صحافيون عراقيون لـ"العربي الجديد": الموصل جحيم

04 ديسمبر 2014
يحاول الصحافيون البحث عن طرق "ملتوية" للقيام بعملهم (الأناضول)
+ الخط -
"كل شيء قابل للنشر، والتصوير مسموح لجميع الصحافيين، لكن يجب أن يمر على ديوان الخليفة أو الوالي الشرعي لمدينة الموصل (405 كلم شمال بغداد). الصورة والصوت لا يخرجان إلا بموافقة، والخبر والتقرير يخضعان لتعديل وتنقيح قبل خروجهما إلى العلن، وإلا الإعدام في ساحة المدينة العامة علناً سيكون مصير المخالف"... بهذه الكلمات يسرد الصحافي محمد المولى تعاطي تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش" مع الصحافيين في الموصل. المولى كان قد نجا بنفسه من مقصلة "داعش"، بعد نشره تقريراً حول ممارسات عناصر التنظيم مع الأهالي، واستيلائه على منازل المسيحيين وأعضاء الحزب الإسلامي العراقي على إحدى المحطات الفضائية المحلية. 

الصحافي لا يجرؤ على كل شيء
ويقول المولى لـ"العربي الجديد" لا أنصح الناس بتصديق كل ما يخرج من الموصل بشكل مطلق، فالصحافي لا يجرؤ على نقل كل شيء يغضب "داعش" ما دام هو في مناطق نفوذ التنظيم.
ويضيف "تنظيم الدولة الإسلامية زرع الرعب في نفوس الصحافيين، بقتله عدداً منهم أمام مرأى من زملائهم الذين خالفوا أوامره. لكن نحن اليوم في الموصل ننجح في إيجاد طرق التفاف على "داعش"، من بينها استخدام أسماء حركية في نشرنا للتقارير، وإعداد تقارير خاصة نرسلها إلى "داعش" كي يطلعوا عليها". 
ويبيّن أن "الصحافيين الموجودين حالياً في الموصل يخضعون لسلطة "داعش"، والصدق في عملهم يعني الموت، لذا تجد أن أغلب وسائل الإعلام المتعاقدة معهم تكتفي بالصور العامة للأسواق والشوارع، ولا تظهر غير ذلك، والأخبار تستقيها منهم، لكن تنسبها إلى شهود عيان ومصادر محلية".
ويشير المولى إلى أن "مخالفة تعليمات التنظيم تعني أنك ستكون خلال ساعات أمام مصير الإعدام في ساحة عامة، بسبب مخالفتك للشروط التي يفرضها التنظيم على الصحافيين العاملين في نقل الأحداث. ولكننا نعمل على كشف ما يقوم به التنظيم من جرائم تطال جميع مكونات
نينوى، ومنها الصحافيون. فنحن حين نريد القيام بإعداد تقرير صحافي عن موضوع ما، نقدم نسخة من التقرير إلى المكتب الإعلامي التابع للقاضي الشرعي الذي يطلع عليه، ويعيد الموضوع لنا بعد التدقيق وحذف ما يخالف نهج "داعش"، ولكننا حين ننشر الأخبار نرسل تقارير ثانية غير تلك التقارير التي سلمناها للمكتب الإعلامي التابع لـ"داعش"، ويكون التقرير فيه معلومات تنشر انتهاكات "داعش" من خلال ما نراهُ من انتهاكات ضد مكونات المحافظة". موضحاً أن "مسؤولي تنظيم الدولة الإسلامية لا يثقون في الصحافيين العراقيين في نينوى، ونحن لا نستطيع تصوير مواقع "داعش" أو حتى إجراء لقاءات مع مسؤول التنظيم أو غيره، بسبب رفض التنظيم الإدلاء بأية تصريحات لوسائل الإعلام".
ويضيف أن "الكثير من الصحافيين تركوا المحافظة واستقروا في مناطق بعيدة عن سيطرة "داعش" كمحافظات إقليم كردستان وكركوك وحتى تركيا، وجميعهم يعتمدون على مصادر محلية وأقاربهم في نقل الأحداث الجارية في المدينة بشكل يومي من مواقع بديلة وتنسب على أنها مصادر محلية، حفاظاً على سلامة العاملين في وسائل الإعلام والاستمرار في بث الأخبار والتقارير عن انتهاكات التنظيم في نينوى".

قائمة بصحافيين مطلوبين
وعن قائمة المطلوبين التي أرعبت صحافيي نينوى، يؤكد الصحافي محمد المولى في حديثه مع "العربي الجديد" أن"داعش أصدر قائمة بأسماء أربعين صحافياً وبشكل مفاجئ، حيث أصبح الصحافي مطارداً ومستهدفاً بسبب نقله للحقائق. وأصدر التنظيم وثيقة حدد فيها 11 نقطة للعمل الصحافي ضمن ولاية نينوى (حسب ما يسميه التنظيم)، تحت شروط أشبه ما تكون بوضع حبل المشنقة على رقبة الصحافي، ومصادرة حرية التعبير في نقل الأحداث". ويؤكد المولى أن أياً من صحافيي نينوى لم يتقدم للعمل تحت هذه الشروط، أو حتى ينقل الخبر أو
الصورة تحت إشراف المكاتب الإعلامية التابعة للتنظيم. ويشير المولى إلى أن "تنظيم داعش اعتقل في حي سومر جنوب الموصل، الأخوين أحمد رافع وإيثار رافع، وهما يعملان بقناة "سما الموصل" الفضائية، كما اعتقلت العناصر الصحافي ياسر الحاج أحمد محمود الذي يعمل مهندساً بالبث المباشر من منزله في حي الميثاق، واعتقلت المصور الصحافي ياسر القيسي في حي الانتصار جنوب الموصل، ولم يعلن التنظيم عن أسباب الاعتقال". وحتى الساعة يبقى مصير هؤلاء مجهولاً، في وقت يمتنع التنظيم عن إعطاء أية معلومات عن سبب اعتقالهم أو مكان تواجدهم، فيما تعجز المنظمات الحقوقية عن الوصول إلى هذه المناطق.

