زمن ازدهار الإعلام الإسرائيلي المتطرف... برعاية نتنياهو

13 يناير 2016
(Getty)
+ الخط -
في خطوة أخرى تدلل على مدى التزامها بتمكين اليمين الديني من إحكام سيطرته على سوق الإعلام، خرجت الحكومة الإسرائيلية عن طورها في تقديم التسهيلات لقناة تلفزيونية جديدة ذات توجه يميني ديني متطرف، على حساب قناة رسمية كانت تبث باللغة العربية.

قناة جديدة لبثّ التحريض

وتحظى القناة الجديدة، التي أطلق عليها اسم "قناة 20"، بدعم مباشر من ديوان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يشغل في الوقت ذاته منصب وزير الاتصالات، وهو المنصب الذي يخوله التأثير على البث التلفزيوني والإذاعي. وبناءً على تعليمات نتنياهو، فقد قررت وزارة الاتصالات السماح بتسويق قناة "20" ضمن منظومة "عيدان بلوس" التي تختص بتسويق قنوات البث التلفزيوني بدل قناة "33"، وهي قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية التي تبث باللغة العربية. وبحسب صحيفة "هآرتس"، فإنّه على الرغم من أن منح الترخيص لـ"قناة 20" جاء على اعتبارها قناة تُعنى بالتراث والتقاليد اليهودية ولا تُعنى بالسياسة، إلا أن القناة شرعت فوراً في تجاوز شروط الترخيص وباتت تبث برامج ذات طابع سياسي وأيدلوجي وتُعنى بتقديم برامج اقتصادية، في مسعى لجذب أكبر قطاع من الجمهور. وشرعت القناة الجديدة في الترويج للخط
الدعائي والأيدلوجي والسياسي للتيار اليميني الديني المتطرف، من خلال تبني مواقف هذا التيار.

وقد أضفت الحكومة ووزراؤها شرعية على تجاوزات "قناة 20" القانونية والانضباطية، من خلال تهافت الوزراء وكبار المسؤولين على المشاركة في البرامج الحوارية التي تبثها القناة، والتي باتت تستحوذ على اهتمام قطاع واسع من الجمهور الإسرائيلي، لا سيما من ذوي التوجهات الدينية واليمينية. وتسمح القناة، عبر حساباتها على "تويتر" و"فيسبوك" و"يوتيوب"، بتفاعلات للجمهور، من خلال طرح أسئلة انتقائية تستدعي المواقف العنصرية والتحريض. ومما يدلل على أن القائمين على القناة معنيون بتوظيفها بالترويج للأفكار اليمينية المتطرفة، فقد عنت القناة بشكل خاص باستيعاب الصحافيين من ذوي التوجهات اليمينية والدينية، لا سيما الصحافي ومقدم البرامج أرئيل سيغل.

ويقول الصحافي نتنئيل شلوموفيتش إن منح الأفضلية لقناة "20" لا ينحصر في التسهيلات التقنية والإدارية والقانونية، بل أيضاً يتجسد في حرص الوزراء وكبار المسؤولين على منح هذه القناة عددا من السوابق الصحافية لتكريس مصداقيتها، إلى جانب عدم تردد المسؤولين الذين يتولون مناصب حساسة في الموافقة على طلب القناة بإجراء مقابلات معهم، كما فعل مسؤول ملف الموازنة في وزارة المالية، الذي كشف تفاصيل مهمة في مشروع الموازنة. ويشير شلوموفيتش، في تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر الأربعاء الماضي، إلى أن ما يفاقم خطورة السماح لـ"قناة 20" ببث برامج إخبارية وسياسية أنها تعتمد التحريض الفج على الفلسطينيين؛ ليس فقط لأن مقدمي البرامج هم من النخب اليمينية المتطرفة، بل لأن هذه القناة تحرص أيضاً على استضافة المرجعيات الدينية المشهورة بتحريضها على العنف والقتل.

اقرأ أيضاً: الإعلام العربي واقتباس "ديبكا" الإسرائيلي

تمييز ضد الوسائل الناطقة بالعربية

وفي افتتاحية عددها الصادر أول من أمس، اعتبرت صحيفة "هآرتس" أن "الممارسة التمييزية" ضد قناة "33"، التي تبث بالعربية، والتي يفترض أن تلبي حاجة جمهور فلسطينيي الداخل "تعد سلوكاً عنصرياً، يعكس نمط التعاطي الدائم الذي تتعاطى به الحكومة الإسرائيلية
مع هؤلاء الفلسطينيين". ونوهت الصحيفة إلى أن وكلاء الوزارات من ذوي العلاقة بالبث الذين تجندوا لخدمة "قناة 20" تنكروا لحاجة الجمهور الفلسطيني "في خطوة تشي بعمق الاعتبارات السياسية والأيدلوجية التي تتحكم في معايير التعاطي مع البث في إسرائيل". ونوهت الصحيفة إلى أن إسرائيل تجفف منابع المصادر الإعلامية التي كانت مخصصة لخدمة جمهور فلسطينيي الداخل.

