يكشف "العربي الجديد"، في تحقيق استقصائي، عن تهرب أندية الدوري الجزائري لرابطة المحترفين الأولى من سداد ضرائب وديون تصل إلى 12 مليار دينار مستحقة منذ 10 أعوام لمؤسسات الدولة التي تغافلت عن المطالبة بها.
- يقر عبد الوهاب خالفة، الأمين الوطني للنقابة المستقلة لأعوان الضرائب، بعزوف الأندية الجزائرية لكرة القدم عن تسديد الضرائب المستحقة عليها منذ تدشين نظام البطولة المحترفة والتي ألزمتها بذلك في عام 2010 حتى تتحول من فرق هاوية إلى مؤسسات اقتصادية لها مداخيل ونفقات بحسب معايير الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف).
لكن طوال الأعوام المنصرمة وحتى 15 مايو/أيار 2022 لم يتلق موظفو الضرائب وعلى رأسهم خالفة، أي تعليمات بمتابعة الأندية أو حتى مساءلتها عن ضرائبها وديونها، والتي تختلف حسب أرباح وحجم نشاط كل منها وتخضع لقانون الضريبة على أرباح الشركات وكذلك على الدخل الإجمالي للاعبين، كما يقول النقابي في إفادة لـ"العربي الجديد"، مضيفا: "تم إبلاغ المفتشيات من طرف المديرية العامة للضرائب بشكل مفاجئ في منتصف مايو الماضي بفرض رقابة واسعة على كافة الأندية المحترفة لكرة القدم وإيفاد أعوان الضرائب لمعاينة مدى الالتزام بأداء الواجبات الجبائية، حتى ترفع المفتشيات تقريرا شهريا إلى المديريات الجهوية للضرائب وبدورها ترسله إلى المديرية العامة، من أجل تحديد مدى التزام الأندية بتسديد ضرائبها وبالدرجة الأولى ضريبة الدخل الإجمالي لمحترفيها (ضرائب عن الأجور وتقتطع من إجمالي ما يحصل عليه اللاعب)، وكذلك ملخص الوضع المالي لكل ناد".
"كما تلقينا أوامر من المديرية العامة للضرائب"، يتابع خالفة، موضحا أنها لإحصاء الأندية المحترفة والهاوية بكل ولاية، من أجل إدراج الصنف الأول في سجل الضرائب وتدوين أسماء لاعبيها في بطاقة وطنية (ملف رقمي يفصّل حجم الضرائب المستحقة)، والتأكد من مدى التزامها بدفع المبالغ المقررة عليها وضريبة الدخل الإجمالي للاعبيها. وسيكون على كل ناد جديد لكرة القدم التوجه إلى مفتشية الضرائب بالولاية أو المنطقة التي يتأسس بها، لتسوية وضعيته الجبائية، إذ يرتقب في نهاية شهر يوليو/تموز الجاري استكمال إعداد الملف الرقمي، لتتوفر المديرية العامة للضرائب على خريطة بمداخيل ونفقات الأندية.
وتأتي هذه الخطوة بالتزامن مع مراسلة تلقاها الاتحاد الجزائري لكرة القدم (فاف) من الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) في إبريل/نيسان الماضي، تنص على ضرورة التزام كافة الأندية المحترفة في الجزائر قبل نهاية عام 2022 بما ينص عليه مرسوم الاحتراف التي وقعت عليه لدى حصولها على رخص في بداية عام 2012، وتحديدا الشفافية في التعاملات المالية والالتزام بتسديد الضرائب، وإلا سيخضع المخالفون لعقوبات صارمة من اللجنة التأديبية لـ"الكاف" وفق مرسوم الانضباط، وهو ما تضمنه أيضا تقرير مشترك أعدته وزارة الشباب والرياضة و"الفاف" في مايو الماضي، وحصل "العربي الجديد" على نسخة منه.
من يقف وراء تمويل الأندية؟
يضم الدوري الجزائري لرابطة المحترفين الأولى 16 ناديا لكرة القدم حاصلة على رخص اللجنة التنفيذية لـ"الكاف" (16 بداية في موسم 2023 مقارنة مع 18 ناديا في 2022، نتيجة إقصاء 4 نواد وصعود ناديين جديدين)، وفقا لما يوضحه رضا عبدوش، رئيس لجنة مراقبة التسيير المالي (تأسست بتاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول 2019) بالاتحاد الجزائري.
