استمع إلى الملخص
- **مسيرة ديفيد إليسون المهنية:** بدأ ديفيد إليسون مسيرته في السينما بعد تجارب متواضعة في أوراكل، وحقق نجاحات كبيرة مع Skydance Media، حيث أنتج أفلاماً ناجحة مثل Top Gun: Maverick وTrue Grit، وأثبت جدارته في هوليوود.
- **التحديات المستقبلية:** يواجه إليسون تحديات كبيرة بعد استحواذه على باراماونت، منها إنقاذ الشركة من الخسائر، وتحديد مستقبل خدمة البث المباشر Paramount+، وإعادة تقييم جدوى قنوات CBS وMTV وNikelodeon في ظل المنافسة الشديدة.
بعد شهور من التخمينات والصراعات التي حدثت في الخفاء، استحوذ ديفيد إليسون (David Ellison)، نجل مؤسس شركة البرمجيات العملاقة أوراكل (Oracle) لاري إليسون، على شركة باراماونت المنتجة لأفلام تعد اليوم علامات سينمائية، مثل "العراب"، و"تيتانيك"، من خلال صفقة استحواذ/اندماج معقدة أُعلن عنها أخيراً.
طبعت مسيرة ديفيد إليسون المهنية في هوليوود في السنوات الأخيرة الأفلامُ الخفيفة الرائجة التي تبحث عن مصروف جيب المراهقين، ولكن كل ذلك يتضاءل بالمقارنة مع الأفعوانية التجارية التي كان يخوضها في الأشهر الأخيرة، وأسفرت اليوم عن استحواذه على هذه الصفقة، وبموجبها سيصبح ديفيد إليسون (41 عاماً) مسؤولاً عن إمبراطورية إعلامية مترامية الأطراف، تشمل شبكتي CBS وMTV وشركة باراماونت بفروعها الترفيهية والإنتاجية المختلفة.
وعلى الرغم من أن الملياردير الشاب ليس وافداً جديداً على هوليوود، فإن هذه الصفقة ستجعل منه أحد أقوى أقطاب الإعلام في الضاحية السينمائية الشهيرة. وتأتي عملية الاستحواذ بعد حرب مزايدات استمرت لأشهر عديدة، فكان عدد من اللاعبين الرئيسيين يزايدون على "باراماونت" منذ تأكدت خسائرها وغرقها يوماً بعد آخر في المشاكل، وتدني أرباحها إثر انخفاض إيرادات التلفزيون، بسبب المنافسة الحادة مع منصّات خدمات البث الأخرى، وعلى رأسها "نتفليكس" و"أمازون".
بموجب هذه الصفقة، يشتري ديفيد إليسون، مع شريكه الاستثماري ريدبيرد كابيتال (RedBird Capital) الحصة الكبرى في شركة باراماونت غلوبال، مقابل 2.4 مليار دولار، هادفاً إلى إدماج عملاق الإنتاج السينمائي مع استوديو الأفلام الخاص به Skydance Media. إضافة إلى هذا الاستحواذ المعقد، يستثمر إليسون وشركاؤه ما مجموعه ثمانية مليارات دولار، لشراء الأسهم وتخفيض الديون، وتعزيز عمليات الاندماج الجديد بين "باراماونت" و"سكاي دانس ميديا".
لم يكن المال مشكلة بالنسبة لديفيد إليسون يوماً، فالرجل وُلد وفي فمه أكثر من ملعقة ذهبية. وبصفته الابن الوحيد للاري إليسون وباربرا بوث (ثالثة زوجات مؤسس أوراكل الأربع)، فقد كان طريقه ممهّداً منذ البداية. ومع ذلك، لم تخل طفولته من مطبّات وعقبات من حين إلى حين، فعندما كان في الثالثة من عمره وشقيقته الصغرى ميغان في الشهر الثالث، انفصل والداه، لينشأ ديفيد وشقيقته مع والدتهما في مزرعة خيول في وودسايد في خليج سان فرانسيسكو.
في هذه الأثناء، كانت ثروة الأب لاري إليسون تتضاعف، وصار يمتلك كثيراً من العقارات الفخمة، بما في ذلك قصر مساحته 800 متر مربع، شُيّد على غرار القصور الإمبراطورية اليابانية في القرن السادس عشر. وكانت تلك مجرد البداية، فحين بلغ ديفيد العاشرة من عمره، كانت ثروة والده تقدر بـ1.6 مليار دولار، وأُدرج اسمه في قائمة فوربس للمليارديرات لأول مرة حينها، واليوم تقدر ثروة إليسون الأب بـ131 مليار دولار، ما يجعله عاشر أغنى رجل في العالم، وفقاً لمؤشر بلومبيرغ للمليارديرات.
