كشف تفشي فيروس كورونا، عن مشاكل بنيوية في النظام الصحي بالجزائر، إذ توقفت عمليات زرع الكبد لأسباب متنوعة من بينها عدم إمكانية حضور مختصين من الخارج، بينما لم يتم تكوين العدد الكافي من الأطباء في ظل هجرتهم للخارج.
- توفي العشريني الجزائري محمد عبدي في مستشفى 1 نوفمبر "إيسطو" بولاية وهران في أبريل/نيسان الماضي، بعدما فشل في السفر إلى تركيا من أجل إجراء عملية زرع كبد، يتعذر القيام بها محليا، في ظل ندرة الجراحين المختصين في هذا المجال، ما دفع العائلة إلى إطلاق نداء استغاثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لمساعدة محمد من أجل جمع 12 مليون دينار جزائري (91 ألف دولار)، لكن وافته المنية قبل أن يكتمل المبلغ، كما تقول شقيقته لـ"العربي الجديد".
حالة عبدي متكررة بحسب توضيح رئيسة الجمعية الوطنية لمساعدة مرضى زرع الكبد، زهية بكة والتي تقول:" توجد شبه استحالة في إجراء عملية زرع الكبد بالجزائر، لا يوجد خيار غير السفر للخارج، وهو أمر مكلف والجمعية تصل إليها نداءات لمساعدة المرضى سواء بالجزائر التي تجرى بها عمليات قليلة جدا، أو خارجها".
وسافر 17 شخصا في عام 2019 لإجراء العملية في الخارج، في حين أن قائمة الانتظار بالوكالة الوطنية لزراعة الأعضاء (حكومية)، تتضمن 100 حالة، كما توضح المنسقة الوطنية لنشاط زراعة الكبد لدى الوكالة والمختصة في أمراض الكبد الدكتورة حنان حميدي، في حين يحصي مدير الوكالة البروفيسور حسين شاوش 70 طلبا لزراعة الكبد كل عام، من بينها 50 حالة في العام الماضي، نتيجة الإصابة بسرطان الكبد أو لتداعيات مرض الكبد الفيروسي أو تليف الكبد وتشمعه.
ندرة المختصين المؤهلين في زراعة الكبد
أعاقت الظروف الصحية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا خلال العام الماضي، عمليات زرع الكبد التي كانت تجرى في الجزائر، في ظل عجز بالطاقم الطبي خاصة على مستوى قسم الإنعاش الذي ركز جهوده على مرضى كوفيد - 19، بحسب الدكتورة حميدي، والبروفيسور شاوش والذي كشف عن إجراء ثلاث عمليات زرع كلى بالجزائر فقط خلال العام الماضي، قائلا :"تجنيد الطاقم الطبي لمواجهة الوباء أعاق الأمر، إضافة إلى أن من يجريها هو البروفيسور عبدالكريم بوجمعة رئيس مصلحة جراحة الكبد والمسالك الصفراوية بالمستشفى الجامعي في رين بفرنسا، ويحضر إلى البلاد في مواعيد معينة، وبالنظر للإغلاق الجوي الذي شهدته الجزائر وعدة دول تعذر الاستنجاد بمختصين، خاصة أن عدد من يستطيعون إجراء هذه العمليات المعقدة بالجزائر لا يتجاوز 10 أطباء من بينهم 6 يستطيعون رئاسة فريق العمل".
6 مختصين جزائريين يمكنهم رئاسة فريق إجراء عمليات زرع الكبد
"بالفعل فإن عدد المختصين في إجراء تلك العمليات قليل جدا"، كما يؤكد رئيس النقابة الوطنية للأساتذة الاستشفائيين الجامعيين رشيد بلحاج لـ"العربي الجديد"، مبينا أن العملية معقدة وتحتاج فريقا كاملا خضع لتدريب وتكوين متخصص، بداية من الطبيب الجراح والطبيب المسؤول المختص في الإنعاش إضافة إلى الأطباء المساعدين والممرضين، والذين يحتاجون إلى تكوين خاصة في هذا النوع من العمليات، وهو ما لا يزال غير متوفر في الجزائر، دون إهمال ضرورة توفير التجهيزات اللازمة لهذه العملية الجراحية.
