يكشف تحقيق "العربي الجديد" كيف انضمت عناصر وقيادات من تنظيم داعش الإرهابي إلى مليشيات قوات سورية الديمقراطية والتي بنت سرديتها على محاربتها، في ظاهرة تقوم على تبدل الولاءات بحثاً عن تأمين المصالح وتبادل المنافع.
- يرصد مضر حماد الأسعد، الناطق باسم مجلس القبائل والعشائر السورية، مخاوف أهالي مناطق شمال شرقي سورية بسبب عناصر تنظيم داعش الإرهابي ممن ينشطون في صفوف مليشيات "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وخاصة المنضمين بعد فقدان آخر معاقلهم في منطقة الباغوز جنوب شرقي محافظة دير الزور في مارس/ آذار 2019، إذ لا يتورّعون عن التنكيل بالأهالي حسبما يقول لـ"العربي الجديد".
وتم توزيع العناصر المنضمة إلى صفوف قسد على أجسامها العسكرية بعد خضوعهم لتدريبات في معسكراتها، وفق الأسعد، مؤكداً رصد مشاركة وتنفيذ بعضهم تفجيرات في مناطق سيطرة المعارضة شمال وغرب سورية، وهو ما يؤيّده أنس شواخ، الباحث في مركز جسور للدراسات (متخصص في الشأن السوري)، متفقاً في إفادته لـ"العربي الجديد" مع الأسعد في أن العدد التقريبي لعناصر داعش الناشطين في صفوف قسد يصل إلى 5 آلاف عنصر وقيادي من بين العدد الكلي للمليشيات والذي يقدّر بـ 100 ألف مقاتل.
وتتطابق تلك الأرقام مع إحصائيات مركز الفرات لمناهضة العنف والإرهاب (مؤسسة سورية) والذي وثق من خلال مصادر محلية من سكان المناطق التي ينشط فيها تنظيم داعش، انضمام 4834 فرداً من عناصره السابقين إلى قسد، منهم 2750 مقاتلاً سابقاً انضموا للمليشيات في دير الزور، وفق تأكيد مدير المركز أحمد رمضان لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى وجودهم كذلك في الرقة والحسكة، قائلا: "معظم المنضمين كانوا عناصر عاديين في التنظيم، وانتقلوا إلى "قسد" بذات الصفة، غير أن بعضهم تولى مناصب إدارية في الأجسام التابعة للإدارة الذاتية".
كيف بدأت قسد في ضم الدواعش؟
بدأت عمليات انضمام الدواعش إلى قسد بشكل موسع، منذ عام 2018، وفق إفادة سعد الشارع، الباحث في مركز الشرق للسياسات (مؤسسة بحثية)، موضحاً أن قسد خاضت معركة في بلدة هجين بالريف الشرقي لدير الزور، والذي يوجد فيه ما يصل إلى 7 آلاف عنصر من الدواعش، واستسلم بعضهم لقسد، وجرى زجّهم بالسجون، بينما استطاع آخرون التنسيق والدخول في مفاوضات للانخراط في الأجسام العسكرية للمليشيات.
و"جرت التسويات الأمنية بين عناصر وقيادات محلية في تنظيم داعش مفرج عنهم، وبين قوات سورية الديمقراطية، في مقابل تعاون أمني وإعطاء معلومات أو إعادة دمجهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية"، بحسب ما رصده الباحث السوري ساشا العلو في دراسته "الإدارة الذاتية مدخل قضائي في فهم النموذج والتجربة" والصادرة في إبريل/ نيسان 2021.
وتوثق دراسة العلو الصادرة عن مركز عمران للدراسات (مؤسسة بحثية) التحاق قياديين وأمنيين سابقين من الدواعش بأجهزة الاستخبارات التابعة لقسد، مشيرة إلى أن بعضاً من عناصر التنظيم السابقين المنضمين إلى قسد تعرّضوا لانتقامه.
ويبدو الصراع على الأعضاء بين التنظيمين في ما نشرته وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم بتاريخ 5 ديسمبر/ كانون الأول 2020 من صور وبيانات حول إعدام التنظيم لمن قالت إنهم "عملاء للتحالف" وقادة في "وحدات حماية الشعب" التي تمثل العمود الفقري لـ "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في دير الزور.
وأعدم التنظيم موسى الهشيم القيادي السابق والذي عمل في ديوان الغنائم بالحسكة وديوان الركاز في حقل العمر بريف دير الزور، بعد أن تمكن التنظيم من أسره في بلدة الشحيل، بتهمة التعامل مع قسد، وتزويد التحالف الدولي بمعلومات، كما أعدم قيادياً في "وحدات حماية الشعب" يدعى رائد حسين، في منطقة السجر بريف دير الزور.
