكمال تعليمها الثانوي، عملت عباس في مجال التعليم قبل أن تتزوج وترحل مع زوجها إلى مدينة سنار. وبعد وفاة زوجها مُنحت الدكتوراه الفخرية في الآداب من كلية الأحفاد الجامعية.
انخرطت عباس في العمل السياسي في سن مبكرة، وتحديداً مع الحزب الشيوعي السوداني، حيث كانت أصغر يسارية في روابط النساء. حصدت عدة جوائز بينها جائزة الشجاعة في الصحافة، وهي جائزة عالمية.
تنقلت عباس في عدد من الصحف السودانية، وآخر هذه الوظائف كانت في صحيفة "الصحافة" حيث عملت كمستشارة ولا تزال في الجريدة نفسها حتى تاريخ اليوم.
تعددت المواضيع التي تتناولها عباس في أعمدتها المختلفة والتي حملت أسماء مختلفة "كالعمق العاشر"، "صدى"، "مرافئ النجوم"... مؤكدة في أكثر من حال أن كل اسم زاوية كتبت فيها يحمل دلالة معينة وقريبة من قلبها وقلمها.
مَن عمل مع عباس يجزم بمهنيتها وديموقراطيتها وسلاسة إدراتها للصحيفة، فضلاً عن احترامها لمبادئها ومصداقيتها ونزاهة قلمها وتجربتها الصحافية التي يصفونها بالشجاعة. إذ تعرضت بسبب هذه الشجاعة للاعتقال مرات عدة. وحكم عليها عند رئاستها لتحرير صحيفة "الرأي الآخر" بالحبس لمدة ثلاثة أشهر. واختلفت أسباب سجنها، لكن أشهرها كان عند تناول الصحيفة لقضايا فساد تتصل بحاكم الخرطوم، إلى جانب مقالات ناهضت قرار الحاكم بمنع النساء من العمل في محطات البنزين. وبهدف إنقاذها من السجن طلب منها الاعتذار فرفضت، وعندما قدّم مالكو الصحيفة اعتذاراً نيابة عنها لإنقاذها قامت بتقديم استقالتها.
وظهرت عباس كصحافية معارضة واكتسبت شهرتها كمدافعة عن حرية التعبير والرأي. ورغم تاريخها المناضل يأخذ عليها الكثيرون بقاءها في صحيفة "الصحافة" رغم شرائها أخيراً من قبل الحزب الحاكم، بينما يرى مقربون منها أن عباس على ارتباط وجداني بالصحيفة التي قضت فيها فترة طويلة تزيد عن 11 عاماً.
نقادها يؤكدون ان لديها قدرة في تأسيس جو جيد للعمل لنجاحها في مجال العلاقات العامة، لكنهم ينظرون لها كشخصية سلبية ومترددة في اتخاذ القرارات، ويرون أن الفكر اليساري يسيطر عليها ما يلغي عنها صفة الحيادية السياسية.
وتعتبر عباس من السودانيين المعادين للتيار الإسلامي السياسي حيث كانت من المناهضين للمصالحة بين نظام جعفر النميري الذي أيدته، والإسلاميين وخاصت معركة شرسة ضد الإسلاميين في الصحف التي عملت فيها.
وتعتد عباس بمبادئها ومواقفها فحكت أنها سبق ورفضت الذهاب إلى الولايات المتحدة لاستلام جائزة الصحافة للشجاعة لتزامن الواقعة مع اجتياح واشنطن لأفغانستان إلى جانب أنها تحمل موقفاً مبدئياً ضد سياسة أميركا في العالم.
وبين معارض وموالٍ لها يجمع كل العاملين في مجال الصحافة في السودان على أن عباس "قلب مفتوح" لمختلف الأجيال من الإعلاميين بجميع تخصصاتهم وتوجهاتهم السياسية. ويؤكد من عاصرها من الصحافيين خلال رئاستها للتحرير تقديمها للمهنية على حساب أي قضية أخرى وهو ما جعل شعبيتها ترتفع في صفوف العالم الصحافي المحلي، خصوصاً أنها لم تتفرّد يوماً بأي قرار بل كانت تناقش كل الصحافيين حتى الشباب والصغار منهم، وهو ما أدى إلى نجاح صحيفة "الرأي الآخر" فوصل انتشارها إلى 95 في المئة من الأراضي السودانية.