"قريب من هون"... اشتغالٌ على فكرة الحرب

16 ديسمبر 2017
جوليا قصار أثناء عرض المسرحيَّة (العربي الجديد)
+ الخط -
بعد افتتاح بينالي الشارقة بـ"قريب من هون" في آذار/ مارس المنصرم، يعود المخرج روي ديب، والممثلة جوليا قصار برفقة لينا سحاب وساندي شمعون إلى "مسرح المدينة"، في يومي 16 و17 ديسمبر/ كانون الأوّل الحالي، ليقدموا على الخشبة بعضاً مما عايشته، وما زالت تعايشه مدننا، في هذه البقعة من الأرض. يقول روي إن عرضه هذا تراجيدي بالمعنى الإغريقي للكلمة، وتثني جوليا على كلامه. "العربي الجديد" أجرت حوارًا مع روي ديب وجوليا قصّار حول العرض.

قاتل في جنازة القتيل
عن فكرة العرض وحكايته يقول روي ديب لـ "العربي الجديد": "تتناول المسرحية فكرة طرح مدينة خيالية غير محددة مكانياً وزمانياً. تقول الحكاية إن هذه المدينة عاشت آلاف السنين من الحروب. نادراً ما اختبرت السلام. عملياً، أهل هذه المدينة يشاركون طوال الوقت في الحروب، ومعظم من يشارك لا يعود من هذه الحرب نتيجة الوفاة أو الخطف. بالتالي، يُحرَم أهل هذه المدينة من دفن أقاربهم. من الناحية النفسية. غالباً ما تتطلب طقوس العزاء مرحلة دفن جسد المتوفى، لكي يتمكنوا من إكمال حياتهم. ابتكر أهل هذه المدينة تقليداً خاصاً بهم، قبل أن يذهب أي محارب إلى الحرب، إذْ يقيم أهله طقوس العزاء الخاص به بحضوره. يقوم المحارب بتمثيل وفاته في حين يقوم أهله بتقبل التعازي. هذا كفيل بالسماح لهم بعيش جزء من طقوس العزاء على أمل أن يتمكنوا من طي الصفحة واستكمال حياتهم. يتحدث العرض عن حالة محددة، وهي حالة أم يوسف. لم يبق أحدٌ موجود في هذه المدينة سوى أم يوسف وابنها. إثر قرار هذا الأخير الذهاب إلى الحرب، تقرر والدته إقامة واجب العزاء. المسرحية تتابع النهار التحضيري لعزاء أم يوسف. لكن المشكلة تكمن في أن العزاء لا يكتمل إلا بوجود معزين. الشخص الوحيد المتبقي في هذه المدينة هو القناص الذي قتل ابنتها منذ ست سنوات. أم يوسف محكومة أن تدعو القناص إلى عزاء ابنها".

ليست الحرب بل من يخوضوها
أمّا عن سبب العمل على تيمة الحرب، يقول روي: "قام أهل حلب بتخييط ستائر شرفاتهم ببعضها البعض لحماية عائلاتهم من القنص.  غطت الستائر مباني المدينة بأكملها كان لهذه الحكاية أثرٌ كبيرٌ علي. وجدتها عنيفة جداً دون أن تكون كذلك بالمعنى المباشر. هذا المشهد أدى إلى فكرة العرض. أردتُ أن أعمل على تيمة الحرب دون أن أتطرق إليها بشكل مباشر. كذلك، أردت التركيز على فكرة من ينتظرون أولئك الذين يذهبون الى الحرب، وليس الحرب بحد ذاتها".

ما قاله له وجدته على الورق
العمل الأخير المسرحي لجوليا قصار كان عام 2013. وعن سبب ابتعادها عن المسرح، والعودة الآن، من خلال عمل "قريب من هون"، تقول قصّار: "انشغلت كثيراً بالسينما وأحببت هذا الانشغال. في الواقع، عندما اتصل بي روي، توقعت أن يحدثني عن مشروع سينمائي. وحين عرفت أن المشروع هو عمل مسرحي، تفاجأت. قال لي سوف أطرح الفكرة، وإن أعجبتك سأقوم بكتابة النص. بعد طرحه للفكرة، تحمَّسْت كثيراً. الحكاية مثيرة، مُجرّد فكرة القناص، والأم التي تنظِّم عزاءً لابنها قبل موته. تمت كتابة النص في وقت قصير جداً، ورغم ذلك، كل الأفكار التي حدثني عنها روي وجدتها في النص النهائي، كما لو أنه استغرق في دراسة كل شيء، قبل أن يباشر بعملية الكتابة، وهذا نادراً ما يحصل، أي أن ترى كل ما تخيله الكاتب كما هو على الورق". تم تقديم هذا العرض في افتتاح بينالي الشارقة. عن تفاعل جمهور البينالي مع العرض تضيف قصار: "فرحت كثيراً أن البينال بدأ يهتم بالمسرح بعيداً عن فكرة الـ"performance”. الآراء كانت جيدة. ضم البينال فنوناً متنوعة تتعلق بالفن التشكيلي وغيره كما كان هناك فنانون من كل أنحاء العالم، والجمهور ليس جمهور مسرح بالمعنى التقليدي". وأضاف روي أيضاً: "جمهور البينال هو جمهور الفنون المعاصرة. من هنا أتى قرار كريستين طعمة كقيّمة فنية للبينال أن يتّم تقديم العرض يوم الافتتاح. أرادت القول إن المسرح ما زال جزءاً من الفن المعاصر وليس فقط محصوراً بالـ"performance".

أكتشف نفسي مع الشباب
جوليا قصار تعمل بشكل شبه دائم مع الشباب، تقول في ذلك: "سوف أقول العكس تماماً. هم الذين يفكرون بي كممثلة وهذا يفرحني. عندما تشعرين أنك مصدر إلهام لدى الشباب في مرحلة خلق عملهم الفني، عندما يقررون مسبقاً أن جوليا ستقوم بلعب هذا الدور، هذا الأمر يحفزني كثيراً خاصةً عندما تكون نوعية العمل جيدة وفيها نفحة شبابية تقدّم رؤية جديدة. عندما يفكر روي بي لدور أم يوسف، فهو يراني على طريقته هو، ويريدني أن أذهب حيث هو يريد. هذا الأمر يتطلب مني أن أفتّش أكثر، وأن أقوم بجهد إضافي". أمَّا عن رأيها بالمخرجين بالشباب، فتختتم جوليا قصّار: "البعض يقول إنني أقوم بمخاطرة. أنا لا أخاطر حين أعمل مع الشباب. على العكس هم يضيفون تجربة مغايرة إلى عملي ويقدمون لي فرصة أن أكتشف لغة مسرحية جديدة. ثمَّة تواصل مختلف، وبالنسبة لي، هذا التواصل مع الأجيال الجديدة يتكامل مع تجربة الأجيال السابقة من أساتذتي المخرجين".


دلالات
المساهمون