تحقيق تركيا 1
25 ابريل 2022
+ الخط -

توثق "العربي الجديد" بيع مقاعد جامعية مخصصة للطلاب الأجانب في الجامعات التركية، عبر مكاتب خدمات ووسطاء وموظفين يؤمنون عملية التسجيل من خلال التلاعب بنظام القبول في مقابل مبالغ مالية تحرم المتفوقين من فرصهم.

- يستقطب السوري محمود البش عبر مكتبه للخدمات الجامعية في مدينة أنطاكيا الطلاب الأجانب الراغبين في الالتحاق بالجامعات التركية، بزعم توفير فرص قبول مخصصة لهم في مقابل مبالغ مالية، عبر اتفاقيات مع مؤسسات حكومية، قائلا "ما يجري يتم بشكل قانوني، إذ تتقاضى الجامعة مبلغا يدخل في حسابها باعتباره تبرعا عن كل مقعد مخصص للطالب الأجنبي، وهذه المقاعد لا تخضع للمفاضلة لكنها لا تمنح إلا للحاصلين على معدلات معينة، وعلى نسبة محددة في اختبار اليوز المحلي أو السات الدولي".

ما يروجه البش ونظراؤه من العاملين في مكاتب تحمل لافتات تقديم خدمات واستشارات جامعية للطلاب الأجانب في تركيا، يدحضه أستاذ القانون الدولي في جامعة ماردين أرتوغلو "Mardin Artuklu"، وسام الدين العكلة، مؤكدا أن لا وجود لأي اتفاقيات بين الجامعات الحكومية التركية ومكاتب الخدمات لبيع مقاعد مقابل تبرعات أو مبالغ أعلى من رسوم التسجيل، موضحا أن نظام القبول يحظر على الجامعات تقاضي أي زيادة على رسوم التسجيل سواء كانت تبرعا أو غيره، وما تقوم به المكاتب تلك ما هو إلا اتجار غير قانوني بالمقاعد.

استهداف الطلاب الأجانب

يلجأ الطلاب الأجانب الراغبون في الالتحاق بالجامعات التركية إلى مكاتب خدمات طلابية، بسبب جهلهم بقوانين ومتطلبات القبول الجامعي وضعف مستواهم في اللغة التركية، كما يقول أغيد السيد علي، الطالب في كلية العلوم السياسية وعضو تجمع الطلاب السوريين في جامعة بولنت أجاويد في زونغولداغ، موضحا أن هذه المكاتب منها ما هو مرخص باعتباره يقدم خدمات طلابية بشكل قانوني، من أجل تيسير عملية التسجيل عبر مساعدة الطالب في تحضير الأوراق اللازمة وتقديمها عبر القنوات الصحيحة، بهدف الحصول على مقعد نظامي، وتأمين الدخول في مفاضلات قبول الطلاب الأجانب، بحيث يحصل أصحاب المعدلات الأعلى في شهادة الدراسة الثانوية وامتحان "اليوز" على المقاعد المخصصة في الجامعة، مشيرا إلى تقاضي المكاتب مبالغ مختلفة مقابل التقدم لمفاضلة في خمس جامعات كل منها لها نظام قبول خاصة.

ينشر مجلس التعليم العالي تحذيرات من التلاعب بمتطلبات القبول

في المقابل، تعمل مكاتب بشكل غير قانوني ويقف وراءها سماسرة يؤمنون عملية التسجيل عبر التلاعب بنظام الجامعات مقابل مبالغ مالية كبيرة تصل إلى 20 ألف دولار أميركي لبعض الفروع، مثل الطب، ويتم ذلك إما عبر إدخال بيانات مزورة وتحويل الطالب الأجنبي من غير مقبول إلى مقبول، أو استبدال البيانات المرفوضة بنتائج طلاب سجلوا في جامعات أخرى بعدما تم قبولهم، وفق ما يقوله السيد علي والبش، وهو ما وقع للعراقي محمد كاظم (اسم مستعار خوفا من خسارة مقعده في الجامعة)، والذي تمكن من شراء مقعد لدراسة الماجيستير في العام الماضي عن طريق مكتب خدمات طلابية، مقابل ألفي دولار، في جامعة تحتفظ "العربي الجديد" باسمها تقع في شمال البلاد، قائلا: "لجأت إلى المكتب عقب الفشل في اجتياز فحص اليوز، بعدما تقدمت وزوجتي للاختبار في مطلع عام 2020، ونجحت هي لكني لم أوفق".