ولا تشجع الوضعية المهنية للطبيب الجراح في الجزائر هي الأخرى على التوجه للتكوين في عملية زراعة الكبد المعقدة، بما أن راتب الطبيب لا يزال يتراوح عند 40 ألف دينار شهريا (308 دولارات)، وفق إفادة بلحاج.
إخفاق وزارة الصحة
يعيد البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث "فورام"، افتقاد الجزائر لجراحين مختصين في زراعة الكبد، وعدم التمكن من إجراء هذه العمليات الجراحية، إلى سياسة وزارة الصحة غير الجادة التي لم تستطع معالجة هذه المشكلة رغم أنه تم الشروع في زراعة الكبد بالجزائر منذ عام 2003، غير أن السياسات المتعاقبة كرست الواقع ذاته بعدم الجدية في حل هذا الإشكال الصحي.
وترد المنسقة الوطنية لنشاط زراعة الكبد، بأن وزارة الصحة شرعت في تكوين الأطباء حول عمليات زراعة الكبد منذ عام 2003، وأولت أهمية كبيرة للملف، بقيادة البرفيسور بوجمعة والذي استمر 12 سنة كاملة على مستوى مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة.
وتضيف: "العملية لم تكن سهلة لأن الإجراء يرتبط بفريق كامل وليس فقط ببضعة أطباء، ناهيك عن نسبة الخطورة العالية، الأمر الذي يجعل مسؤولي المستشفيات في الجزائر يتخوّفون من المغامرة بإجراء العملية ونقل جزء من كبد شخص حي، لذلك من الصعب القيام بمثل هذه العملية في كل وقت".
ومنذ تكوينه، أجرى الفريق الجزائري 55 عملية، في حين يتواصل العمل اليوم رغم نقص العتاد والأدوية والامكانات، كما أنه في عام 2019 جرى استحداث فرقة ثانية للتكوين بالمستشفى العسكري بولاية قسنطينة، إلا أنها العملية تم تعليقها بسبب تفشي وباء كورونا ونقص العتاد على مستوى المستشفيات الجزائرية، وتجميد استيراده، نتيجة توجيه جل الميزانية لمواجهة الوباء، وأيضا بحكم أن عملية تكوين الأطباء حول زراعة الكبد تستغرق وقتا طويلا وامكانات كبيرة خاصة من جانب الموارد البشرية، كما تقول المنسقة الوطنية، وتتابع "عملية زرع الكبد ليست نفسها عملية زرع الكلى، بل تتطلب خبرة كبيرة لدى الجراحين وتكتسب في مدة طويلة وهو ما لا يزال غائبا ليس فقط في الجزائر، بل حتى في بعض الدول الكبرى".
توقفت عمليات زرع الكبد بالجزائر عقب تفشي فيروس كورونا
لكنها تقر بنقص كبير في عدد الجراحين المتخصصين في هذه العملية، وتابعت:" من أسباب عدم القيام بعمليات زراعة الكبد في الجزائر أنها تحتاج إمكانات كبيرة حيث تستغرق الجراحة أكثر من 10 ساعات، ويظل المريض لأكثر من شهرين تحت رقابة طبية دقيقة قبل العملية وبعدها، وفي حال تعرض لمضاعفات يجب أن يبقى الطبيب بجانبه، ويتعهد بإجراء التدخل الجراحي المطلوب في أي وقت، إضافة الى نقص التكوين وقلة الموارد البشرية وغرف وأطباء الإنعاش والعتاد الطبي المستخدم في زراعة الكبد".
وتأتي تركيا على رأس الدول التي يتوجه إليها الجزائريون لزراعة الكبد، كما يرصد البروفيسور شاوش، بحكم أن تكلفتها أقل، ثم بلجيكا وفرنسا على التوالي، بمتوسط تكلفة 30 مليون دينارا (220 ألف دولار) أما في حال إجراء العملية بالجزائر، فتكون مجانية، وتبرمج حسب الأولوية الصحية، وتُمنح لمن لديه احتمال في الشفاء.