لذلك، ولوقت طويل، ساد الاعتقاد في هوليوود بأن ديفيد إليسون ما هو إلّا مجرد ثري آخر يتطلع إلى إنتاج أعمال سينمائية تجارية بـ "أموال غبية"، وفقاً لصحيفة لوس أنجليس تايمز، لكن سرعان ما اتضح أن الأمر ليس بهذه البساطة، فقد كان إليسون متذوقاً سينمائياً منذ البداية. وما لم يكن يعرفه كثيرون، أن والده أحاطه منذ طفولته بكبار المستشارين الذين علّموه "أسرار المهنة". فخلال مرحلته الثانوية، عمل الابن متدرباً لبضعة فصول صيفية في شركة أوراكل، لكنه اكتشف أن برامج الكمبيوتر لا تثير اهتمامه، فقرر الالتحاق بمدرسة السينما، وتركها خلال سنته الأخيرة ليصنع فيلمه الأول Flyboys. وبرغم فشل الفيلم في شباك التذاكر، لكنه كان تجربة مفيدة للملياردير الشاب، إذ استمر في الإنتاج والتمثيل، ولعب بعض الأدوار الصغيرة، مثل دور الصديق المقرب للاعب الغولف الطموح في الفيلم الكوميدي Hole in One.
يحب ديفيد إليسون أن يردّد في حواراته الصحافية حكاية "النصائح الجيدة" التي تلقّاها ذات يوم من مؤسّس شركة Apple الراحل ستيف جوبز، والذي أسس بنفسه استوديوهات بيكسار للرسوم المتحركة، وهي النصائح التي دفعت ديفيد إليسون لاحقاً إلى تأسيس Skydance Media. وبعد بدايتها الصعبة، أصبحت اليوم شركة إنتاج قوية، بعدما موّلت مجموعة من الأفلام الناجحة في شباك التذاكر والتلفزيون مثل Top Gun: Maverick وTrue Grit وStar Trek وGrace and Frankie، لتصبح Skydance Media استوديو سينمائياً تقدر قيمته السوقية بأربعة مليارات دولار، بالتعاون مع شركتي الأسهم الخاصة RedBird Capital Partners وKKR، ومجموعة تينسنت Tencent الصينية القابضة، إضافة إلى حصة عائلة إليسون نفسها.
أكثر ما أثار إعجاب هوليوود في ديفيد إليسون كان تعامله المهني مع أزمة إنتاج فيلم World War Z مع توم كروز، وقد هددت التأخيرات المتوالية في التصوير والميزانية المرتفعة (التي انتهت بوصولها إلى رقم قياسي هو 200 مليون دولار)، إضافة إلى المشاحنات الداخلية حول طبيعة الفيلم وتصنيفه الصعب، بفشل المشروع المكلف للغاية، ليجد ديفيد إليسون أنه أمام خيارين؛ فإما أن يبحث عن ممولين واستثمارات مالية لاستكمال الفيلم رغم الصعوبات، وإما أن يلغي المشروع كله رغم الخسائر التي تكبدها. وما كان من إليسون وشركاؤه إلا أن حاولوا بذل كل شيء لإنقاذ الفيلم، والحقيقة أن عناده هذا لم يربحه فقط 540 مليون دولار هي أرباح الفيلم حول العالم، بل ربح أيضاً احترام هوليوود والعاملين فيها.
اليوم، وبعد نجاحه في الاستحواذ على هذه الإمبراطورية الإعلامية، يقف العديد من التحديات العملاقة أمام ديفيد إليسون، طفل هوليوود المدلل، المولع بسيارات الفيراري والطائرات الفخمة. ففيما يتفاءل كثيرون بوجوده على رأس شركة باراماونت في محاولة لإنقاذها قبل فوات الأوان، يشكك آخرون في قدرته على إنقاذها، فيشببها بعضهم بـ"تيتانيك"، إذ تغرق شهراً بعد آخر. سيتعين على الملياردير الشاب مع شركائه أن يقرروا ما إذا كانوا سيستمرون في الاستثمار في خدمة البث المباشر Paramount+، التي تخسر أموالاً طائلة منذ عدة أعوام، رغم وجود أكثر من 67 مليون مشترك فيها، كما سيكون عليهم أيضاً الإجابة عن السؤال الأصعب: هل ما زال هناك مستقبل لشركة البث التلفزيوني CBS وقنوات الكابل العديدة المتعثرة التابعة للشركة، بما فيها شبكتا MTV وNikelodeon، اللتان تسجلان خسائر فادحة منذ ظهور "نتفليكس" و"أمازون" وغيرها من منصات البث المدفوع؟