غش وتحايل للحصول على شهادة الثانوية التركية
24 سبتمبر 2023
+ الخط -

يوثق التحقيق كيف يجري التلاعب بنظام التعليم المفتوح للمرحلة الثانوية في تركيا، إذ يستأجر طلاب من يتقدمون بدلا عنهم إلى الامتحانات التي تجرى عن بعد دون احتياطات كافية لمنع الغش ومن ثم يحصلون على شهادة معترف بها.

- لم يتوقع الطالب السوري محمد السعد المقيم في مدينة أنطاكية بولاية هاتاي التركية، حصوله على شهادة تعليم ثانوي تمكنه من دخول الجامعة، إذ إن مستواه التعليمي كان متدنيا جدا، وحصل على شهادة التعليم الإعدادية من دمشق بشق الأنفس وبمعدل منخفض لم يتجاوز 124 علامة من أصل 280، فاتجه إلى العمل في الحلاقة، واستمر في ذات المجال عندما استقر في تركيا، ومن خلال معارفه سمع عن إمكانية الحصول على شهادة الثانوية العامة عبر نظام التعليم المفتوح.

وبالفعل، صدّق السعد كما طلب تعريفه للموافقة على الحديث حول تجربته، شهادة المرحلة الإعدادية من وزارة التربية التركية بحسب شروطها، وتقدم بطلب لاستكمال دراسته الثانوية ليحصل على الشهادة خلال العام الدراسي الماضي، "رغم عدم إتقانه للغة التركية"، كما قال لـ"العربي الجديد"، موضحا أن غياب الرقابة على الامتحانات التي تُعقد عن بعد (online) منذ عام 2021 سهل من مهمته، إذ لا يتطلب الأمر سوى دفع مبلغ لطالب مجتهد أو مدرس يتقدم إلى الامتحانات عوضا عنه.

بالإضافة إلى السعد يوثق التحقيق 4 حالات لطلاب سوريين حصلوا على شهادة الثانوية العامة عبر نظام التعليم المفتوح بذات الطريقة، "بينما كانت الامتحانات تجرى سابقا في مراكز مراقبة، وباعتماد نماذج مختلفة لأوراق الامتحانات"، كما يقول مدير التربية في مدينة ياهشيهان بولاية كركالي شرق أنقرة، هالوك أوزديمير، والذي يقرّ بصعوبة ضبط الغش عبر النظام الحالي، نتيجة انعدام الإجراءات الرقابية.

ثغرات في ضبط نظام التعليم المفتوح

تهدف وزارة التربية التركية من إقرار نظام التعليم المفتوح إلى إتاحة الفرصة أمام من تخلفوا عن استكمال التعليم العام، وتشترط أن يكون المتقدم أنهى المرحلة المتوسطة، وتسعى إلى توظيف التكنولوجيا لإتاحة استكمال التعليم أمام من لديهم حالة خاصة ويمكثون في المنزل أو في المستشفيات، وفي السجون، وهو نظام معمول به بدءا من العام الدراسي 1992-1993، ويقوم على تطبيق نظام النقاط، ليتخرج الطالب بإكماله نقاط ثمانية فصول دراسية، ويبلغ عدد المواد في العام الدراسي 24 مادة ويحق للطالب تقديم 12 مادة في كل فصل، بحسب المعلومات المنشورة على موقع الوزارة.

ويُسمح للأجانب بالالتحاق بالتعليم المفتوح في تركيا، بشرط أن يكون الطالب قد أتم المرحلة الدراسية الإعدادية بشكل نظامي في بلده، ويتوجب عليهم معادلة شهادة المدرسة الإعدادية في وزارة التربية التركية، وهو ما قام به السعد والسوريون الأربعة الذين وثق معد التحقيق تجاربهم والذين يدخلون ضمن 977 ألف طالب أجنبي يدرسون في تركيا، منهم 790 ألف طالب سوري، بحسب تصريحات وزير التربية والتعليم التركي يوسف تيكين، في لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام، في 15 أغسطس/آب 2023.

تحول الامتحانات للنظام الإلكتروني (online) سهّل الغش والتلاعب

ويبين السعد أن الامتحانات كانت تتم عن بعد عبر رابط يرسل من إدارة التعليم المفتوح، ويمرره بدوره إلى معلم تركي يجيب على الامتحان الواحد مقابل 50 ليرة تركية، وهو مبلغ بسيط كان يساوي أقل من عشرة دولارات أميركية في وقتها (شهدت سعر الليرة مقابل الدولار تغيرات متعددة خلال الأعوام الماضية)، وفي السنة الأخيرة، رفع المعلم السعر إلى 100 ليرة تركية لكل امتحان بسبب هبوط قيمة الليرة.