معضلة التبرع بالأعضاء
بالنسبة للبروفيسور شاوش، فإن معضلة إجراء زراعة الكبد في المستشفيات الجزائرية، لا تنحصر فقط في نقص المختصين، إنما أيضا بسبب غياب ثقافة التبرع بالأعضاء، وتابع: "العمليات التي أجريت تحت إشراف البروفيسور عبدالكريم بوجمعة لا زالت منحصرة في نقل الكبد من شخص حي يكون في الغالب من عائلة المريض، وهو بروتوكول صحي أصبح ممنوعا في معظم الدول المتقدمة، نظرا لنسبة النجاح الضئيلة للعملية والتي لا تتجاوز 30 بالمائة، وهذه نسبة خطيرة إذ يتعرض معظم الخاضعين للعملية إلى الوفاة.
زراعة الكبد من متبرع ميت لم تتم لحد الساعة في الجزائر، وفقا للبروفيسور شاوش، بسبب رفض فكرة التبرع بالأعضاء، لذلك باشرت السلطات الجزائرية عبر وزارة الصحة حملة لتشجيع المواطنين على التبرع بأعضائهم بعد الوفاة، وفتحت دفترا للمتبرعين، كما يرتقب أن يتم طلب تراخيص من عائلة الميت بعد وفاته، إذا لم يكن معارضا للتبرع في حياته، وفي نفس السياق يتم التنسيق مع وزارة الشؤون الدينية في الجزائر لإصدار فتوى بهذا الخصوص.
وحسب ما نقله أطباء لمعدي التحقيق، فإن عملية زرع الكبد بأخذ جزء من العضو من إنسان حي لم تعد تطبق إلا في تركيا والهند، لكن فرنسا التي كان المرضى الجزائريون يقصدونها لإجراء العملية زرع أوقفت هذا النوع من التبرع بالأعضاء، بسبب نسبة فشل العملية التي تزيد عن 60 بالمائة.
ويدعو البروفيسور حسين شاوش إلى القيام بحملة واسعة ودائمة لدفع الجزائريين للتبرع بأعضاء موتاهم، بما أن الدين الإسلامي لا يحرم ذلك والقانون الجزائري المتعلق بزرع الأعضاء يجيز هذا النقل الطبي لأعضاء الجسم من شخص لآخر، مبينا لـ"العربي الجديد" ان عملية نقل الكبد من شخص ميت إلى آخر حي أسهل، ويستطيع أن يجريها عدد كبير من الجراحين الجزائريين، كونها لا تختلف كثيرا عن بقية عمليات زرع الأعضاء مع الخضوع لقليل من التكوين الخاص، وهو ما تعمل الوكالة الوطنية لزرع الأعضاء على تدعيمه، داعيا في هذا الإطار الأئمة ووزارة الشؤون الدينية لتوعية الناس بأهمية التبرع بالأعضاء والتبيين لهم أن ذلك لا يخالف أحكام الدين.
هجرة 28 ألف طبيب جزائري
يستعجل البروفيسور بلحاج إصدار قانون أساسي جديد خاصا بالأستاذ الاستشفائي الجامعي يحسن وضعيته المهنية، ويوقف هجرة الأدمغة الجزائريين في قطاع الصحة إلى الخارج حيث يحصي مجلس أخلاقيات الطب هجرة 28 ألف طبيب جزائري نحو الخارج، ما يشكل خطوة تسمح ببروز جراحين مختصين في زراعة الكبد، ويوقف تحويل مبالغ هامة بالعملة الصعبة إلى الخارج وللمستشفيات الأجنبية في حين أن البلاد ومؤسساتها الصحية أولى بها، وهو ما يمكن القيام به في حال عمل الحكومة على تحسين رواتب الأطباء والأساتذة الجامعيين الاستشفائيين.
وجرى تحويل 340 مليون دينار (2.5 مليون دولار) من الجزائر لإجراء عمليات زرع الكبد في الخارج فقط خلال عام 2019، وفقا لإحصائيات تقريبية لمنسقة الوكالة الوطنية لزراعة الأعضاء، والتي تقول:" الجزائريون ممن يسافرون لإجراء تلك العملية يعانون كي يصلوا الى دول مثل بلجيكا وتحديدا مستشفى سانت لوك، بسبب كثافة أجندة الأطباء هناك وغياب مواعيد قريبة للعمليات، في ظل أن الأولوية لمرضى بلجيكا وبعدها دول الاتحاد الأوروبي ليأتي الدور على الدول الأخرى وهنا تتأخر المواعيد والكثير من المرضى يموتون قبل الموعد".