اللافت أن كاظم عندما استخرج بطاقته الجامعية كانت مفاضلات القبول الجامعية متوقفة، لكنه حصل على فرصته من خلال تلاعب متعاون في الجامعة مع المكتب بنظام بيانات الطلاب وتغيير المعلومات الخاصة بكاظم، ليظهر أن قبوله تم في يوليو/تموز عام 2020 كما يقول.

الصورة
تركيا معدل

وفي الجامعة ذاتها حصلت السورية وصال سعد الدين (اسم مستعار خوفا من خسارة إقامتها في تركيا)، على مقعد عبر سمسار تمكن من تأمينه لها مقابل 1500 دولار، بهدف تحويل إقامتها من سياحية إلى إقامة طالب، وبالفعل تم قبولها بشكل أولي في برنامج هندسة تصميم المنتجات الصناعية وحصلت على قيد طالب، لكن الأمر تطلب تقديم شهادة الثانوية العامة من سورية، وهو ما لم يكن متاحا، بالإضافة إلى شرط الدوام الذي جعلها تعدل عن إكمال التسجيل في الجامعة، وفق روايتها لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أنها لجأت لهذه الطريقة لضمان حصولها على القبول خاصة أنها أنهت الثانوية العامة عام 2009، ما يقلل من فرصها، لأن الجامعات تعطي الأولوية في القبول لمن هم أحدث سنا في حال تساوت شروط القبول، بحسب العكلة.

وتؤدي الظاهرة إلى تسهيل استغلال الطلاب الأجانب من قبل سماسرة يحتالون عليهم عبر وعود بتأمين القبول لكنهم يختفون بمجرد الحصول على جزء من المبلغ المالي، وفقا للسيد علي، الذي رصد حالات بين الطلاب العرب تعرضت لخداع من قبل متعاونين مع مكاتب غير شرعية تدعي تقديم خدمات طلابية.

التواصل مع السماسرة

يدعي بعض أصحاب مكاتب الخدمات الطلابية بأن المقاعد التي يحصلون عليها مخصصة لأعضاء الهيئة التدريسية، لكن الأكاديمي العكلة يؤكد أن الجامعات التركية الحكومية لا تخصص مقاعد لذوي أعضاء الهيئة التعليمية على غرار ما كان معمولاً به في سورية، حيث كانت هنالك مفاضلة خاصة بأبناء أعضاء الهيئة التعليمية، وكان يعلن عنها في كل عام بالتزامن مع صدور المفاضلات العامة، مشيرا إلى وجود استثناءات محدودة فقط للرياضيين الذين يحققون أرقاما قياسية وتسهيلات لدخول كليات متخصصة في مجالهم، واصفا ما يجري بأنها محاولات للنصب والاحتيال وابتزاز الطلاب.
 
ورصدت "العربي الجديد" 21 صفحة ومجموعة مغلقة على "فيسبوك" تروج لتأمين القبول الجامعي للطلبة الأجانب في تركيا، ويتم التفاعل مع تساؤلات المتابعين بشأن شراء المقاعد في الجامعات التركية وإحالتهم إلى رقم هاتفي على أن يتم التواصل عبر تطبيق واتساب من أجل الاتفاق.
 
يوهم المحتالون الطلاب بوجود ضمانات لعدم خسارة المقعد

وتواصل معد التحقيق مع إحدى هذه الصفحات باسم "الأولى للخدمات الطلابية والخدمات العامة في تركيا" للاستفسار حول إمكانية تأمين مقعد طب بشري في جامعة حكومية تركية، وتلقى تأكيدات بشأن تأمين المقعد مقابل 17 ألف دولار، ويتم توقيع عقد بين الطالب والمكتب الذي يزعم المتحدث أنه يعمل في تركيا بشكل قانوني وأن فرصته الدراسية مضمونة لمدة 6 سنوات، وبمجرد الدفع للمكتب يمكن للطالب أن يتأكد من إدراج اسمه في القوائم بشكل نظامي وعند وجود أي خلل يمكنه استعادة ماله بالكامل طوال فترة دراسته. 
 