وهناك الكثير من الشواهد التي تدلل على أن التمييز ضد برامج البث المخصصة لفلسطينيي الداخل في مؤسسات البث التي تديرها الدولة واسع وراسخ. فحسب الموازنة المخصصة لمجمع البث الجماهيري الجديد الذي تديره الدولة، والذي سيبدأ العمل ابتداءً من مارس القادم، فإنه قد تم تخصيص مبلغ 180 مليون شيكل (حوالي 45 مليون دولار) لشراء برامج ومسلسلات باللغة العبرية، في حين تم تخصيص 20 مليون شيكل فقط (ستة ملايين دولار) للبرامج باللغة العربية؛ وهو ما يمثل 10 بالمائة من المخصصات لشراء البرامج؛ في حين أن فلسطينيي الداخل يمثلون 20 بالمائة من نسبة السكان في إسرائيل. ومن أصل 15 محطة إذاعة مناطقية تبث في إسرائيل، فإنّ السلطات سمحت فقط لإذاعة واحدة باللغة العربية بالبث.

وفي السياق، كشفت الإذاعة العبرية، الخميس الماضي، عن أن نخب حكم يمينية تجري اتصالات مع عدد من رجال الأعمال اليهود في أرجاء العالم لتمويل إقامة المزيد من قنوات البث التي تخدم الخط الدعائي لليمين. وأشارت الإذاعة إلى أن على رأس الأشخاص الذين توجهت إليهم هذه النخب الملياردير اليهودي الأميركي شيلدون أدلسون، مالك صحيفة "يسرائيل هيوم"، أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً، وأثرياء يهودا آخرين.

ونوهت الإذاعة إلى أن النخب اليمينية، وضمنها نواب ووزراء في الحكومة، يتكتمون على نتائج الاتصالات اليهود، مرجحة أن تحظى هذه الاقتراحات بترحيب رجال الأعمال من ذوي التوجهات اليمينية المتطرفة. ولم تستبعد الإذاعة أن يلعب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دوراً في إقناع رجال الأعمال اليهود بتبني هذه الاقتراحات، وتوظيف ثقله في إقناعهم. وأوضحت الإذاعة أن نتنياهو يحتفظ بعلاقات صداقة قوية مع أدلسون، الذي يسهم في تمويل حملاته الانتخابية. ويشار إلى أن أدلسون أمر بتوزيع صحيفة "يسرائيل هيوم" مجاناً، لضمان وصولها إلى أكبر عدد من الإسرائيليين، في مسعى منه لتسويق أيدلوجية اليمين الإسرائيلي.

لكن في الوقت الذي تسهل الحكومة الإسرائيلية ظروف عمل وسائل الإعلام ذات التوجه اليميني، وتميز ضد البث المخصص لفلسطينيي الداخل، فإنها تمنع كل الأصوات التي توجه للتيار الديني بسبب مجاهرته بتأييد التنظيمات الإرهابية التي تعمل ضد الفلسطينيين، لا سيما التنظيم الإرهابي المسؤول عن إحراق عائلة دوابشة. فقد أصدر يارون ديكل، مدير عام إذاعة الجيش الإسرائيلي، أواخر الأسبوع الماضي، قراراً بوقف الصحافي نيف بروفال عن العمل في الإذاعة، بعدما كتب مقالاً في صحيفة "هآرتس" أشار فيه إلى أن الأغاني التي تمجد منفذي العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين تحظى بشعبية كبيرة لدى جمهور التيار الديني اليميني في إسرائيل.

إلى ذلك، فإنّ قنوات التلفزة الخاصة التي يلزمها قانون سلطة البث الثانية ببث برامج باللغة العربية، لا تبث كل منها إلا برنامجا واحدا فقط خلال الأسبوع ولمدة ساعة فقط.

اقرأ أيضاً: هكذا تُفبرك المواقع الاسرائيلية شواهد لتجريم الفلسطينيين


التأثير على الإعلام

واعتبر عدد من المعلّقين في إسرائيل أن حرص نتنياهو على الاحتفاظ بوزارة الاتصالات

ضمن الوزارات التي يديرها تأتي بسبب رغبته في التأثير على سوق الإعلام في إسرائيل بشكل يخدم الخطاب اليميني ويسوق له. وأشار بن كاسبيت، المعلق في صحيفة "معاريف" إلى أن نتنياهو كوزير للاتصالات وكرئيس للوزراء يتبع سياسة "العصا والجزرة" مع وسائل الإعلام، لافتاً إلى أنه يقدم تسهيلات لوسائل الإعلام التي لا تنتقده وتقلص الاهتمام بقضايا الفساد المتعلقة بزوجته، في حين يتخذ موقفاً متشدداً من وسائل الإعلام التي تحافظ على خط نقدي لسياساته ولا تتردد في الانشغال بتغطية قضايا التحقيق في قضايا الفساد وسوء إدارة المال العام التي تورطت فيها زوجته سارة.

ونوه كاسبيت إلى أن نتنياهو قدم تسهيلات عمل لموقع "وللا"، أوسع المواقع الإخبارية وأحد أهم محركات البحث في إسرائيل، في حين أن الموقع تجنب تغطية تطورات التحقيقات مع سارة. وأشار كاسبيت إلى أن نتنياهو يرفض منح تسهيلات لقناة التلفزة العاشرة بسبب تعمد معلقيها توجيه انتقادات له، الأمر الذي جعل القناة تواجه خطر الإغلاق. ويذكر أن نتنياهو رفض خلال الحملة الانتخابية الأخيرة دخول استوديوهات القناة إلا بعد أن يخرج منها المعلق رفيف دروكير، الذي أعد وقدم عددا من التحقيقات حول مظاهر فساد عائلة نتنياهو، وتعمدها إهدار المال العام.


اقرأ أيضاً: "فيسبوك"... مصيدة إسرائيلية لإدانة الفلسطينيين
المساهمون