وتختلف مصادر تمويل الأندية حسب طبيعة النادي، وتتفاوت بين شركات خاصة، على غرار نادي "بارادو" ببلدية حيدرة بالجزائر العاصمة والذي يلعب في الدوري المحترف الأول، لرئيسه خير الدين زطشي، رجل الأعمال والمستثمر في مجال مواد البناء، وبين تلك التي تموّلها شركات حكومية على غرار مولودية الجزائر المدعوم من قبل المجمع النفطي الجزائري سوناطراك، وتتحصّل الأندية أيضا على مساعدات من "الفاف"، وفق عبدوش، وتتفاوت قيمتها ونوعها من سنة لأخرى حسب الظروف، إذ قد تكون مادية أو على شكل إعانات مثل حافلات النقل.
توصية بتسقيف أجور اللاعبين بحيث لا تتجاوز مليوني دينار
وبرزت فكرة الاحتراف لأول مرة في عام 1995 لكنها لم تتجسد بسبب المشاكل الأمنية التي كانت تعيشها الجزائر وقتها، وجرى التحضير للملف والسعي إلى تطبيقه جديا في عام 2010، وأودعت الأندية طلباتها لدى "الفاف"، والأخير بدوره تقدم بطلب إلى الاتحاد الأفريقي من أجل الانخراط في مسار الاحتراف الذي مسّ جل الدول الأفريقية والعربية المجاورة، حتى تتمكن أندية الكرة الجزائرية من المشاركة في المنافسات القارية، كما يقول عبدوش، وتابع: "المادة 78 من الفرع الثاني الخاص بالنادي الرياضي المحترف في القانون 13 - 05 الصادر في 23 يوليو 2013 المتعلق بتنظيم الأنشطة البدنية والرياضية وتطويرها تناولت الأمر، إذ ذكرت أن النادي الرياضي المحترف شركة رياضية ذات هدف رياضي ويمكن أن تتخذ أحد أشكال الشركات التجارية، مثل مؤسسة ذات شخص وحيد رياضية ذات مسؤولية محدودة أو شركة رياضية ذات مسؤولية محدودة، أو شركة رياضية ذات أسهم، على أن تسير بأحكام القانون التجاري، بينما تشير المادة 79 إلى أن النادي الرياضي المحترف يهدف إلى تحسين مستواه التنافسي الاقتصادي والرياضي عبر مشاركته في المنافسات مدفوعة الأجر وتوظيف رياضيين مقابل أجرة وممارسة الأنشطة الرياضية المرتبطة بهدفه".
ووقع الأمين العام الأسبق للاتحاد الأفريقي لكرة القدم هشام العمراني بتاريخ 1 مارس/آذار 2012، على دفتر شروط صارم تحصّلت معدّة التحقيق على نسخة منه، ويفرض عبر المادة 12 التزام الأندية بتسديد كافة الضرائب المفروضة عليها بصفتها مؤسسة رياضية اقتصادية، وتنص المادة 14 على ضرورة التطبيق الدقيق لكل ما تضمنه دفتر الشروط، وإلا ستخضع الأندية لعقوبات صارمة، منها نزع رخص الاحتراف، وبالتالي عدم تمكنها من المشاركة في المنافسات القارية والإقليمية، وهو ما لم تلتزم به هذه الأندية وفق تقرير لجنة مراقبة التسيير المالي، الذي حصل عليه "العربي الجديد".
ضرائب وديون بالمليارات
رغم المبالغ التي تتلقاها الأندية من المؤسسات الممولة لها سواء حكومية أو خاصة وعبر صفقات بيع اللاعبين، إلا أنها تغرق في ديون تصل إلى 12 مليار دينار جزائري (الدولار يساوي 146.80 دينارا)، وفقا للتقرير الذي أعدته لجنة مراقبة التسيير المالي بالفاف، والمرتقب عرضه على الجهات التنفيذية الحكومية للفصل فيه قبل نهاية العام، إما عبر إعادة جدولة الديون أو البحث عن حلول لتخليص الأندية منها.
وتشمل الديون الفترة بين سنوات 2013 و2018، في انتظار استكمال جرد جديد للديون بين أعوام 2018 و2022، حسب عبدوش.
وتغرق جميع الأندية في الديون ما عدا 3 فرق التزمت بتسوية واجباتها الجبائية والمالية، وهي شبيبة الساورة، بولاية بشار، المموّل من قبل شركة حفر الآبار فرع سوناطراك "إينافور"، ونادي بارادو، ونجم شباب مقرة، بولاية المسيلة، بحكم كونه انضم حديثا إلى الرابطة المحترفة وبالتالي لم تسجّل ضرائب ضده لحد الساعة، بحسب التقرير.