ونشرت "أعماق" صوراً لعملية إعدام حسين، والتي تمت قرب نهر الفرات، إضافة إلى صور تحتوي على وثائق وسلاح يعودان لـ "حسين".
ونفّذ عناصر التنظيم الإرهابي أيضاً عملية في قرية غريبة الشرقية بمنطقة مركدة بالحسكة، وقالت "أعماق" إنها استهدفت عنصراً من "وحدات حماية الشعب" وأدت إلى مقتله. ومنذ مطلع عام 2020، زاد التنظيم من عمليات استهداف عناصر "قسد" و"وحدات حماية الشعب" وموظفي "الإدارة الذاتية" شمال شرقي سورية، حيث باتت عملياته ضد هؤلاء بشكل شبه يومي.
ويتتبع تحقيق "العربي الجديد" كيف جنّدت مليشيات قسد، الدواعش الذين حاربتهم ضمن التحالف الدولي لهزيمة تنظيم الدولة، ومن بينهم محمد رمضان عيد المصلح، الملقب بـ"الضبع" والذي كان مسؤولاً أمنياً لتنظيم داعش بالريف الشرقي لمحافظة دير الزور، بعد مقتل أخيه الأكبر جميل أثناء هجوم داعش على ثكنات النظام في مستودعات عياش بدير الزور في يناير/ كانون الثاني 2017، وسيطرة التنظيم على مدينة الشحيل (تبعد عن دير الزور 50 كيلومتراً على الضفة اليسرى لنهر الفرات) في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، بحسب مركز الفرات.
وعقب سيطرة قسد على المنطقة، نقل الضبع ولاءه إلى قادتها؛ وانضمَّ إلى قواتها وأصبح مسؤولاً عن أمن آبار النفط في حقل العمر، وفق مركز الفرات، وتأكيد وثيقة صادرة عن القيادة العامة لقوات سورية الديمقراطية، موجّهة إلى كافة الحواجز الأمنية التابعة لقسد "لتسهيل عبوره"، وهو ما يؤكده كذلك لـ"العربي الجديد" عامر البشير أحد شيوخ قبيلة البكارة، ومضر حماد الأسعد.
استغلال المصالحات العشائرية
يؤكد تقرير "إعادة دمج داعش: الجهات الداعمة في سورية، الجهود والأولويات والتحديات" الصادر عن كلية كينغز لندن في عام 2018، أن "قوات سورية الديمقراطية أطلقت سراح مقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية دون محاكمات، مما زاد من حدة التوترات بين السكان المحليين، بعد قبولهم في صفوفها، إذ أصبح بعضهم جزءاً من القوات العشائرية التابعة لقوات سورية الديمقراطية والأغلبية تعمل في مخابراتها، إما كمخبرين أو مسؤولين".
و"بدأت الإدارة الذاتية منذ عام 2017 وحتى 2020 في إجراء مصالحات عشائرية، تتضمّن الإفراج عن معتقلين في سجونها بتهم الإرهاب، وبينهم عناصر محليون سابقون في تنظيم داعش، بناء على صيغة كفالات عشائرية يتصدرها شيوخ ووجهاء العشائر في المنطقة، ويتم بموجبها إصدار عفو عام، بحسب دراسة "الإدارة الذاتية مدخل قضائي (..)"، والتي لفتت إلى أن الإدارة الذاتية تقول إن "أيادي تلك العناصر غير ملطخة بالدماء، ولكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، فقد خرج ضمن تلك التسويات قيادات محلية سابقة في التنظيم من المعروفين ضمن مجتمعاتهم المحلية بتورطهم في جرائم عدة، منهم أحد قادة هجوم تنظيم الدولة على عين العرب/ كوباني"، وتتابع :"أجرى فريق البحث مقابلة مع أحد قضاة التحقيق العاملين في محاكم الإدارة الذاتية بالحسكة في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وشهد على إطلاق سراح 8 أشخاص متهمين بجرائم عدة، منها القتل والسرقة، بعد توقيع القسم الأكبر منهم على تعهد وتسوية أمورهم للالتحاق بالجبهات العسكرية".
