علاقة طردية بين استهلاك المخدرات والجريمة في الجزائر
28 مايو 2023
+ الخط -

يرفع استهلاك المخدرات في الجزائر من نسبة الجريمة، إذ تشهد البلاد تزايداً مطرداً لحوادث القتل العمد، والاعتداء، والسرقة، والعنف، في ظل عدم فعالية التشريعات الحالية، ما يستدعي مراجعة العقوبات المفروضة ضد مروجي المخدرات.

- يربط عبد الكريم عبيدات، رئيس الجمعية الوطنية لرعاية الشباب (منظمة مجتمع مدني)، بين تدفق المخدرات على الجزائر وتزايد الجرائم المرتبطة بالإدمان، خاصة بين الفئات العمرية من 15 عاماً وحتى 35 عاماً، بحسب ما رصده نشطاء في الجمعية يتواصلون مع المدمنين وعائلاتهم، وتؤكده كذلك وقائع 6 جرائم قتل نفذها مدمنون، ومن بينها مقتل شاب على يد مدمن في حي قايدي ببلدية برج الكيفان شرق العاصمة، في يونيو/حزيران 2020، كما يقول جار الضحية الثلاثيني الجزائري وليد دراجي، ووقائع قضايا رصدها المحامي يوسف بودينة، والذي يمتلك مكتباً خاصاً بالعاصمة، وإبراهيم طايري، رئيس الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين (مجموعة من المنظمات الجهوية)، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "يوجد ارتباط بين الإدمان على المخدرات والعمل على ترويجها وبين نشاط عصابات الأحياء التي يرتكب أفرادها جرائم الاعتداء والضرب والقتل، في نمط يتكرر في ولايات عدة".

تفاقم الجرائم بسبب استهلاك المخدرات

تؤكد دراسة ميدانية أًجريت في أحياء ولاية تبسة "سكنسكا، ولاروكاد، والوئام" الواقعة في الشمال الشرقي للجزائر على الحدود التونسية، من أجل نيل شهادة الماجستير للسنة الجامعية 2020/2021، في جامعة العربي التبسي الحكومية، أن 67% ممن شملتهم من فئة المسبوقين قضائياً في جرائم المخدرات، سبق لهم ارتكاب جرائم، ويؤكدون أن "أغلب جرائم العنف مثل القتل والضرب والسرقة والاعتداء، سببها الإدمان على المخدرات". 

ورصدت الدراسة التي حملت عنوان "استهلاك المخدرات وعلاقتها بتطور الجريمة في المجتمع الجزائري" أن أكثر الجرائم التي تقع بسبب استهلاك المخدرات، هي "السرقة بنسبة 36% والعنف (سلوك مؤذٍ للآخرين سواء كان جسديّاً أم نفسياً أم لفظياً) بنسبة 16% والاعتداء (اتصال مؤذٍ أو خطير ويكون مادياً مثل اعتداء جنسي، أو معنوياً يمس كرامة الفرد وحريته) بنسبة 10%، والقتل بنسبة 7%، والضرب (اعتداء يحدث أضراراً بالضحية) بنسبة 6%". 

وبلغ عدد الجرائم والقضايا التي عالجتها مصالح الشرطة 296 ألف جريمة في عام 2021، تورّط فيها 274 ألف شخص. فيما بلغ عدد الضحايا 201 ألف ضحية، حسب ما أوضحه المفتش العام للأمن الوطني، حاج سعيد أرزقي، في مؤتمر صحافي عقده في العاشر من فبراير/شباط 2022، مشيراً إلى أن البيانات توضح ارتفاعاً في معدل الجريمة خلال 2021 بنسبة زيادة 14.71% عن عام 2020. 

ولم تشر إحصاءات الأمن الوطني إلى جرائم القتل في عام 2021، لكن موقع أطلس بيانات العالم، والذي يعتمد على مصادر متعددة، ومن بينها البنك الدولي ومنظمات تابعة للأمم المتحدة، يشير إلى أن جرائم القتل العمد في عام 2021 بلغت 695 جريمة، بينما في عام 2020 بلغت 580 جريمة.

وتمكّنت المصالح المختصة بالأمن الوطني في يوليو/تموز 2022 من توقيف 2533 مشتبهاً بتورطهم في 2295 قضية تتعلق بالاعتداءات الجسدية، بواسطة السلاح الأبيض، وحمل الأسلحة البيضاء المحظورة، وفق الموقع الرسمي للشرطة الجزائرية. 