ويقول خير الدين زطشي، رئيس نادي بارادو، لـ"العربي الجديد": "صفقة بيع لاعب المنتخب الوطني رامي بن سبعيني إلى نادي رين الفرنسي بقيمة مليوني يورو حققت أرباحا للنادي ووجّهت بضرورة الالتزام بالواجبات المالية للفريق وتسديد الضرائب".
وتنقسم ديون الأندية إلى 5 أصناف، وهي مستحقات "الفاف" الموجّهة لتسديد صفقات اقتناء اللاعبين والتعاقد مع المدربين (جزء منها ضرائب وأخرى ديون للهيئات الرياضية)، وديون الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء، وديون الضرائب، وديون شركات الطيران، جراء التنقلات، وديون الفنادق والمراكز الترفيهية، مع العلم أن ديون بعض النوادي تصل إلى 3 مليارات دينار (20.4 مليون دولار)، بحسب الوثائق التي حصل عليها "العربي الجديد".
ويكشف تقرير لجنة مراقبة التسيير المالي والذي رفع إلى الوزير الأول، أن الديون التي تم رصدها بخصوص موسمي 2020 و2021 لأندية الدوري المحترف تؤكد أن 7 أندية فقط سلمت لجنة مراقبة التسيير المالي ملفات كاملة عن وضعها المالي، وهي شباب الساورة ونجم شباب مقرة ومولودية الجزائر ووفاق سطيف واتحاد العاصمة وشباب قسنطينة ونادي بارادو. وتكشف الوثائق أن الأندية التي لا تواجه مشاكل ديون على مستوى الغرفة الوطنية لحل النزاعات (مديرية داخلية بالاتحادية الجزائرية لكرة القدم)، تتمثل في اتحاد الجزائر، شبيبة الساورة، شباب بلوزداد، نادي هلال شلغوم العيد، في حين تبقى الأندية الأخرى مدينة بـ1.1 مليار دينار (7.5 ملايين دولار).
وتعادل ديون الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية 2.9 مليار دينار، أي (19.7 مليون دولار)، والنادي الوحيد الذي لا يجابه ديونا هو شباب الساورة، مع العلم أن 6 أندية لم تراسل اللجنة المعنية بشهادات تثبت التزامها بتسديد ديونها.
وتعادل ديون مديرية الضرائب الإجمالية 1.577 مليار دينار، أي 10.2 ملايين دولار. وتتمثل الأندية التي سددت ديونها في شباب الساورة ونجم شباب مقرة ونادي بارادو الجزائر، في حين رفضت 5 أندية تسليم اللجنة وثيقة تسديد الضرائب، بحسب وثائق التقرير، ويقول رضا عبدوش إن الديون الإجمالية لشباب بلوزداد 1.26 مليار دينار، ما يوازي 7.5 ملايين دولار، بينما يرد رئيس النادي شرف الدين عمارة، الرئيس السابق للاتحاد الجزائري لكرة القدم والذي قبلت استقالته بتاريخ 16 يونيو/حزيران، قائلا في إفادته لـ"العربي الجديد"، إن فريقه لا يواجه أي دين ضريبي وإنه سدد ما عليه، لكن "ديون الأندية الأخرى كبيرة جدا وغير قابلة للسداد ولو على المدى الطويل".
الدولة تحقق في التهرب الضريبي
فتحت الدولة الجزائرية تحقيقا حول التهرب الضريبي للأندية، عبر تشكيل لجنة وزارية تأسست في منتصف مايو الماضي ويرأسها الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، مكوّنة من ممثلي وزارات الداخلية والجماعات المحلية والمالية والتجارة والشباب والرياضة والعمل والشغل والضمان الاجتماعي والعدل، وبشراكة مع مصالح الأمن، لجرد ديون الأندية، بما في ذلك أموال الضرائب، كما يقول مقرر لجنة الرياضة والنشاط الجمعوي بالبرلمان الجزائري هشام بوشمال، عضو كتلة الأحرار (موالاة).