ويحمّل مدير التربية أوزديمير مسؤولية الفوضى الحاصلة في امتحانات التعليم المفتوح، إلى إجراءات الوزارة السابقة بعد جائحة كورونا معتبرا في حديثه لـ"العربي الجديد" أنها "تراخت في وضع نظام يضبط امتحانات التعليم المفتوح، وخاصة بعد انتشار الفيروس وتحول الامتحانات لتصبح إلكترونية واستمرارها حتى هذا العام"، موضحا أنه ضمن النظام الحالي للامتحانات لا يمكن ضبط حالات الغش، كما لا توجد إجراءات وقائية لمنعه، فالطالب يدخل عبر كلمة سر خاصة به، ويمكنه إعطاء هذه الكلمة لأي شخص لكي يقدم الامتحان بدلا عنه، خاصة أن النظام الإلكتروني المعمول به حاليا لا يطلب أية معلومات متعلقة بالطالب أثناء الامتحان أو صورة له ولهويته، أو كأن يطلب منه فتح الكاميرا، والإجراء الوحيد القائم حاليا هو أن الطالب لا يستطيع الخروج من صفحة الامتحان إلا بعد إنهاء كل الأسئلة، ولهذا لا يمكن بأي حال من الأحوال ضبط عمليات الغش، أما في نظام الامتحانات العادي فإن عقوبة الغش هي رسوب الطالب في الامتحان، وفي حال دخل شخص آخر بديل عن الطالب إلى القاعة، فإنه يحرم من دخول الامتحان لمدة تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام، وهذه العقوبة غير متاح تطبيقها في الامتحانات عن بعد أيضا، بسبب صعوبة اكتشاف قيام أحدهم بحل الامتحان بدلا من الطالب الأصلي، وفق أوزديمير.

وتبين المحامية السورية ميسون محمد، التي تعمل في مكتب يشار للمحاماة بإسطنبول، أن الغش وانتحال الشخصية في الامتحانات يُعدّان من المخالفات التربوية التي تخضع للقوانين واللوائح الصادرة عن وزارة التربية والتعليم التركية، والتي تهدف إلى ضمان جودة ومصداقية التعليم في البلاد، ولا تخضع لقوانين وزارة العدل، موضحة أنه وفقاً لهذه القوانين، فإن المؤسسات التعليمية مسؤولة عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع حدوث هذه المخالفات، وفرض العقوبات المناسبة على المخالفين، وتشمل هذه العقوبات إلغاء نتائج الامتحان، وإسقاط المادة، وإيقاف التسجيل، وطرد الطالب من المؤسسة، وهو ما يؤكده أوزديمير، بقوله إن حالات الغش في الامتحانات تخضع للوائح تنفيذية خاصة بوزارة التربية، وبحسب تلك اللوائح، فإن الأشخاص الذين يدخلون امتحاناً بدلاً من الطلبة، تصل عقوبتهم إلى الحبس من عام وحتى أربعة أعوام.

الهجرة إلى التعليم المفتوح

يشهد نظام التعليم المفتوح إقبالا متزايدا مقارنة بالتعليم الثانوي النظامي، إذ بلغ عدد الطلاب النشطين الملتحقين به 797.921 طالبا، منهم 5464 طالبا من ذوي الاحتياجات الخاصة، و71.186 طالبا سجلوا حديثا، و13.333 طالبا من السجناء، بالإضافة إلى 683 طالبا من خارج البلاد، بحسب إحصائية نشرتها الوزارة على موقعها عام 2017. 

وفي عام 2018، كان عددهم 175 ألف طالب في التعليم المفتوح، أي ما نسبته 7.74 % من الملتحقين في باقي فروع التعليم الثانوي، وسجل العدد ارتفاعا عام 2019، ليصل 202.475 طالبا، وفي عام 2020 بلغ العدد 206.882 طالبا، وارتفع إلى 333.190 طالبا عام 2021، ليقفز إلى 715.683 طالبا عام 2022، أي ما نسبته 22.07% من باقي فروع التعليم الثانوي بينما كانت نسبة الطلاب المتقدمين لامتحان الثانوية العامة من خلال ثانويات التعليم العام 31.02% من إجمالي المتقدمين، بحسب دراسة بعنوان "الهجرة إلى التعليم المفتوح"، أعدها مركز أبحاث سياسات التعليم التركي، والذي رصد نظام التعليم المفتوح المطبق في البلاد على مدار 4 سنوات منذ عام 2018 وحتى 2022.

