لن تكون زيارة وزير الاقتصاد الفرنسي السابق والمرشّح لرئاسة فرنسا 2017، إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر مشابهة لزيارات مسؤولين فرنسيين سابقين. إذ إن كلام ماكرون عن الاستعمار أمام نصب شهداء الثورة، وإعادته بصياغة أوضح في اليوم التالي خلال مقابلة صحافية، سيفتح باباً جديداً في العلاقات بين البلدين، في حال تمكن ماكرون من تحقيق حلمه الرئاسي في الثامن من أيار/مايو المقبل.
وكان ماكرون قد صرّح في مقابلة صحافية لقناة "الشروق" الجزائرية المحلية، أن الاستعمار الفرنسي "جريمة ضد الإنسانية"، ووصفه بـ"البربرية الحقيقية".
وقال ماكرون: "علينا أن ننظر إلى ماضينا بعين مشتركة ونعترف بأنّ جرائم وتعذيبا وبربرية رافقت الوجود الفرنسي في الجزائر، وفي الوقت عينه لا أريد أن نحس بذنب من دون العودة لبناء ما هدمناه بأيدينا".
وفي رده على سؤال شاب جزائري حول ما قاله منذ شهرين عن الجانب الإيجابي للاستعمار، قال ماكرون: "الأمر موجود عبر التاريخ، ولا يمكن إسقاط تجارب استعمارية على أخرى".
وفور انتهاء المقابلة، ركّز نواب ومسؤولو اليمين هجومهم على ماكرون. والردّ الأول جاء من المرشح الرئاسي فرانسوا فيون، الذي قال في لقاء انتخابي، مساء الأربعاء، إن "ماكرون يكره تاريخ بلاده. هذه التوبة والانبطاح لا تشرّف أي مرشح للرئاسة الفرنسية". وأضاف: "ماكرون لا يمتلك عموداً فقرياً لأنه يقول ما يريد الناس سماعه".
وغرّد المرشح الجمهوري السابق والمقرب من الجبهة الوطنية، جان فريدريك بواسون، على موقع "تويتر": "لا أفهم كيف تعمل شخصية سياسية فرنسية على تحقير صورة فرنسا كماكرون".
Twitter Post
|
أما الكلام الأعنف، فجاء على لسان النائب جيرالد دارمانان، الذي قال: "العار لإيمانويل ماكرون الذي يشتم فرنسا من الخارج، ويبصق على تضحيات آلاف الجنود الذين دافعوا عن شرف فرنسا".
مؤيدو "الجبهة الوطنية" انتقدوا بشدة ماكرون واعتبروا تصريحاته "انبطاحاً متواصلاً لسلّة من اليسار البائس الهامشي". كما وصفته زعيمة "الجبهة الوطنية" والمرشحة الرئاسية، مارين لوبان بـ"مرشح النخب، البنوك، الإعلام... والانبطاح".
أما نائب رئيس "الجبهة الوطنية"، فلوريان فيليبو، فكتب على موقع "فيسبوك": "يبدو أنّ ماكرون لم ينتبه للطرقات والمشافي واللغة الفرنسية التي كان لفرنسا الفضل في وجودها في الجزائر".
Facebook Post |
صحيفة "لوبوان" في قراءتها للزيارة، رأت أنّ ماكرون جاء إلى الجزائر كرئيس لبلاده، وقد لاحظ الجميع الحفاوة التي استقبله فيها المسؤولون الجزائريون، من السجاد الأحمر إلى الغداء مع رئيس الهيئة العليا للمؤسسات، علي حداد، وصولاً إلى العشاء مع رئيس الوزراء الجزائري، عبدالمالك سلال.
ونقلت الصحيفة عن صحيفة "الوطن" المحلية أنّ "المرشح الذي يقدم نفسه ضد النظام اليوم عرف كيف يتوجه إلى الجزائريين، وهو الأكثر إقناعاً حتى اليوم من بين كل المرشحين الآخرين".
وذكرت "الوطن" أنّ "ماكرون على غرار آلان جوبيه، مرشح الجمهوريين المهزوم في الانتخابات التمهيدية، أصرّ على زيارة الجزائر خلال حملته الانتخابية، والجزائر قد لا تنظر إلى ماكرون على أنه مرشح ثوري، إذ تتحفظ كثيراً على التسويق الانتخابي والظروف التي جعلته يتوجه بخطاب يدين فيه الاستعمار، بانتظار خطوات فعلية تطوي صفحة سوداء في حال وصوله للإليزيه".
وفي السياق نفسه، كتبت "لوموند" عن زيارة ماكرون: "يبدو ماكرون المرشح المفضل في الجزائر اليوم. إذ إن فرانسوا فيون بخطابه المحافظ والمعتزّ بتاريخ استعماري طويل، يبدو بعيداً كل البعد عما يتمناه الجزائريون. السؤال عن مارين لوبان لن يكون بديهياً في الجزائر، لذلك تنحصر الخيارات هنا بين ماكرون والمرشح اليساري بونوا هامون، ويبدو أنّ تطمينات ماكرون وانفتاحه في هذه الزيارة جعلت منه المرشح الأمثل بالنسبة لبلد المليون شهيد، المرشح الذي فرضته الظروف قبل كل شيء".