الحرب العالمية الصامتة: ماذا يحصل على الشبكة؟

24 فبراير 2017
لا تستخدم الحرب الجديدة أسلحة تقليدية (Getty)
+ الخط -
في كتابه "المنطقة المخفية"، تحدّث الصحافي الأميركي، فريد كابلان، عن التاريخ السرّي للحروب الإلكترونية، الجانب الخفي لاستخداماتها، وتخطيها حدود القانون في معظم الأحيان. واستند كابلان إلى مقابلات مع مئة شخص، بينهم وزراء وجنرالات ومسؤولون ومحللون في "وكالة الأمن القومي" الأميركية، علماً أنها تعدّ من وكالات التجسس الأهم في الولايات المتحدة الأميركية والعالم.


وبينما تعدّ الحروب الإلكترونية جديدة من نوعها، إذ لا تستعمل الأدوات التقليدية في الحروب العسكرية، ولا تحتاج إلّا إلى مجموعة من الأشخاص الأذكياء وأجهزة الحواسيب المتقدمة، لشنّ هجمات مباشرة، وقد تخلّف آثاراً هائلة، من دون تحرّك المنفّذين عن مقاعدهم، رصد كابلان حادثة تعود إلى عام 1983، واعتبرها نقطة محورية في تطور ترسانة الحرب الإلكترونية للولايات المتحدة الأميركية، مشيراً إلى أن الأخيرة استخدمتها بفاعلية في حرب الخليج عام 1991، ثم في صربيا في منتصف التسعينات، كما استخدمتها ضد الاتحاد السوفييتي السابق خلال أعوام الحرب الباردة.

وتتلخص القصة في أن الرئيس الأميركي الراحل، رونالد ريغان، شاهد فيلم "ألعاب الحرب" (فيلم خيال علمي، 1983)، الذي يعرض قصة صبي يخترق نظام إحدى المؤسسات العسكرية الأمنية من دون علمه، ما أقلق ريغان.

فاستدعى لاحقاً كبار مساعديه وجنرالات الجيش، وأجرى مشاورات عدة، نتج عنها مذكرة الأمن القومي رقم 145، في سبتمبر/أيلول عام 1984، تحت عنوان "السياسة القومية لأمن الاتصالات وأنظمة المعلومات الأوتوماتيكية". وركزّت على مخاطر استخدام أجهزة الحاسوب وإمكانية اختراقها وسرقة المعلومات من قبل دولة معادية أو منظمة إرهابية.

واعتبر الكتاب المذكرة بِذرة "الحرب الإلكترونية" الأولى في الولايات المتحدة الأميركية، لتتطور لاحقاً في عهود رؤساء أميركيين عدة، لتحصل النقلة الكبرى في عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما.

صعدّت الولايات المتحدة الأميركية من حربها الإلكترونية عام 2010، عندما دمجت القدرات السيبرانية للجيش الأميركي، القوات الجوية، القوات البحرية، والمشاة والبحرية تحت سقف واحد، وخصصت مليارات الدولارات لهذا المشروع. وفي عام 2014، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن توسع هائل في قدراتها الحاسوبية، وزيادة عدد الموظفين من 1800 موظف في عام 2014 إلى 6000 موظف في عام 2016.

لكن السيناريو المذكور لم يقتصر على الولايات المتحدة الأميركية، ولم يكن باستطاعتها احتكاره، خصوصاً مع انتشار الإنترنت حول العالم. وبالتالي دخلت العديد من الدول المتطورة في الحرب الافتراضية، أو هي في صدد تأسيس وحدات متخصصة ضمن وزارات الدفاع تستطيع التعامل مع هذا النوع من الحروب.

وهكذا تحول الإنترنت إلى "وحش إلكتروني" يستحيل التحكم فيه، وتنوعت مجالات استخدامه في إحداث الفوضى، تعطيل البنية التحتية، التجسس، وتدمير المعلومات.

