الجيل زد الإيراني... هوة اجتماعية وسياسية مع السلطة

27 أكتوبر 2024
بون شاسع بين الجيل زد وقيم الجمهورية الإسلامية (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتسع الفجوة بين الجيل زد والدولة الإيرانية بسبب عدم فهم الأجيال الأكبر سناً والسلطات الحاكمة لهم، مع تحديات في التعبير عن النفس بحرية بسبب القيود على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يعكس عدم ثقتهم في النظام السياسي.

- يتميز الجيل زد بارتباطه الوثيق بالتكنولوجيا والإنترنت، مما أدى إلى تبنيهم عقلية عالمية تتعارض مع الواقع المحلي، ورفضهم للهيمنة وسعيهم للاستقلالية، مما يعقد العلاقة مع النظام السياسي التقليدي.

- يعبر الجيل زد عن رؤى متباينة تجاه الحياة والسياسة، مع تفضيل الحرية الفردية والتعبير عن الآراء، وقيادة احتجاجات تعكس رغبتهم في التغيير، بينما يفكر العديد منهم في الهجرة بحثاً عن فرص أفضل.

تتّسع الهوة بين الجيل زد والدولة الإيرانية، وتظهر معالم الشرخ في أحداث محمّلة بالدلالات، كالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والاحتجاجات على مقتل واحدة من هذه الفئة الديموغرافية، والتي لديها قيمها وتطلعاتها الخاصة.

- تصف الشابة الإيرانية كيمياء عدالتي، علاقتها وأبناء جيلها مع الأكبر سناً بـ"الغريبة"، إذ لا يفهمون بعضهم وكأن كلاً منهم ينتمي إلى كوكب آخر، ولا تقتصر المشكلة على علاقتهم مع أفراد العائلة، بل تمتد إلى السلطات الحاكمة، كما تقول الفتاة التي تنتمي ديموغرافياً إلى المجموعة السكانية "زد"، وهم مواليد الفترة منذ منتصف التسعينيات وحتى منتصف العقد الأول من الألفية الثانية من القرن الـ21.

تعيش عدالتي في شمال طهران الراقي، وعمرها 19 عاماً، وما يؤرقها عراقيل النفاذ إلى الإنترنت، وكل ما يقلل من الوصول إلى حياة الرخاء والعلاقة الحرة مع "من نعشقهم من الأصدقاء والصديقات"، ومن حسن حظها أن أسرتها تتفهم بعض مطالبها ومنحتها مساحات واسعة خالية من القيود، "على العكس من صديقات يواجهن خلافات مع أسرهن"، تضيف الشابة أنها لا ترتدي الحجاب، وتخشى أن توقفها الشرطة، ما يشعرها بالضجر "فلماذا لا أمارس حقوقي في اختيار ملابسي والتعبير عن أفكاري عبر منصات التواصل دون حجب أو حظر؟"، وبسبب هذا المناخ لم تشارك، والعديد من معارفها في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الماضيتين، رغم كونهم من المتمتعين بحق التصويت، بعد بلوغهم سن الثامنة عشرة، وعلى حد قولها فإنها لا ترغب بالقيام بذلك حتى في المستقبل.

وعلى عكس نموذج عدالتي فإن أمير حسين رضوي (20 عاماً)، شارك بحماس في الاستحقاقين، إذ يسكن في مدينة مشهد التاريخية شمال شرقي إيران، وينحدر من عائلة مذهبية، كما يصفها، إلا أنه في الوقت نفسه لا يقر تجاهل السلطات مطالب الشباب بتوفير متطلبات حياة أفضل وإنترنت متقدم، وهي علامة على عدم فهم نظام الحكم للجيل زد، ما يزيد من فجوة ابتعاده عن تقاليد وقيم الجمهورية الإسلامية، خاصة أن جهاز التعليم والتربية والإعلام الرسمي غير قادرين على التفاعل معهم.

 

هوة بين الواقع والتوقعات

يبلغ عدد أفراد الجيل زد 12 مليون شخص، من أصل 85 مليون نسمة في إيران، بحسب بيانات أوردتها صحيفة الاعتماد الإصلاحية في 3 أغسطس/آب 2024، وبدأ المصطلح في الانتشار منذ عام 2005 وتصل أعمارهم اليوم إلى 27 عاماً، ويتلوهم جيل "ألفا" الذي يبدأ سنياً منذ عام 2010، كما يوضح البروفيسور أحمد بخارايي، رئيس مجموعة القضايا والأمراض في جمعية علماء الاجتماع غير الحكومية.