ويربط خميسي عثامنية، القاضي السابق بمحكمة باتنة شرق الجزائر والمحامي المعتمد لدى المحكمة العليا، بين استهلاك المخدرات والمؤثرات العقلية وبين ارتفاع نسبة ارتكاب الجريمة، بالنظر إلى الأعراض الذهنية وتأثيرها السلبي على الجهاز العصبي للمدمن، مؤكداً لـ"العربي الجديد" من خلال اطلاعه على حالات موثقة عبر عمله، أن علاقة جرائم القتل باستهلاك المخدرات حقيقة لا يمكن إنكارها، وهو ما يتكرر في حوادث من بينها واحدة وقعت في بلدية بني عزيز بولاية سطيف، شمال شرقي الجزائر، إذ حاول مدمن قتل شاب عشريني بسلاحه الأبيض في يوليو 2020، بعد مشاجرة نشبت بينهما، لكن الشاب تمكن من انتزاع السلاح من يد المدمن وقتله، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020 شهدت الجزائر جريمة اغتصاب وقتل فتاة وحرقها من قبل شاب مدمن على المخدرات، وفي مايو/أيار 2022 قتل عشريني، بحي 140 مسكن الجديد، في ولاية البويرة شمال الجزائر، على يد مدمن مخدرات، بعد دخول الضحية في شجار مع الجاني الذي باشره بطعنة خنجر في الصدر.

علاقة طردية بين تعاطي المخدرات والجريمة

"توجد علاقة طردية بين ارتكاب الجرائم وتزايد استهلاك المخدرات والمؤثرات العقلية"، وفق ما يقوله سفيان جديات رئيس المؤسسة الجزائرية للوقاية من العنف الاجتماعي (منظمة مجتمع مدني)، وكذلك تؤكده دراسة "استهلاك المخدرات وعلاقتها بتطور الجريمة في المجتمع الجزائري"، التي كشفت أن 74% ممن شملتهم الدراسة أكدوا أن "الإدمان يولد الجريمة"، كما أن 60% أشاروا إلى أن زيادة نسبة الإجرام لها علاقة مباشرة بارتفاع نسبة الإدمان. فيما أكد 80% عدم وجود صعوبة في توفير المخدرات، وبالتالي تزايد المستهلكين لها، وفق جديات.

الصورة
تزايد انتشار المخدرات خلال الأعوام من 2019 حتى 2022
تزايد انتشار المخدرات خلال الأعوام من 2019 حتى 2022 (الديوان الوطني لمكافحة المخدرات)

وعالجت مصالح الديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها، التابع لوزارة العدل الجزائرية، 91269 قضية، بينها 21724 متصلة بالتهريب والاتجار غير المشروع بالمخدرات خلال الفترة من يناير/كانون الثاني حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وتضم أنواع القنب والكوكايين والهيروين وعقاقير المؤثرات العقلية، و69496 قضية متعلقة بحيازة واستهلاك المخدرات، بزيادة عن الفترة نفسها من عام 2021 بما نسبته 65.80%، وفق تقرير أنشطة مكافحة المخدرات والإدمان عليها، الصادر عن الديوان الوطني لمكافحة المخدرات في مطلع عام 2023. 

وجرى إيقاف 100 ألف و6370 مهرباً ومستهلكاً للمخدرات بأنواعها المختلفة، بينهم 265 أجنبياً في الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2022، فيما أُوقف 68405 أشخاص ما بين مهرب ومستهلك للمخدرات في عام 2021، بينهم 220 أجنبياً، حسب المصدر السابق، كما أن "حيازة واستهلاك القنب في الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2022 بلغت 50291 كيلوغراماً، وحيازة واستهلاك الكوكايين 362 ألفاً و896 كيلوغراماً، والهيروين 92910 كيلوغرامات". 

وتؤثر المخدرات على القدرات الذهنية والمعرفية لمرتكب الجريمة، ما يزيد من حدة الغضب أو القلق أو الاندفاع، خصوصاً في حالة استهلاك الكوكايين والهيروين، وبدرجة أقل عند استهلاك المنشطات والمهلوسات، حسبما يقول حمزة لعزازقة، أستاذ علم النفس والجريمة بجامعة محمد لمين دباغين سطيف 2 الحكومية لـ"العربي الجديد". 