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية نشرت تقريراً، أخيراً، أشارت فيه إلى أن 49 دولة اشترت برامج قرصنة جاهزة، 29 دولة لديها وحدات جيش دفاع إلكتروني، و63 دولة لديها أدوات تجسس محلياً أو دولياً.

أما الدول التي تضمّ الجيوش الإلكترونية الأخطر، فهي: الولايات المتحدة الأميركية طبعاً، ممثلة بـ "القيادة السيبرانية"، الصين ممثلة بالوحدة المعروفة باسم "مجموعة شنغهاي" أو "الوحدة 61398"، "الوحدة العسكرية الإلكترونية" في روسيا، ودولة الاحتلال الإسرائيلي ممثلة بـ "هيئة الحرب الإلكترونية" التي تتبع قيادة أركان الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى المملكة المتحدة، ويضاف إليها إيران وكوريا الشمالية. وقد تورطت الدول المذكورة في جولات عدة من الحرب الإلكترونية فيما بينها.


تعدّ الحرب الافتراضية الحاصلة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، أواخر العام الماضي، الأبرز. وكانت ملامح النزاع بلغت الذروة خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، إذ اتهمّت الاستخبارات الأميركية روسيا بالتدخل في الانتخابات، لصالح الرئيس الحالي، دونالد ترامب، عبر تسريبات طاولت البريد الإلكتروني للمرشحة الديمقراطية الخاسرة، هيلاري كلينتون، واختراق خوادم لجنة الحزب الديمقراطي مرتين، ما أعاد تسليط الضوء على الذراع الإلكترونية الحكومية الروسية "أي بي تي 29" أو ما يسمى "الدب الدافئ".

ورغم حالة الصدمة التي أصابت المسؤولين والرأي العام الأميركي جرّاء هذا الاختراق، فإن الولايات المتحدة لم تكن بمنأى عن هذا النوع من التدخلات. وأفاد تقرير نشرته وكالة "رويترز" في أغسطس/آب الماضي، بأن تسريبات من "وكالة الأمن القومي" بينت أن إدارة أوباما تورطت في عمليات تنصت كبيرة على الحملات الانتخابية والرؤساء أيضاً.

ووصف التقرير الولايات المتحدة بـ "الدولة الأكثر عدوانية" في مجال التجسس والقرصنة الإلكترونية، مستشهداً بالتسريبات التي نشرها الموظف السابق في "وكالة الأمن القومي"، إدوارد سنودن، والتي أكدت تدخلها في الانتخابات المكسيكية الأخيرة، ومساعدة إنريكي بينيا نييتو على الفوز برئاسة البلاد. كما أفادت "دير شبيغل" بأن المخابرات الأميركية اعترضت 85489 رسالة نصية خلال هذه الانتخابات.

ولم تقتصر الهجمات الروسية الإلكترونية على الولايات المتحدة، إذ شلّت الإنترنت تماماً في إستونيا عام 2007، وشكلت الهجمات الإلكترونية بين روسيا وجورجيا حرباً إلكترونية موازية للحرب التقليدية التي كانت قائمة بين البلدين في عام 2008. وأعلنت أوكرانيا في سبتمبر/أيلول الماضي عن تعرضها لنحو 6500 هجوم إلكتروني، متهمة أجهزة الأمن الروسية. وحالياً، بدأت دول أوروبية عدة، بينها ألمانيا وفرنسا وتشيكيا وأوكرانيا بالإضافة إلى بريطانيا، باتخاذ الاحتياطات اللازمة، تخوفاً من اختراق روسي لانتخاباتها.