وتتسم هذه المجموعة السكانية بارتباط وثيق مع الإنترنت والتقنيات الرقمية وتطبيقات التواصل التي كبرت وترعرعت معها، وفق بخارايي، واعتباراً منذ بداية عام 2023، أصبح 78.6% من سكان إيران، أو 69.83 مليون شخص، من مستخدمي الإنترنت، كما زاد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح 54% من السكان، أو 48 مليون شخص، ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، ويلفت بخارايي في إفادته لـ"العربي الجديد"، إلى تبعات ذلك على الجيل زد، إذ أصبح يفكر بعقلية عالمية تتجاهل الواقع المحلي، ما أدى إلى تعارض ذهني وتنافر معرفي، وهو ما خلق شرخاً كبيراً وهوة بين الواقع والتوقعات، في ظل قرارات مثل تقييد الوصول إلى شبكات التواصل، وغياب حالة التنمية المطلوبة.

ويؤكد الخبير الإيراني، وهو صاحب عدة مؤلفات في علم الاجتماع، منها الانحرافات المجتمعية في إيران، أن هذا الشرخ يعكس "حالة انهيار يمرّ بها المجتمع، بسبب غياب المرجعية عن أفكار هذا الجيل"، محملاً السلطات المسؤولية، و"على الحكومة أن تطوّر نفسها بما يتناسب مع مستوى توقعات أفراد المجتمع"، ولم يعد ممكناً التفكير بعقلية ما قبل الحداثة، والتخطيط وإصدار القرارات بواسطتها، وهو ما يبدو في مسألة إلزامية الحجاب، والمشاكل الناتجة عن رفض البعض لها.

 

مفعم بالإنستغرام

أهم خصائص الجيل زد، كما رصدها عالم الاجتماع علي موسوي مؤلف كتاب "الهندسة الاجتماعية، كسر القيم والقوالب والهياكل القديمة"، كونه مواطناً عالمياً، يحمل هوية مائعة، ويرفض الهيمنة والخضوع، ويبحث عن الاستقلال، ويبدي اهتماماً قليلاً بالدراسة، ويرغب في حرية التعبير والفردانية، وأقل ميلاً للرقابة الذاتية، ويفضل التعبير الحر عن مشاعره ومعتقداته، ومنها مثلاً الهوس بالمشاهير فنياً ورياضياً.

يوضح موسوي في حديثه مع "العربي الجديد" أن الجيل زد مفعم بمنصة الإنستغرام المحظورة التي يصل عدد أعضائها في إيران إلى أكثر من 45 مليون، كما يوجد بشكل واسع على تطبيق تليغرام للمراسلة والمحظور أيضاً، والذي يبلغ عدد الإيرانيين فيه 41 مليون عضو، ويستخدم بشكل أساسي لتجاوز قنوات نشر المعلومات التقليدية، التي تخضع للرقابة أو السيطرة الحكومية.

وحسب بحث لموسوي تتبّع فيه الأوسمة الأكثر استخداماً على منصة إكس خلال عام 2020 وجد أنها تعود إلى الجيل زد، إذ تصدر وسما إغزو (لعبة) وكي بوب (موسيقى كورية جنوبية)، ما يظهر جانباً من اهتمامات هذا الجيل "المجهول لنا"، وغير القادر على التعبير عن آرائه "لأن الجيل القديم يتحكم في البلد". 

ويؤكد الباحث الاجتماعي أن البون بين هذا الجيل والقيم والمفاهيم السياسية والثقافية الأساسية وكذلك القانونية للجمهورية الإسلامية "كبير جداً"، لكونهم نشأوا في عالم هيمنة التكنولوجيا التي خلقت فجوة عميقة بينهم وبين السلطات.