وعرض صاحب المكتب خيارا آخر لكنه "غير مضمون" على حد قوله، وذلك من خلال التقدم لامتحان "السات" والذي تضع بعض الجامعات التركية التي تدرس مناهج باللغة الإنكليزية شرط اجتيازه بمعدل محدد ضمن متطلبات القبول فيها، مشيرا إلى إمكانية توفير الأسئلة أو شهادة مزورة لتأمين النجاح في المفاضلة ونيل المقعد، لكن توجد مخاطرة في أن يتم اكتشافه، لكن السيد والعكلة يستبعدان إمكانية التلاعب في نتائج امتحانات السات أو اليوز، ويرفضان ما تدعيه بعض تلك المكاتب بشأن إمكانية الحصول على الأسئلة الخاصة بالامتحان لأنها تأتي مرمزة بأكواد خاصة، معتبرين أن ما سبق ما هو إلا وسيلة لخداع الطلبة، كما حدث مع وصال حين وعدها السمسار بتأمين أسئلة امتحان اليوز، وزدوها بقائمة أسئلة لم يأت منها سوى 15 سؤالا في الامتحان الرسمي الذي تقدمت له.
 
وكشفت طالبة فضلت عدم ذكر اسمها (كونها تبحث عن شراء مقعد وخوفا من الملاحقة القانونية) أنها تواصلت بمكتب يعلن عن تأمين قبولات جامعية في تركيا يدعى "orca"، وتظهر المحادثة التي جرت مع القائمين على المكتب عبر الماسنجر أن المكتب عرض على الطالبة نوعين من الخدمات للتقدم للمفاضلات الجامعية الأول يطلقون عليه عادي والآخر مضمون، أما السعر فيصل إلى 5000 دولار بجامعة تقع في مدينة ديار بكر جنوب شرقي تركيا.  
 
 

الطلبة المتفوقون يخسرون فرصهم

تقلص عملية التحايل وبيع المقاعد فرص الطلاب الأجانب ممن حصلوا على علامات عالية ويلجأون إلى المفاضلة من أجل تحقيق حلمهم بالالتحاق بالفروع التي يرغبون بها، بسبب محدودية المقاعد المخصصة لهم في الجامعات التركية والتي يُمنع أن تزيد عن 10%، بحسب العشريني محمد حمدو، المقيم في محافظة هاتاي جنوبا، والذي يؤكد على وجود إعلانات عديدة تدعي بيع مقاعد في مختلف الفروع، ومنها الطب، قائلا: "تواصلت مع أحد المكاتب المعروفة بين الطلبة بأنها تبيع المقاعد ودخلت في جدال مع صاحب المكتب لأنهم يسلبون حق الطالب المجتهد، لكن جوابه كان صادما، إذ قال: نحن وسطاء ولا دخل لنا، مدرسون في الجامعة يؤمنون المقاعد وإن لم تبَع لنا ستباع لغيرنا".
 
ويشير حمدو إلى أنه يعرف طلبة سوريين حصلوا في العام الماضي على الدرجة التامة في امتحان اليوز ولم يتمكنوا من دخول الجامعات التي كانوا يرغبون في الالتحاق بها، بسبب أن المقاعد المتوفرة صارت قليلة.

ضعف رقابي

ينشر مجلس التعليم العالي والجامعات التركية بشكل دوري تحذيرات للطلاب ممن قد يتقدمون بوثائق غير أصلية أو مزورة بالتزامن مع الإعلان عن بدء المفاضلة، كما تحدّد الإجراءات التي ستتخذ بحق كل من يحصل على مقعد بطرق غير شرعية، وهذه القرارات تنص على إلغاء قيد الطالب من الجامعة وكل ما يترتب على هذا القيد من آثار مستقبلية مهما طالت المدة، وفق العكلة.
 
لكن بالرغم من هذه التحذيرات تستمر الظاهرة، ويعزو السيد تزايدها إلى ضعف الرقابة المباشرة على الموظفين واللجان المعنية بقبول الطلاب، وخاصة ضمن عملية تدقيق بيانات الطلبة وتتبعها لمنع التلاعب بنظام القبول، مشيرا إلى أن عمليات الاحتيال تتم غالبا بطريقتين، إما عبر تزوير شهادة أو من خلال التلاعب بالنظام الخاص بالطلاب، وهو ما يمكن وقفه عبر التدقيق في الشهادات وإجراء عمليات مراقبة دورية ومراجعة أنظمة القبول.
 
لكن العكلة يحذر من باب آخر للتلاعب يتم عبر نظام المقابلة الشخصية، وخاصة في برنامج الماجيستير، قائلا: "من المحتمل أن يتم التأثير على أحد أعضاء اللجنة التي تجري المقابلات لمنح علامات مرتفعة لطالب ما، ويتم قبوله على حساب طلاب آخرين معدلاتهم أعلى منه بسبب احتساب علامة المقابلة مع معدل الطالب كشرط للقبول".