وفي سياق متصل، دخلت الولايات المتحدة والصين في حرب إلكترونية طويلة، وسط توتر في العلاقات على الأرض بين البلدين. لكن أهداف البلدين في هذه الحرب متباينة، ففي حين تبدو أهداف الولايات المتحدة تجسسية في المقام الأول، يظهر أن أهداف الصين صناعية، إذ تسعى وراء الأسرار الصناعية والتجارية وحقوق الملكية الفكرية. وهاجمت 141 شركة أميركية في مختلف المجالات الصناعية، وحصلت على خرائط تقنية وحقوق ملكية فكرية وخطط أعمال مشاريع كاملة في حجم كمية مسروقة تساوى 50 ضعفا للمعلومات الموجودة في مكتبة الكونغرس، في عام 2013.

أما ملامح الحرب بين الولايات المتحدة وإيران، فيمكن اختصارها بالهجمات الإلكترونية الإيرانية على مؤسسات مالية أميركية، رداً على العقوبات في 2013. بدورها، تحالفت الولايات المتحدة مع الاحتلال الإسرائيلي، وشنت هجمات على المنشآت النووية الإيرانية، وأبرزها منشأة "نطنز" الشهيرة، حيث عُطّل ألف جهاز طرد مركزي، في 2010.

وشهدت المنطقة بعض ملامح الحرب الإلكترونية العالمية الدائرة، إذ تعرضت شركة "راس غاز" القطرية، لهجوم إلكتروني عام 2012، بعد أيام قليلة على استهداف شركة "آرامكو" السعودية. وفي عام 2015، تعرضت صحيفة "الحياة" السعودية للقرصنة، على يد "الجيش اليمني الإلكتروني". كما تعرضت مواقع حكومية سعودية، في يناير/كانون الثاني الماضي، لهجمات إلكترونية خطيرة.


وفي السياق نفسه، دخل الصراع التاريخي بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين المجال الإلكتروني، خصوصاً أن الاحتلال الإسرائيلي يعدّ من الدول الرائدة في هذا المجال. وأفادت مجلة "الدفاع الإسرائيلي" أخيراً، بأن ضباط الجيش المسرحين يتولون قياد الذراع الإلكترونية للحكومة الإسرائيلية. لكن تقارير أخرى كشفت عن تعرض ربع المرافق المدنية الإسرائيلية، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لهجمات إلكترونية.

وبينما تلعب الدول المتطورة الدور الأساسي في الحرب الإلكترونية القائمة لأسباب تجسسية أو صناعية، لم تبقَ الدول النامية، والديكتاتورية تحديداً، بعيدةً عن هذه الحرب، رغم ضعف قدراتها التقنية والبشرية على حدّ سواء.

واستغلت دول عربية عدة قدراتها المحدودة، لشنّ حرب افتراضية على مواطنيها، علماً أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً وأساسياً في ثورات الربيع العربي.

لذا دخلت دول عدة في حرب إلكترونية ضد الناشطين، وتعددت أشكال هذه الحرب، بدءاً من اعتقال الناشطين على مواقع التواصل على خلفية منشور أو تغريدة معينة، اعتقال مؤسسي صفحات معينة على مواقع التواصل تنشط في معارضة النظام، وصولاً إلى حجب تطبيقات أو مواقع إلكترونية معينة.

وتعدّ مصر من أبرز الدول في هذا المجال. أما في سورية، فيعمل "الجيش السوري الإلكتروني" على اختراق حسابات المعارضين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات التابعة لهم، بالإضافة إلى الترويج الإعلامي لنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، ونشر الشائعات على شبكة الإنترنت.

أما في دول عربية أخرى تشهد نوعاً من الاستقرار الأمني، فتجري ملاحقة مستخدمين على الإنترنت، وتتم محاكمتهم إما بتهم "الازدراء الديني" أو "الإساءة للدولة"، ما يعني أن الدول العربية لا توفرّ أي نوع من "الأسلحة" التي يمكن توجيهها إلى المواطن العربي، بينما لا تحقق أي إنجاز في حروبها الفعلية أو الإلكترونية على الأرض، لتبقى السبّاقة دائماً في إعلان الحرب على مواطنيها، وربح هذه الحرب، ولو بشكل مؤقت.