وتعزو الدراسة السابقة الإقبال المتزايد على التعليم المفتوح بخاصة مع انقطاع التعليم الرسمي بسبب جائحة كورونا، إلى أن طبيعة الامتحانات المطبقة ضمن النظام في السنوات الأخيرة أكثر جاذبية من حيث الطريقة، مع عبء دراسي أقل، كما أن الطلاب المهتمين بالاستعداد للجامعة يمكنهم الحصول على مزيد من الوقت للتحضير لها، وأن الحصول على شهادة الدراسة الثانوية ينظر إليه على أنه إكمال فقط لإجراءات التحويل إلى الجامعة، ما زاد من الهجرة من التعليم الرسمي إلى المفتوح وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى شغور الفروع في الصفين الحادي عشر والثاني عشر، وما يترتب على ذلك من عواقب محتملة مثل الاستغناء عن معلمين أعدادهم فائضة، بحسب نتائج الدراسة.

خطورة الظاهرة

تواصل "العربي الجديد" مع ثلاثة أشخاص باتوا يمتهنون التقدم إلى الامتحانات بدلا من الطلبة، أحدهم مدرس فيزياء تركي، وهو من الأساتذة المعتمدين لدى السعد منذ التحاقه بالتعليم الثانوي المفتوح، إذ كان يدخل الامتحانات بدلا منه، ولدى الاستفسار منه عن المقابل المادي الذي يريده، أجاب بأن "السعر أمر سابق لأوانه، إذ يحدد في بداية كل فصل أو مع قرب الامتحان، مع إشارته إلى أن المبلغ لن يقل عن 300 ليرة تركية (11 دولارا) للامتحان".

الصورة
محادثة لتركيا
محادثة مع مدرس يمتهن تقديم الامتحانات عن طلاب الثانوية مقابل 300 ليرة تركية (العربي الجديد)

و"منذ بدأ نظام الامتحانات عن بعد يعتمد عليه الطالب السوري المقيم في إسطنبول تميم زهير (اسم مستعار لأنه يقوم بعمل غير قانوني)، والذي يدرس في كلية الهندسة، لتأمين جزء من نفقاته كما يقول في حديثه لـ"العربي الجديد"، واصفا عمله بمساعدة الطلاب في اجتياز امتحاناتهم مقابل مبلغ رمزي، إذ يحلّ الامتحانات في المواد التي يعتبر نفسه متمكنا فيها مثل المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء، وبعض المواد الأخرى مثل الجغرافيا والتاريخ، أما المواد الأدبية التركية فيعتذر عنها"، مبينا أنه يتقاضى أجورا لا تزيد عن 200 ليرة تركية مقابل المادة الواحدة (8 دولارات).

الصورة
شهادة
شهادة الثانوية العامة لسوري أتمّ الامتحانات عبر الاستعانة بآخرين (العربي الجديد)

ويمكن للطالب الملتحق بالتعليم المفتوح الاستعانة بأحد أفراد أسرته أو أصدقائه أيضا كما فعل السوري مصطفى العلي (اسم مستعار لقيامه بفعل مخالف للقانون) المقيم في إسطنبول بموجب بطاقة حماية مؤقتة، إذ انقطع عن التعليم بعد الصف العاشر بسبب اللجوء، وقرر أن يحصل على شهادة الثانوية العامة عبر نظام التعليم المفتوح، فقام بمعادلة شهادته للصف العاشر ثم أنهى الصفين الحادي عشر والثاني عشر خلال عام واحد بمساعدة شقيقته وصديقه التركي الذي قدم عنه امتحانات باللغة التركية التي لا يتقنها العلي، ما مكنه من اجتياز كل الاختبارات والحصول على شهادة ثانوية من التعليم المفتوح بمعدل 75%، عقب ذلك، تمكن من التسجيل في جامعة خاصة بقسم اللغة الإنكليزية.

يمتهن مدرسون وطلاب الإجابة عن امتحانات نظام التعليم المفتوح

هذه الحالة تخلق مشكلة حصول طلاب غير أكفاء على شهادات ثانوية معترف بها من وزارة التربية التركية، ولوضع حد لهذا، تتجه الوزارة إلى تصعيب شروط الانتقال من التعليم النظامي إلى المفتوح، وإعادة الامتحانات الخاصة بالتعليم المفتوح لما كانت عليه قبل كورونا، بحسب تصريحات الوزير تيكين في لقائه مع ممثلي وسائل الإعلام، وهو ما يؤكده أوزديمير لـ"العربي الجديد" بأن هناك نظاما جديدا للتعليم المفتوح سيدخل حيز التنفيذ مع بداية العام الدراسي الجديد 2023 /2024، وبموجبه سيدخل الطالب إلى قاعة امتحان معدة مسبقا ويتم مشاهدته من قبل المراقبين، مع وجود عناصر من الشرطة، "وضمن الآلية الجديدة نستطيع القول إنه لا وجود لإمكانية لأن يغش أي طالب".