الكتب المزورة... خطر يهدد صناعة النشر في مصر

11 فبراير 2018
ارتفاع تكاليف الإنتاج يزيد من خسارة دورالنشر المصرية(Getty)
+ الخط -
اكتشف الأديب المصري محمد المنسي قنديل، تداول طبعة مزورة من مجموعته القصصية "آدم من طين"، تبلغ قيمتها 15 جنيها (0.85 سنتا أميركيا)، داخل جناح مكتبات سور الأزبكية (تجمع لمكتبات تبيع الكتب القديمة)، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته التاسعة والأربعين، بينما يبلغ سعر الكتاب الأصلي الصادر عن دار الشروق، 54 جنيها (3.06 دولارات)، الأمر الذي أثار استياءه، كما يقول قبل أن يكمل مستطردا، "حتى وإن كان المؤلف يسعد بانتشار مؤلفاته بين قطاعات أوسع في المجتمع، لكن مثل هذا الأمر يساهم في تدمير صناعة كاملة، بسبب ما ينتج عنه من انخفاض حاد في توزيع الكتاب الأصلي، ما يسبب خسائر كبيرة للمؤلفين والناشرين، خصوصاً في ظل التكلفة المرتفعة لعملية إصدار كتاب في المرحلة الحالية" والأخطر من ذلك هو الأخطاء المطبعية، مثلما حدث في رواية "قمر على سمرقند" التي اتسمت إحدى الطبعات المزورة منها، بأخطاء في ترتيب فصول الكتاب"، كما يقول "قنديل" في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد".

وصدرت الطبعة الحالية لمجموعة المنسي قنديل عن عن دار الشروق المصرية في فبراير/شباط من عام 2016، ولم يتوقع قنديل بيعها في معرض الكتاب، بعد تعهدات الدكتور هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، الجهة المنظمة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الحالية، بمنع أي محاولات لبيع الكتب المزورة هذا العام، عبر تشديد الرقابة على باعة الكتب، فضلاً عن تأسيس مكتب للإدارة العامة لمباحث المصنفات وحماية حقوق الملكية الفكرية داخل المعرض، مشددا على أن الغلق سيكون مصير أي دار تطرح كتبا مزورة، وفقا لما أعلنه في مؤتمر صحافي قبل انطلاق المعرض في 10 يناير/كانون الثاني الماضي.

الأكثر مبيعا

شملت قائمة الكُتب المُزورة، الأكثر مبيعاً داخل جناح سور الأزبكية في دورة معرض الكتاب الأخيرة، رواية أنا عشقت لمحمد المنسي قنديل، وتاكسي لخالد الخميسي، وواحة الغروب لبهاء طاهر، وشيكاغو لعلاء الأسواني، وباب الخروج لعز الدين شكري فشير، وساق البامبو لسعود السنوسي، ولا تسألني لماذا أحببتها لأحمد مراد، وسندريلا سكريت لهبة السواح، ونادر فودة 3 لأحمد يونس، وصنايعية مصر لعمر طاهر، وعزازيل ليوسف زيدان، وذلك وفقاً لما وثقه مُعد التحقيق عبر جولة ميدانية امتدت علي مدار أسبوع كامل داخل سور الأزبكية بالمعرض، وشملت لقاءات مع ممثلي دور نشر تنمية والشروق ودار العين والدار المصرية اللبنانية ودار صفصفافة ودار المرايا للنشر ودار دوَن للنشر والتوزيع.

ويؤكد يوسف عادل، مالك إحدى مكتبات منطقة النبي دانيال بالإسكندرية وأحد المشاركين في جناح سور الأزبكية هذا العام، أن روايات الكتاب الشباب تعد الأكثر تزويرا وانتشارا، ويتفق أحمد خالد مسؤول المبيعات بدار الشروق للنشر والتوزيع، مع ما ذكره يوسف، قائلا "من خلال المُتابعة اليومية توصلنا إلي أن الروايات الأكثر تزويراً في المعرض شملت كُتب تاكسي، وأنا عشقت، ولا تسألني لماذا أحببتها، وعزازيل".