توزيع عناصر من داعش على الأجسام الإدارية والعسكرية لقوات قسد
وانتقلت بعض الشخصيات العشائرية للعمل في صفوف قسد بعد أن كانت في صفوف داعش، نتيجة تبدّل الولاءات في المجتمعات المحلية تبعاً للقوى المسيطرة على الأرض من أجل التكيف مع الأوضاع المتغيرة. وتعمد هذه الشخصيات إلى شغل المناصب الإدارية من أجل حماية مصالحها ودفع خطر استهدافها، بحسب عباس شريفة، الخبير في شؤون الجماعات الجهادية بمركز جسور للدراسات، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن هذه التحالفات والولاءات المتبدلة تتم على أسس اجتماعية وليست أيديولوجية أو سياسية.
ولأن الرابطة العشائرية في المنطقة الشرقية أقوى من الرابطة التنظيمية، عمدت قسد إلى ضم عناصر داعش من أبناء المنطقة في صفوفها، لضمان السيطرة عليها واستيعاب مكوناتها، والاستفادة من معلوماتهم في قتال التنظيم، وفق شريفة، قائلاً: "يعمل ذلك على توسيع دائرة الخلاف المجتمعي بين القبائل والتنظيم في مناطق شمال وشرق سورية، إذ إن إعادة تأهيل عناصر داعش ودمجهم في قوات قسد وإدارتها الذاتية يعني وضعهم في مواجهة أهالي الضحايا، ما يعزز الصراع العشائري".
الاستفادة من الخبرات العسكرية
تستفيد "قسد" من توظيف عناصر تنظيم داعش في جوانب عدة، أهمها جمع معلومات عن مواقع التنظيم وتحركاته من خلال التواصل بين العناصر والقادة المنضمين إلى صفوفها ومن لا يزالون على علاقة به، فضلا عن الاستفادة من الأعضاء السابقين في "داعش" كأدوات تمدد في بعض القرى النائية التي لن تستطيع قسد أن تكون فيها بسبب الحساسيات الاجتماعية، بحسب الباحث الشارع، مؤكدا أن الخبرة العسكرية للدواعش في مجال التصنيع العسكري والتفخيخ كانت ميزة إضافية استفادت منها مليشيات قسد.
استفادت قسد من الخبرة العسكرية لتنظيم الدولة في مجال التفخيخ
اللافت أن مناطق سيطرة المعارضة شهدت تفجيرات قامت بها خلايا تابعة لقوات قسد، لكنّ "طريقتها حملت بصمات "داعش" من ناحية القنبلة المستخدمة، وطريقة زرعها وتفجيرها" وفق ما يقوله الرائد يوسف حمود، الناطق باسم فصيل الجيش الوطني السوري (تابع لائتلاف المعارضة ومدعوم من تركيا).
و"تصنع خلايا قسد مع الدواعش السابقين متفجرات تحتوي على C4 (عبارة عن خليط من أربع مواد شديدة الانفجار تستخدم للاغتيالات وتصنيع الأحزمة الناسفة) و Rdx شديدة الانفجار مع صاعق، وتفجرها عبر لاسلكي، أو عبر ربطه بمصدر طاقة مثل بطارية السيارة"، وهو نفس الأسلوب المتبع من قبل تنظيم داعش الذي كان أول من استخدم مواد Rdx في تصنيع القنابل المتفجرة، كما يقول القيادي في الجيش الوطني السوري، والعميد المنشق عن قوات النظام، زياد حاج عبيد لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن عناصر من قوات قسد (عملوا مع داعش سابقا) أقروا بعد القبض عليهم من قبل الجهاز الأمني التابع للجيش الوطني السوري، بأنهم قاموا بتصنيع وزرع قنابل متفجرة في مناطق سيطرة الجيش الوطني، وكشفت التحقيقات عن وعود بمنح عائلاتهم الموجودة في مخيم الهول امتيازات وتأمين حياة أفضل لهم.
قلق متنامٍ وسط السكان
يحذّر سعد الشارع من خطورة ما قامت به "قسد"، فالمنطقة عانت كثيراً من جرائم تنظيم داعش، خاصة أن لها أبعاداً عشائرية وقبلية ويتخوف سكان تلك المناطق من العناصر الذين كانوا في صفوف داعش سابقاً واليوم ضمن قوات قسد، بحسب البشير، مؤكدا أنهم ينفذون أجنداتهم الخاصة، بعد الانخراط في صفوف قوات قسد.
ما سبق يؤكده تقرير "إعادة دمج داعش: الجهات الداعمة في سورية (..)"، موضحا أن انضمام عناصر لتنظيم داعش ممن أفرج عنهم من سجون قوات قسد، من دون عقاب يؤدي إلى نتائج عكسية، مثل القتل الانتقامي بين السكان المحليين. ومثل هذه الإجراءات لا تتم بلا عواقب، وفق التقرير ذاته.
