إسقاطات "باب الحارة" على الواقع السوري

18 مايو 2019
كانت حكايات وقصص الأجزاء الأولى ممتعة (فيسبوك)
+ الخط -
عاد "باب الحارة" ليشارك في الموسم الرمضاني هذه السنة، بعد أن توقف العام الماضي بسبب الخلافات بين فريق العمل وشركة الإنتاج. ورغم أن هوية العمل وركائزه الرئيسية قد تلاشت تقريباً في الموسم الجديد، بسبب تخلي مجموعة "إم بي سي" عن المسلسل، إلا أن ذلك لم يشكل عائقاً أمام "باب الحارة" كعلامة تجارية. إذْ تمكن من تسجيل نفسه على قائمة البرامج في 9 محطات في رمضان. وهذا الانتشار الكبير أعاد اسم "باب الحارة" للتداول، بوصفه العمل الأكثر إشكالية، كما كان في الأعوام الأخيرة، نظراً لشعبيته الكبيرة في سورية والعالم العربي، ولكونه المسلسل الأكثر عرضة للانتقادات خلال العقد الأخير. ولكن الانتقادات هذه السنة ارتفع سقفها، بعد أن تخلى المسلسل عن هويته. وازدادت حدّتها بعد أن تخلى العمل عن نجومه المتمردين على الإنتاج عن طريق قتل شخصياتهم بقصف عشوائي.

التغييرات الجديدة التي طرأت على "باب الحارة" لا يمكن وصفها سوى بأنها ثورية، غيّرت بنية المسلسل ككل. ولا يقتصر ذلك على ثورة المنتج ضد نجومه المتمردين وإقصائهم من العمل، كما لا يقتصر على تغيير أغنية الشارة التي تعتبر أحد أهم ملامح المسلسل وأكثرها اتساقاً. بل إن الأمر يتعدى ذلك ليشمل بنية العمل وشكله؛ فالجزء الجديد من "باب الحارة" دخلت فيه ملامح حداثوية مفاجئة قضت على ما يتمتع به المسلسل من بساطة وجمالية وسذاجة.

ويتجلى ذلك في المشهد الأول، حين تقتحم سماء الحارة طائرة من طراز "سي-130 هرقل". وبغض النظر عن الأخطاء التي تتعلق بالمعلومات التاريخية حول الزمن الذي تقع فيه الأحداث، والزمن الذي بدأت فيه أميركا بتصنيع هذا الطراز من الطائرات، إلا أن هذه الملامح الحداثوية أنهت كل ما تبقى للمسلسل من جمالية، والتي اقتصرت في الأعوام الأخيرة على الفضاء العام الذي يجمع شخصيات ذات قيم تعيش في مكان أشبه بعالم "المثل" الذي تم تركيبه من خلال تصورات نوستالجية عن الماضي.



وفي الحديث عن جمالية "باب الحارة" وجدليته المستمرة مع النقد، يمكن الإشارة هنا إلى أن الانتقادات التي طاولت المسلسل كانت تزداد كلما حاول صناعه تأطيره في سياق تاريخي. فما يحدث من قصص وحكايات ما بين الشخصيات كان ممتعاً، ولاسيما في الأجزاء الأولى، التي جمعت "أبو شهاب" و"أبو عصام" و"الإدعشري". ولكن أي محاولة لوضع هذه الحكايات ضمن مسار تاريخي واقعي ستفضح اللامنطق فيها، وتجعلها أشبه بحكاية مشوهة عن التاريخ؛ وهو الأمر الذي يستمر في الجزء الجديد الذي يبدو دخول الطائرة فيه أشبه بمهزلة، تتوج السقطات التاريخية للمسلسل، ليصيغ الحدث الجديد حكاية تمزج التاريخي بالافتراضي؛ ولا تقتصر المشكلة على دخول الطائرة إلى عالم لم يعرف الحداثة أبداً، وقبل أن تدخل الحارة أجهزةُ الاتصال من برقيات وهواتف أو حتى السيارات.

المشكلة الكبرى في الجزء الجديد أن شخصياته ولدت نتيجة لهذا المزيج غير المتجانس ما بين الافتراضي والتاريخي، فبدت تائهة وضعيفة وأشبه بمحاكاة تسخر من نفسها، فهي لا تملك جذوراً قوية ضمن الفضاء المثالي المتخيل، ولا تحمل أيضاً قيمة تاريخية حقيقية ترفع من شأنها.

ولا يكتفي صناع "باب الحارة" بهذه التشوهات، بل يزيدون الطين بلة، من خلال الإسقاطات التي بدأوا يصوغونها عن الواقع الجديد. فمشهد القصف الأول الذي يحيلنا إلى الواقع السوري اليوم، امتد أثره في الحلقات التالية لتندرج فيه مصطلحات النازحين والمتضررين بالحرب. وليحمل المسلسل الذي ينتجه محمد قبنض (عضو في مجلس الشعب السوري) سردية جديدة من سرديات النظام حول ما يحدث، ويستثمر اسم المسلسل وشعبيته لاستعراض المأساة السورية من وجهة نظر نظام الأسد، من دون أن يفكر صناع العمل في السؤال عمن يملك السماء في دمشق، وهو بشار الأسد وإسرائيل وروسيا وأميركا والتحالف الدولي، وكلها قوى استعماريّة لا تمثل إرادة الشعب، بل مجرد أدوات هيمنة تتالت على تاريخ سورية المعاصر.
المساهمون