وبلغ متوسط مبيعات النُسخ المُزورة من الكُتب العربية داخل سور الأزبكية نحو 5000 نسخة يوميا علي مدار أسبوع كامل، حسبما وثق مُعد التحقيق، من واقع الاطلاع علي كشوف الجرد الختامية لعمليات البيع والشراء لأربعة تجار داخل جناح سور الأزبكية بشكل يومي علي مدار أسبوع كامل.

ولم تقتصر عمليات التزوير على الكتب العربية، إذ رصد معد التحقيق نسخا مزورة من أعمال أدبية إنكليزية بأسعار تتراوح من 20 إلى 30 جنيهًا، في حين تُباع النسخة الأصلية من نفس الرواية أو الكتاب في متاجر بيع الكتب الكبيرة بأسعار تتجاوز 150 جنيها مثل روايات هاري بوتر وكُتب الفيسلوف الأميركي نعوم تشومسكي.


طرق التزوير

رافق معد التحقيق، أحد بائعي الكُتب في سور الأزبكية خلال دخوله المعرض بمجموعة من الكُتب المزورة عبر البوابة الأصلية، المواجهة لشارع صلاح سالم، إذ مر البائع على 4 أفراد أمن دون فحص أي محتوى، أو سؤاله عن الجهة التي يقصدها بثلاث شنط من الكُتب، واكتفوا فقط بتمرير هذه الحقائب على إحدى أجهزة الكشف عن المفرقعات.

لكن كيف تتم عملية تزويرر الكتب؟ يُجيب عن ذلك أحد بائعي الكُتب بسور الأزبكية، والذى تحفظ على ذكر هويته لعمله في هذا المجال قائلاً: "هناك طريقتان الأولى عبر طبع نسخ مزورة من النسخة الأصلية في مطابع "بير سلم" ليست مُرخصة غالباً، وتتواجد داخل مناطق شعبية، أو التعاقد مع إحدى دور النشر الرسمية غير المعروفة، لتطبع عددا مُحددا من النسخ المزورة في مقابل تحديد نسبة معينة تتقاضاها عن عن كُل طبعة".

البائع الذي استأجر خيمة تصل مساحتها إلى 9 أمتار بتكلفة تقدر بتسعة آلاف جنيه (509 دولارات) داخل معرض القاهرة للكتاب، فضلاً عن شرائه تجهيزات تُقدر بـ ألفي جنيه (113 دولارا)، يبرر لجوءه لبيع الكتب المزورة بتغطية مصاريف الإيجار الكبيرة التي زادت 5 آلاف عن العام الماضي، فضلاً عن عدم تحقيق الكتب النادرة والروايات والمجلات القديمة نسب مبيعات كبيرة تغطي نفقات المعرض، واتجاه قطاعات كبيرة من القراء نحو روايات الكُتاب الشباب، التي تصدرها دور النشر المُرخصة بأسعار مرتفعة.

وتدخل الكتب المزورة إلى المعرض بسهولة، كما يقول البائع، موضحا أن أفراد الأمن متعاطفون معهم ويبلغونهم بمواعيد حملات المصنفات الفنية لأنهم إن لم يقوموا بذلك سيخسرون، إلى جانب أن قراء كثيرين لا يستطيعون دفع سعر الكتاب الأصلي للارتفاع الكبير في أسعاره.

وأدى تأسيس مكتب للمصنفات الفنية داخل المعرض إلى زيادة الصعوبة في بيع الكُتب المزورة علي خلاف العام الماضي، وفقاً للبائع، الذي يؤكد أن الكتب العربية غير مرصوصة علي الأرفف، وتكون موجودة في حقائب، ويتم عرضها على من يسأل عنها، أو إخبار القارئ عن توفرها أثناء فحصه الكُتب المعروضة، بينما الكتب الإنكليزية المزورة مُتاحة على الأرفف دون وجود مشاكل كما يروي.