واستمر عناصر داعش من أعضاء مليشيات قسد في ممارسة الانتهاكات ضد المدنيين، كتهديدهم بالقتل أو الاعتقال، كما يقول محمد السعيد، أحد سكان مدينة منبج شرق محافظة حلب، والذي يروي لـ"العربي الجديد" أن المنطقة كانت تعاني من تنظيم داعش أثناء سيطرته عليها، إذ فرض قوانين تتعلق بطريقة اللباس وإغلاق المحال أثناء الصلوات ومنع التدخين، ويعمل هؤلاء على ابتزاز الأهالي من أجل السماح لهم بالقيام بما يرغبون أو التغاضي عن تصرفاتهم.
وشهدت بلدة عين عيسى الواقعة بالقطاع الشمالي الغربي من ريف الرقة، في سبتمبر/أيلول 2019، تداعيات خطيرة بسبب عناصر داعش الناشطين بعد الإفراج عنهم في صفوف قوات قسد، وفق ما وثقه المرصد السوري لحقوق الإنسان، مؤكدا أن :"3 أشخاص ممن كانوا في صفوف تنظيم "داعش" وأجروا "تسويات" وباتوا مقربين من ميليشيا قسد، ينشطون في عين عيسى ومخيمها، دون رقيب أو حسيب، وأحدهم وهو الأبرز بينهم قام بتجنيد عشرات المقاتلين السابقين للتنظيم للعمل تحت إمرته بغية تسهيل أعماله ولإرهاب المواطنين والنازحين"، وأضافت المصادر أن عمليات نهب وسرقة من بيع وشراء أراضي تعود ملكيتها لأشخاص غير متواجدين هناك، فضلاً عن تهريب مقاتلين من التنظيم خارج مخيم عين عيسى بالرغم من القرارات الصارمة بهذا الشآن، إلا أن العمليات هذه جميعها تجري بدعم وتورط أشخاص ومسؤولين ضمن ميليشيا قوى الأمن الداخلي "الآسايش"، وأكد المرصد، في بيانا صحافي، أن قضية عناصر وقادة تنظيم "داعش" السابقين والذين غدوا في صفوف ميليشيات تتصدر المشهد في منطقة شرق الفرات في ظل الصمت المتواصل لقيادات قسد حول ممارساتهم ولا سيما مع النشاط الكبير لخلايا التنظيم في المنطقة.
كيف ترد قسد؟
يحظر القانون الدولي جميع أنواع التعاون مع تنظيم داعش، إذ يشير قرار مجلس الأمن رقم 2253 الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2015 إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية وأي جماعة منشقة عن تنظيم القاعدة، وأي فرد أو جماعة أو مؤسسة أو كيان يدعم تنظيم الدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة تتوافر فيه شروط الإدراج في قائمة الأفراد والكيانات المدرجة على لائحة الإرهاب.
وعرض معد التحقيق أسماء أعضاء وقيادات قسد الموجودين بين صفوف الأجهزة التابعة للإدارة الذاتية على الرئيس المشترك لمجلس سورية الديمقراطية، رياض درار، وطلب منه حق الرد، لكنه رفض. كذلك تواصل معد التحقيق مع بيريفان خالد الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية، لكنها اطلعت على الرسالة ولم تجب، بينما يعلل عماد الكراف، الرئيس المشترك لمجلس العدالة في الإدارة الذاتية، عدم رده بأنه غير مخول بالأمر، وأن الأسماء السابقة تعمل ضمن مؤسسات أخرى لا تتبع لجهاز العدل. أما ماهر تمران، عضو مكتب الشؤون القانونية بالمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية فأجاب بالقول لـ"العربي الجديد": "لا أستطيع تأكيد أو نفي أن هؤلاء الأشخاص عناصر سابقون في التنظيم، فإن أكدته مشكلة، وإن أنكرته مشكلة، ومن يعمل في صفوف الإدارة الذاتية لديه مناصب في أجسام مختلفة، لذا أفضل عدم الخوض في تفاصيل هذا الموضوع".
ما سبق يعد تناقضاً بين رواية قسد التي بنتها على أنها تحارب تنظيم إرهاب داعش بدعم من التحالف الدولي، بينما هي توظف عناصره في الأجسام التابعة لها، بحسب فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "تقديم الدعم لعناصر داعش يحوّل أي كيان لداعم للإرهاب".