ومعظم متابعي موسوي على موقع إكس (أكثر من 148 ألفاً) هم من الجيل زد، ويتبنون القيم الفردية (الديناميات التي توجه سلوك الفرد في حياته اليومية)، ويذكر أنهم يتوقعون منه الرد على رسائلهم، "وإذا لم أفعل ذلك يعتبرون ذلك إساءة، كما أنهم مستعدون للتضحية بكل ما يملكونه للحصول على ما يرونه منطقياً، وتوقعاتهم الاقتصادية والاجتماعية مرتفعة بشكل يفوق واقعهم، غير أنهم أيضاً يلتزمون بقواعد أخلاقية، تبدو في اهتمامهم بقضايا حقوق الإنسان والحيوان والبيئة، وينبع ذلك من التأثر بالفضاء الاجتماعي الافتراضي الممتلئ بطروحات عديدة مشابهة".

الصورة
سجلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة أدنى مشاركة

 

قياس حجم الفجوة الجيلية

تمثل علاقة الجيل زد مع الانتخابات وحقوق التصويت وسيلة لقياس حجم الأزمة والفجوة الجيلية، إذ إنهم الأكثر عزوفاً عن المشاركة، مقارنة بالشرائح الأخرى، حتى إن الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت في الخامس من يوليو/تموز الماضي سجلت أدنى مشاركة لهم، بحسب إفادة الباحث الاجتماعي الإيراني داود حشمتي، رئيس قسم الاستراتيجيات في أسبوعية صدا الإصلاحية، الذي قال إن 39.9% من الفئة العمرية بين 18 و25 عاماً (الجيل زد) شاركوا في الانتخابات والبقية رفضوا، بينما سجلت الفئة من 65 إلى 75 عاماً أعلى نسبة مشاركة بـ 54.5%، مضيفاً أن تقييماً عددياً حصل عليه عبر منظمة "ازما" للشفافية (مستقلة) كشف أن نسبة المشاركة بين الفئة العمرية من 25 إلى 35 وصلت إلى 43.3% والفئة التي تليها من 35 إلى 45 عاماً، بلغت نسبة مشاركتها 48.1% والفئة العمرية بين 45 و55 عاماً شاركت بنسبة 52%.

39.9% من الفئة العمرية بين 18 و25 عاماً شاركوا في الانتخابات

ومن خلال تقييمه الميداني، يقول حشمتي إن مشاركة الجيل زد في المدن الكبرى أكبر من الصغرى والقرى، وغاب هذا الجيل عن الحضور النشط في الحملات الانتخابية، سواء الافتراضية أو الحقيقية، وأول أسباب العزوف بروز قناعة جماعية بعدم جدوى أو تأثير المشاركة في الانتخابات على ما يجري في الواقع، كما أن الخطاب الانتخابي الذي تبناه الرئيس الإصلاحي الفائز مسعود بزشكيان لم يكن ذا جاذبية لهم، رغم كونه ودياً وبسيطاً، يوضح حشمتي أن شعارات الرئيس لم يكن لها بريق يعبّر عن آمالهم، وكانت موجهة للفئات العمرية الأكبر، إذ ركّز على مشاكل الأسر، وهواجس كبار السن، باستثناء نقاط مثل ضرورة إنهاء حجب مواقع الإنترنت. 

وفي المجمل "ثمة ضرر بالغ" لحق بالتواصل بين الجيل زد والسلطات خلال العقد الأخير ولم ترمم تلك العلاقة بعد، لأسباب منها حظر شبكات التواصل، وتقييد الإنترنت، والتباين الفكري، يقول الباحث الاجتماعي إن هذا الجيل يعبر عن آرائه ومواقفه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهي "سبيله الوحيد للتأثير"، لأنهم بعيدون عن الأحزاب ووسائل الإعلام والمؤسسات الرسمية، وهو ما بدا في أن أياً من مرشحي الرئاسة خلال الدورة المنقضية لم يكن لديه اهتمام أو خطاب خاص موجه إليهم، غير أن بزشكيان في تصريحاته الانتخابية كانت له إشارات عابرة إلى احتجاجات عام 2022 (وقعت بعد وفاة الشابة مهسا أميني التي أوقفتها شرطة الآداب لعدم التزامها بقواعد اللباس)، وهو أهم حادث اجتماعي أثر بالشباب منذ عقد، لكونه ارتبط بنمط حياتهم.

خلال العقد الأخير لحق ضرر بالغ بالتواصل ين الجيل زد والسلطات

وتراوحت أعمار مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المشاركين في الاحتجاجات بين 18 و24 عاماً، وتصل نسبتهم إلى 45.26%، ما يؤكد الدور الأساسي الذي لعبه الجيل زد في الاحتجاجات، عبر استغلال خبرتهم الرقمية لتحدي سياسات وتوجهات النظام السياسي، وفق ما توصلت إليه نتائج بحث "وسائل التواصل الاجتماعي ونشاط الشباب: حالة الجيل زد في إيران" المنشور في العدد السابع عشر من مجلة الدراسات الإيرانية (دورية محكمة نصف سنوية) والصادر في يونيو/حزيران 2023.

