"تصريح" لسهيل بيرقي: فيلمٌ لحقوق الإنسان

21 ديسمبر 2018
من "تصريح" لسهيل بيرقي (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
"عرق بارد" (عرق سرد) فيلم ثانٍ للإيراني سهيل بيرقي (1986) بعد "أنا" (2016)، الذي مثّلت فيه ليلى حاتمي. عند عرضه في صالاتهم، اختار الفرنسيون له عنوانًا أكثر إثارة، وربما أكثر تعبيرًا عن محتواه: "تصريح"، أي تلك الورقة التي يجب على الزوجة تقديمها عند مغادرتها البلد لإثبات موافقة الزوج على "فعلتها" هذه. 
الزوجة، وهي هنا رياضية إيرانية ورئيسة المنتخب الوطني لكرة القدم (الذي تجري مبارياته في صالاتٍ مغلقة فقط)، فوجئ مع فريقها في المطار بأنها ممنوعة من المغادرة بأمر من زوجها. ورغم محاولات جهات رياضية مسؤولة، وسعي المعنية بالأمر إلى حلّ المشكلة لاحقًا، فالمنع سارٍ، لأسباب عديدة.

الموضوع اجتماعي يندر تداوله في السينما الإيرانية، لا سيما أنه يُعَالَج هنا من وجهة نظر نسائية، والمعالجة لا تقتصر على قرار منع مغادرة امرأة معيّنة، بل تشتمل على أبعاد أخرى، تنطبق على نساء كثيرات. السيناريو مستوحى من قصّة الرياضية نيلوفار أردلان، الحائزة على لقب أفضل لاعبة في إيران، التي لا يُسمَح لها، بسبب رفض زوجها، بتجديد جواز سفرها، كي تُسافر إلى ماليزيا للمشاركة في بطولة آسيا لكرة القدم عام 2005. لكن المحكمة تسمح لها بالمغادرة بعد شهرين رغم منع الزوج، حتى أن قانونًا أُقِرّ في البرلمان الإيراني لاحقًا، سمح للّواتي تمارسن الرياضة بالمغادرة من دون موافقة الشريك.

ربما لهذا سعى الفيلم إلى الخروج من هذه القضية محدودة التأثير إلى ما هو أشمل وأعمّ، فلم يركِّز على معاناة أفروز (باران كوثري، ابنة المخرجة رخشان بني اعتماد) فقط، بل على النتائج الاجتماعية والنفسية لقضية كهذه على صاحبتها، وعلى تأثير المجتمع ونظرته إلى شخصية متمرِّدة كبطلة الفيلم، وعلى صعوبة الطلاق حين تطلبه المرأة. هذه المواضيع كلّها مترابطة على نحو متين، ومع هذا يبدو الفيلم مُسطّحًا. فالمشكلة تكمن في أن مناقشة قضية اجتماعية، سينمائيا، لا تعني دراسة اجتماعية لحالة ـ نموذج، هي هنا منع المرأة من السفر من دون موافقة الزوج، وصعوبة حصولها على الطلاق. الفيلم مرتكز، ببنائه، على شخصيات حيّة، بتعقيداتها وعمقها، وهي توصل أحاسيسها عبر مشاركتها وتلمّس العلاقات التي تربط بينها.

هذا ليس حال "عرق بارد"، المكتفي برصد مظاهر الشخصيات وسلوكها الخارجي. فهو لم يعالج أمورًا ولم ينطلق منها ويتعامل معها كأنها أشياء مفروغ منها، أو كأنها بديهيات، من دون التعمّق فيها. كأن سؤالاً يُطرح فتتمّ الإجابة عليه ببساطة مسطّحة. امرأة تتعرّض للمنع، فماذا تفعل، وكيف تتصرّف؟ مرور سريع على دوافع الزوج الأناني (أمير جديدي)، كغيرته من نجاح زوجته، وهو لا يريد لنجاحٍ كهذا أن يغطّي عليه كنجم تلفزيوني، يقدِّم برامج تعتمد التواصل مع المشاهدين. هناك مرورٌ أسرع على دوافع أفروز إلى كرهه، وعلى رغبتها في الانفصال عنه. هناك إهمال شبه تام لنوع العلاقة التي تربط أفروز بفريقها، وبصديقتها الحميمة المخلصة.

هذا كلّه على عكس ما أظهره الفيلم بالنسبة إلى المسؤولة في "الاتحاد الرياضي"، إذْ رَسَم شخصيتها كإنسانة متشدّدة تكره أفروز، ويسعدها الوقوف ضدها لمجرّد أنها متمرّدة "لا تسمع الكلام"، والتمرّد متمثّل في وشم على ذراعها، وفي نشر صُوَرها مع فريقها على وسائل التواصل الاجتماعي، والأهم أنها حافظت على سرّية حياتها الشخصية، ولم تخبر أحدًا عن وضعها الخاص مع زوجها.

هذا واضحٌ بإشارات بسيطة كافية. الشخصية لا تبدو "من لحم ودم" بل كنموذجٍ نمطي، ودوافعها مع الجميع غير مفهومة، حتى أنها تبدو أنانية لا تهتم إلا بفكّ الحظر عنها، ولو اضطرّها هذا تمضية ليلة حميمية مع الزوج. طبعًا، أوحى الفيلم فقط بما جرى، لا سيما في اليوم التالي عندما كانت أفروز تنظّف أسنانها وفمها بطريقة هستيرية، وهذا مشهد مفاجئ في فيلم إيراني. بالإضافة إلى أنّ الوقت كان لمصلحة المخرج سهيل بيرقي، لكنّه فضّل استغلاله في تقديم مشاهد لعب الكرة، وفي حوارات عادية، وفي مطاردة سيارات بين أفروز وزوجها في ليل طهران، وهي مطاردة بدت كأنها مأخوذة من فيلم إثارة ورعب، والإثارة ربما تتوافق مع الإيقاع السريع لفيلمٍ من هذا النوع، لا لفيلمٍ اجتماعي يناقش قضية مهمّة، بل مصيرية، للمرأة.

يُذكر أن "تصريح" معروضٌ للمرة الأولى في الدورة الـ36 (1 ـ 11 فبراير/ شباط 2018) لـ"مهرجان فجر السينمائي"، ونال أمير جديدي "جائزة العنقاء البلورية" لأفضل ممثل عن دوره فيه. كما حصل على "إجازة عرض" (تجاري) فورًا، وهذا لا يحصل دائمًا في إيران، فبدأت عروضه التجارية في نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت، وعرف نجاحًا جماهيريًا. هذا يُشير إلى أن أفلامًا كتلك تُعرض في إيران، وسبب ذلك يُدركه مشاهدوه في الصالات الفرنسية حاليًا (بدءًا من 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018): هذا فيلم ملائم لحقوق الإنسان.
المساهمون