ويؤكد الصحافي الذي ترك مدينته ولجأ إلى موقع بديل أن "العاملين في مجال الصحافة والإعلام يستخدمون مواقع بديلة لنشر ما يحدث في نينوى، منها "فيسبوك و"تويتر" ومواقع إخبارية تنقل الحقيقة كما هي، من دون تحريف للحقائق". لافتاً إلى أن "الصحافيين الذين ما زالوا في نينوى تركوا العمل لدى المؤسسات الصحافية التي يعملون فيها. وهذه الأخيرة تخلت عن صحافييها وقطعت مصدر عيشهم ورواتبهم، وبهذا أصبح الصحافي بين نارين: نار "داعش"، ونار تهمة امتهان العمل الصحافي".

حياتك مقابل الخبر
من جهته يقول الصحافي عمر الجبوري، وهو أحد العاملين في نينوى، لـ"العربي الجديد"، إن "العمل الصحافي مع "داعش" صعب جداً، فقد تخسر حياتك مقابل خبر أو تقرير.. وتمكنت من كتابة العديد من التقارير بأسماء مستعارة، عن قيام التنظيم بتفجير مرقد نبي الله يونس، وسيطرة التنظيم على منازل أعضاء الحزب الإسلامي العراقي وتفجيرها، ومصادرة منازل المسيحيين، وأعمل باسم مستعار لغرض نشر تقارير إعلامية عن الأحداث الجارية في المدينة". ويشرح أن "أي مادة تنشر من دون موافقة التنظيم أو الاطلاع عليها قد تودي بصاحبها إلى إحدى الساحات العامة، ليكون على موعد مع القدر المحتوم. وبعد قتل التنظيم لعدد من صحافيي نينوى، الجميع بات يخشى أن يلقى ذات المصير".
وعن حالات القتل التي طالت الصحافيين في نينوى، يؤكد الجبوري أن "تنظيم داعش قتل منذ دخوله في العاشر من يونيو/حزيران 2014 ولغاية اليوم نحو ستة صحافيين، وهم بين فني وصحافي وعامل في قنوات محلية".

وبعد توجيه التحالف الدولي ضرباته الجوية ضد "داعش" زاد التنظيم من الهجوم على الصحافيين العاملين في نينوى "والسبب أن الصحافيين ينقلون معلومات أمنية عن مواقع
التنظيم" يقول الجبوري. ويشير إلى أن "التنظيم لا يزال يختطف نحو 14 صحافياً من أهالي نينوى، بينهم موظفون فنيون وآخرون ليسوا صحافيين، بل موظفو إدارة، وهم في حكم المجهول".

من جانبه يقول الصحافي مهند البجاري، وهو من أهالي نينوى، لـ"العربي الجديد"، إن "الصحافي مسموح العمل له في نينوى، ولكنه يكون تحت الرقابة، وقد يدفع حياته ثمناً لخبر أو صورة صحافية ينقلها من نينوى؛ لأن التنظيم يطالب بأن يكون كل ما ينشر تحت الرقابة". منوهاً بأن هناك أخبارا غير دقيقة تنشر عن نينوى وتنقل على أنها مصادر محلية أو شهود عيان.
ويوضح البجاري أن "الصحافيين يتخفون الآن بعد إعدام ستة صحافيين أمام حشد من الناس بتهم لفقت لهم؛ لأنهم يعملون في مؤسسات تابعة للحكومة".

من جهته، يقول نقيب الصحافيين العراقيين مؤيد اللامي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "نقابة صحافيي العراق تتابع بقلق شديد ما يقوم به تنظيم "داعش" من خروق إنسانية تصل إلى حدّ الجرائم الكبرى؛ لأنه يختطف ويقتل الصحافيين الذين يخالفونه في الرأي أو في النظرة للأحداث الأمنية والسياسية. وهذا الأمر مرفوض، حسب القوانين الدولية التي تحرم استهداف الصحافيين
والأطباء؛ لأنهم يعملون على نقل الحقائق... ولكن هذا التنظيم المجرم لا يعرف القانون ولا يعرف سوى تكفير الجميع ولغة القتل. وقد استهدف صحافيين عراقيين بشكل مباشر بعد العاشر من شهر يونيو/حزيران 2014". مبيناً أن "النقابة فقدت نحو ستة من الصحافيين والفنيين؛ بسبب استهدافهم من قبل التنظيم عن طريق الخطف والقتل في نينوى.. ولا يزال يختطف نحو 14 آخرين. ونحن نعمل على تجريم هذا التنظيم، وتعريف العالم بما نفذه من جرائم بحق صحافيين مستقلين وعاملين في مؤسسات محلية ودولية".

هذا هو المشهد الجهنمي في نينوى التي تبدو حالياً من أخطر المناطق على الصحافيين الذين يعملون في مؤسسات خاصة، حكومية أو مستقلة. وعلى ما يبدو، فإن سياسة "داعش" بقطع الرؤوس تبدو جدية أكثر من أي وقت مضى، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بالصحافيين.
المساهمون