 

رؤى متباينة وليست ردات فعل

يعيش الجيل زد في عالمه المستقل، ويشكل الفضاء الافتراضي مكانه الأساسي بعيداً عن رقابة الأسرة المباشرة، كما يقول رئيس تحرير صحيفة هم ميهن الإصلاحية، جواد روح، لـ"العربي الجديد"، موضحاً إن حظر شبكات التواصل الاجتماعية الأجنبية مثل "إكس" و"فيسبوك" و"إنستغرام" من قبل المؤسسات الرسمية لم يغيّر قناعات هذا الجيل، ولا يزال خطابه "أبحث عن الحرية المطلقة، دعني أعش كما أحب"، ويتنافى ذلك بشكل أساسي مع القيم الرسمية للجمهورية الإسلامية، مثل الحجاب والالتزام بالشعائر الدينية ومبادئ الثورة، و"ليس هذا بالأساس ردة فعل تجاه الحكومة بل تعبير عن تباين في الرؤية والتفكير بين الطرفين".

ويضرب مثالا بشأن عدم ارتداء الحجاب، قائلا إن البعض يعيده إلى تجاهل الشعائر الدينية أو جراء الإلزام وضغوط السلطات، "لكنني أرى أن ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى تحول بنيوي حدث في الأسس الفكرية والقيمية بين الجيل زد ومن سبقوه وصار لكل منهما رؤية مختلفة تجاه نمط الحياة، والحجاب والعلاقة مع الغرب والعلاقة بين الجنسين ومكانة الدين وشعائره ومساحته في المجال العام".

بالتالي نتج "مزيج بين الغضب واللامبالاة"، يتبدى في طريقة تعامل الجيل زد مع الحكومة والقيم والأفكار التي تروج لها، وظهرت طبيعته في احتجاجات 2022 بعد وفاة الشابة أميني التي تنتمي إليهم، كذلك في تصورهم عن الانتخابات والحياة في البلاد حتى أن "جزءا كبيرا منهم يرى مستقبله خارج الحدود الإيرانية، ووصل الأمر حد حديث طلاب الثانوية العامة عن الرغبة في الهجرة إلى الخارج"، وهو ما تؤكده نتائج استطلاع المرصد الإيراني للهجرة (غير حكومي)، والتي أعلن عنها في عام 2021 موضحا أن ما بين 15% و37% من الطلبة الإيرانيين الحاصلين على مراكز عليا (من 1 إلى 1000) في الامتحان العام لدخول الجامعات والنخب العلمية الشابة الفائزين في مسابقات الأولمبياد، قد هاجروا من إيران ولم يعد منهم إلا نسبة تتراوح بين 2.5% و4.5%، بحسب البيانات التي أوردتها صحيفة الاعتماد الإصلاحية في 24 مايو/أيار 2023.

وهكذا يبتعد الجيل زد عن نظيره من حيث السن وقت قيام الثورة الإيرانية في عام 1979، والذي يكون اليوم الطبقة الحاكمة الأكبر عمرا، كما يقول روح، إذ تغير العالم وكذلك طهران بسبب تحولات تكنولوجية وسياسية وتغييرات جادة في القيم الفكرية والاجتماعية، فمن شريط التسجيل إبان الثورة كوسيلة نقل للأفكار والرسائل بين المحتجين الذين جمعهم الخطاب الثوري الديني وكانت لهم مرجعية ينفذون أوامرها بقيادة آية الله الخميني، صرنا في عصر شبكات اجتماعية وإعلامية أوسع تأثيرا، والعلاقة لم تعد من الأعلى إلى الأسفل بل كل منتم إلى هذا الجيل له رسالته وليس من أهل السمع والطاعة، ولديه من يؤثرون فيه (Influencer)، إذ تخلق حوادث مثل واقعة مهسا أميني رموزا لهذا الجيل العابر للعناوين المذهبية والقومية والقادر على الوصول إلى جمهور كبير وجذب المزيد من الاهتمام لقضاياه.