تهديد صناعة النشر

حددت المادة 181 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، عقوبة من ينسخ الكُتب بطرق غير قانونية، إذ أكدت أن عقوبة "التعدي على حقوق المؤلف هي الحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن 5000 جنيه، ولا تجاوز 10000 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين".

ويستطيع القارئ تمييز النسخة الأصلية عن المزورة من خلال التعرف على نوعية الأوراق المستخدمة في النسخة المزورة والتي تكون في الغالب ضعيفة ومهترئة، وذات رائحة نفاذة تنبعث منها، وخشنة للغاية، حسب عارف صالح، مدير دار العين للنشر، والذي لفت إلى أن هذا الأمر ينعكس على جودة الطباعة بشكل مباشر، وقد لا يتمكن مسحوق الحبر من الاندماج بطريقة ملائمة؛ فتظهر أطراف الصفحة غير واضحة.

ويؤكد صالح أن النسخ المزورة يتشكل على هوامش صفحاتها ظلال سوداء، وتختفي ألوان الغلاف الرئيسي للكتاب المُزور بعد شهور معدودة، وتفقد لمعانها وزهو ألوانها المُبالغ فيها، موضحاً أن هناك بعض الحالات التي يتغير فيها ترتيب الفصول، أو في الأغلب تكون بعض أوراقها منقوصة، وبعيوب طباعية متعددة، مثل ظهور السطور بشكل متمايل دون استقامة واحدة.

ولا تتحرك السلطات المختصة تجاه بائع الكُتب المزورة إلا بعد تقدم الشركة أو المؤلف الذي تعرضت حقوقه للانتهاك ببلاغ رسمي، وفقاً للمادة 144 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002.


أعباء وتكاليف متزايدة

يتكفل الناشر بأعباء مالية تجعل من استنساخ كُتبه وتزويرها تدميرا لعمله، وفقاً لسعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، الذي يضيف موضحا "هذه الأعباء تتمثل في حقوق المؤلف التي تتحدد بناء علي نسبة المبيعات، والتي تتراوح بين 15% وتصل حتى 25%، فضلاً عن تكاليف أخرى مثل تسويق الكتب عبر إعلانات داخل الصحف ومواقع الإنترنت، بجانب أجور العاملين داخل دور النشر بمن فيهم مُحررو الكُتب أو المدققون اللغويون، ومصممو الأغلفة، ورسامو الكاريكاتير، إلى جانب الضرائب التي ترتفع نسبتها دون اعتبار للصعوبات الكُبرى التي تواجه الصناعة، والتي تتحدد على نسب مبيعات كُل دار نشر".

وأكد عبده أن ارتفاع أسعار الورق والأحبار شكل عاملا ضاغطاً علي دور النشر، بعدما بلغت نسبة ارتفاع أسعارها بين 35% و40%، إذ قفز سعر طن الورق المستورد من 350 دولارا (6177 جنيها) إلي 900 دولار (15884 جنيها)، متزامنا مع الارتفاع المستمر في تكاليف الشحن، وعدم وجود خطوطٍ منتظمةٍ لتوزيع الكتب خارج مصر، موضحاً أن عقوبة المزور غير كافية، فضلاً عن غياب الرقابة التنفيذية من جانب الجهات المختصة.

وأشار عبده إلى أن الاتحاد بصدد اقتراح مشروع قانون جديد يتضمن تغليظ للعقوبات، ووضع آليات مُحددة لمكافحة انتشار النُسخ المزورة، ومخاطبة رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب لتقديم المشروع.

الجهة المنظمة: تراجع عدد الكتب المزورة

واجه معد التحقيق، هيثم الحاج، بحالات بيع الكتب المزورة الموثقة في معرض الكتاب، فأقر بالأمر مستدركا، "توجد عمليات بيع منخفضة بدرجة كبيرة إذا قورنت بالأعوام الماضية، والفضل يعود للتعاون مع شرطة المصنفات، ولم تصلنا أي شكاوى من دور النشر الرسمية حول وجود نسخ مزورة من كُتب مؤلفيهم، ولو جاءت سنتعامل معها بكل حزم".