وبالمقابل، تستعد لجنة الرياضة بالمجلس الشعبي الوطني للتحقيق ميدانيا بعد نهاية دورة ألعاب البحر المتوسط بالجزائر (جرت بين 25 يونيو/ حزيران و6 يوليو/ تموز)، في التهرب الضريبي للاعبي وأندية كرة القدم، من خلال التنقل إلى مقرات الأندية بالولايات والبحث في مدى التزامها بأداء واجباتها المالية، وأين تنفق عائداتها من بيع اللاعبين والتمويل الذي تحصل عليه من الشركات المالكة، وبيع التذاكر وعقود التمويل والإشهار، والبحث في سبب التهرّب من دفع الضرائب، ولماذا تبتعد عن الشفافية في تعاملاتها المالية، وهو ما يسمح بتجاوزات كبرى في هذا المجال، كما يقول النائب بوشمال.
عقوبات صارمة لم تنفذ
يفرض القانون الجزائري عقوبات صارمة على المتهربين من الضرائب، كما يقول المحامي المعتمد بالمحكمة العليا إبراهيم بهلولي، وتصل العقوبات إلى 10 أعوام سجنا وغرامات تصل حتى 10 ملايين دينار (70 ألف دولار)، وتعادل في أدنى حالاتها شهرين سجنا و100 ألف دينار (700 دولار)، حسب حجم المبلغ المتهرب من تسديده إلى الدولة.
وتنص المادة 303 من قانون الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة الصادر سنة 2020 على "أن كل من امتنع عن دفع المستحقات الجبائية مرتكب لمناورة تدليسية وفق مفهوم التشريع الجبائي، وبموجب ذلك يخول لإدارة الضرائب بصفتها صاحبة الدعوى الجبائية أن تحرك الدعوى العمومية ضده وتطالب بمستحقاتها".
10 أعوام سجناً وغرامات تصل حتى 10 ملايين دينار للمتهربين من الضرائب
ويؤكد المحامي بهلولي، في إفادة لـ"العربي الجديد"، أن العقوبات التي تترصد المخالفين صارمة، إلا أن السلطات تُغفل أعينها عنهم، وهي مطالبة اليوم بفرض رقابة مشدّدة لكشف المتجاوزين وعدم التسامح معهم، حتى وإن كانوا لاعبين أو أندية كرة قدم ذات شعبية واسعة وتمثل الجزائر في المحافل الدولية.
ويقول عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، النائب عبد القادر بريش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن سؤالا طرح على المديرة العامة للضرائب أمال عبد اللطيف بشأن تهرب المؤسسات الاقتصادية من تسديد الرسوم، بما فيها الأندية الرياضية.
وردّت المديرة بأن ضعف وسائل المراقبة في الماضي وعدم امتلاك مديرية الضرائب إمكانيات تؤهلها للتحري في كافة تعاملات هذه المؤسسات تسبب في ذلك، إلا أن الوضع اختلف اليوم في ظل عملية الرقمنة التي مست أقسام ومكاتب الضرائب، والتي ستسائل كافة المقصّرين في أداء واجباتهم الجبائية، بينما يبرر عبدوش صمت مديرية الضرائب كل هذه الفترة بأنها منحت الأندية فرصة للالتزام الذاتي والقيام بواجباتها المالية، كما أن تجربة احتراف هذه الأندية كانت جديدة، وبالتالي لم يتم فتح ملف ضرائبها.
توجه نحو مسح الديون
من بين المقترحات التي تضمنها التقرير تسقيف أجور اللاعبين، بحيث لا تتجاوز مليوني دينار (13.700 دولار شهريا)، لمنع تخبط الأندية مستقبلا في الديون، وأيضا التوجّه نحو التكوين وبناء مراكز للتدريب. وتضمن التقرير الذي أعدته لجنة مراقبة التسيير المالي المتابعة للملف على مستوى الفيدرالية الجزائرية لكرة القدم، مقترحات بضرورة مسح ديون هذه الأندية بدل دفعها بما فيها الضرائب، بحكم أنها ستبقى عاجزة عن تسديدها في القريب العاجل، في حين أنها ستكون ملزمة بتسوية كل ما ينص عليه دفتر شروط الاحتراف للمشاركة في المنافسات الكروية خلال سنة 2023، وهو ما قد يحرمها من لعب المباريات إذا لم تسدّد الديون، وفق عبدوش. بينما يقول رئيس الاتحاد السابق شرف الدين عمارة إن حجم الديون كبير ولا يمكن للأندية سدادها بأي حال من الأحوال حتى لو تمت إعادة جدولتها، الأمر الذي يفرض البحث عن حلول أخرى لتخليصها منها.