21724 قضية تهريب واتجار في المخدرات خلال 11 شهراً من العام الماضي

ويعيش مستهلكو المخدرات حالة سيكولوجية، تقوم على عالم افتراضي خاص بهم، يجعلهم غير متحكمين في أفعالهم عند دخول صراع مع غيرهم، كما تؤدي حاجة المدمن للمخدر، في حال عدم توفره، إلى تحوله للعنف الذي يصل إلى درجة القتل في مقابل تأمينه، بحسب إفادة البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث (غير حكومية)، والذي أضاف لـ"العربي الجديد" يؤدي الأمر إلى وقوع جرائم قتل داخل الوسط العائلي أو على مستوى جماعة الأصدقاء والجيران، خاصة مع قوة مخدر الحشيش الذي يستهلك بكثرة في الجزائر، ليصبح بدرجة متساوية مع باقي المخدرات، لذلك فإن القابلية للعنف والقتل أصبحت أكبر مقارنة بالسابق.

عقوبات غير كافية

تنص المادة 261 من قانون العقوبات الجزائري على أنه "يعاقب بالإعدام من ارتكب جريمة القتل"، ويدخل ضمنها مرتكب جريمة القتل بسبب الإدمان. كما ينص القانون رقم 04 -18 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية على عقوبة تصل إلى سنتين حبساً نافذاً لمستهلك المخدرات، و10 سنوات سجناً نافذاً لمروج المخدرات، وهي العقوبة ذاتها التي تسلط على من ينشئ أو ينخرط في عصابات الأحياء، وفق الأمر رقم 20 -03 المؤرخ في 30 أغسطس/آب 2020 والمتعلق بالوقاية من عصابات الأحياء ومكافحتها.

إيقاف 100 ألف و6370 مهرباً ومستهلكاً للمخدرات بأنواعها المختلفة

لكن الاستهلاك المتزايد للمخدرات، جعل الحكومة تدرس في الرابع من يناير الماضي مشروعاً تمهيدياً يعدل القانون المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، عبر رفع عقوبة السجن إلى 30 عاماً لمروج المخدرات، وهي خطوة يعتبرها القانوني عثامنية "ضرورية"، لأن عدم فعالية التشريعات السارية يعني ضرورة إجراء مراجعة للعقوبات أو الإجراءات لتحقيق الغاية من التجريم القانوني.

الصورة
زراعة القنب في الجزائر
265 أجنبياً تورطوا في تهريب المخدرات خلال عام 2022 (Getty)

لكن اعتماد الحل الأمني والعقابي لمعالجة ظاهرة الإدمان على المخدرات المؤدي إلى جريمة القتل "غير كافٍ بمفرده"، لذلك يجب اعتماد مقاربة تكاملية بانتهاج استراتيجية شاملة لمكافحة استهلاك وترويج المخدرات، تشمل المدرسة والأسرة والمجتمع، ومنها التحلي بثقافة التبليغ عن المجرمين ضعيفة الوجود في الجزائر، رغم تحرك هؤلاء أمام الجميع في كل مكان، إضافة إلى ضرورة مواجهة الظاهرة عبر سبل مختلفة، كما يقول الباحث لعزازقة، موضحاً أنه لا بد من توجيههم إلى مراكز العلاج قبل السجون.

"ومن الصعب تطبيق هذا الحل على جميع المتعاطين، بالنظر إلى أن المراكز المتخصصة في هذا المجال تبقى محدودة، ولا يزيد عددها عن 4 مراكز في ولايات "البليدة، وهران، وباتنة وغرداية"، كما يقول البروفيسور خياطي، مضيفاً أن هذه المراكز غير كافية. 

ولتجاوز هذا الإشكال عملت الجمعية الوطنية لرعاية الشباب على إنشاء مركزين للمساعدة في علاج الإدمان بالعاصمة الجزائر بمنطقتي الحراش وبوشاوي، حسبما يقول الناشط الجواري (يقوم بعمل توعوي في القرى والأحياء) عبد الكريم عبيدات، والذي يؤكد على فتح مركزين آخرين في ولايتي بومرداس وعنابة وسط وشرقي البلاد خلال العام الجاري، قائلاً "نأمل أن تفتح هذه المراكز آفاقاً جديدة لتبادل المجتمع المدني الخبرات مع دول أخرى، بهدف التقليل من الإدمان على المخدرات ومن ثم الجريمة في البلاد".