سخرية شربل خليل من السوريات أو قاع العنصرية المزدحم

16 ابريل 2016
من وقفة في بيروت ضد الإتجار بالبشر (العربي الجديد)
+ الخط -
ليس جديداً على المخرج اللبناني شربل خليل بناء نصّه الساخر (والفكاهي بالمبدأ) و"اسكتشات" برنامج "بسمات وطن" على العنصرية. العنصرية ضد الفئات الاجتماعية المهمّشة في لبنان، من العاملات الأجنبيات في المنازل، وصولاً إلى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وجديده في السنتين السابقتين اللاجئون السوريون. لكن هذه المرة نجح خليل بملامسة قاع جديد، بالعنصرية الممزوجة بذكورية فجّة ووقحة.
في أحد اسكتشات برنامجه الذي عرضته "المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشونال" الخميس الماضي، نرى فتاة لبنانية تبكي لأن حبيبها تركها، فيخبرها والد الشاب أنه هو من طلب منه ذلك لأن علاقة ابنه بها مكلفة جداً. ثمّ تأتي "النكتة" المفترضة. ينده الأب لابنه، ليأتي ومعه فتاتان سوريتان. انتهت النكتة، وغالباً أضحكت كثيرين. بدل الفتاة اللبنانية الواحدة، بإمكان الشاب اللبناني أن يخرج مع فتاتين سوريتين، لأنهما "أوفر". هذه هي النكتة. 
تأتي هذه الدعابة السمجة، في وقت لا يزال الأمن اللبناني يكمل تحقيقاته في أبشع قضية إتجار بالبشر في لبنان، ضحاياها سوريات أجبرن على ممارسة الدعارة في أماكن هي أشبه بالسجون، وفي ظروف غير إنسانية. وتأتي هذه الدعابة السمجة في وقت تنشط جمعيات لبنانية وسورية ودولية للحد من استغلال السوريات جنسياً. لكن طبعاً كل ذلك لا يعني شربل خليل. هو الذي سبق له أن كرّس في أكثر من مرة في برنامجه "الطريف" نفسه، الفوقية اللبنانية، وتميّز اللبناني على السوري.
لم تولد "خفة دم" شربل خليل من عدم، هي جزء من منظومة فكرية، وسياسية وأمنية لبنانية، تغذيها تصريحات وزراء ونواب لبنانيين تارة، والمداهمات الأمنية لمخيمات اللاجئين السوريين، وما يتسرب عن هذه المداهمات من صور للتعامل غير الإنساني مع اللاجئين، طوراً... شربل خليل ابن هذا النظام اللبناني بكل قبحه وعنصريته، وبكل قوانينه. حتى محاولاته التلفزيونية للتمرد على المشهد السياسي، وعلى المحرّمات (تقليد أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله على سبيل المثال)، تبقى في الإطار المسموح به. الإطار الذي يبقيه تحت السقف المتعارف عليه، حتى وإن بدا "ثورياً وجامحاً وخطراً". 
حفلة الجنون هذه، تغذيها التصريحات عن الخطر الديموغرافي الذي يهدد اللبنانيين، والتلويح الذي أطل علينا فجأة بتوطين اللاجئين السوريين في لبنان (أغلبهم من الطائفة السنية، وفق الحسابات اللبنانية المباشرة)... كل ذلك يجعل أي ردة فعل مسموحة، خصوصاً إذ جاءت في إطار التهريج الذي ينتجه شربل خليل ويعرضه علينا مساء كل خميس. 
متأخرة جاءت ردود الفعل على الفيديو الذي انتشر اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، متزامناً مع هبّة لبنانية للدفاع عن الوطنية الخالصة في وجه "الغرباء": حملات على مواقع التواصل ضدّ ناشطة سخرت من الأرزة، تهديدات من محامية "مدنية" ضدّ كل من تسوّل له نفسه السخرية من الأرزة نفسها، أو من العلم اللبناني، اقتحام مقرات وسائل إعلامية اتهمت بإهانة لبنان. 
يمثل شربل خليل جزءا من كل، جزءا من مجموعة خائفة على "الهوية اللبنانية" بمفهومها البدائي الضيق في وجه "الغريب". الغريب الذي قد يكون عاملة كينية متدلية من طابق مرتفع في شارع الحمرا، أو لاجئ فلسطيني، أو صبية سورية جميلة... طالما هناك من يصفّق لهذه الرداءة الفنية المسمّاة كوميديا لبنانية، سيبقى "الغريب" موضوعاً للسخرية، وسيبقى شربل خليل وجه لبنان المضيء في الكوميديا، وخفة الظل.






دلالات
المساهمون