لوك ديسخيمايكر: دونالد ترامب في مكانه الصحيح

09 يونيو 2020
يُستعاد الرسم هذه الأيام مع غليان الشارع الأميركي (Getty)
+ الخط -
في الأيام القليلة الماضية، اجتاح رسم كاريكاتوري مناهض للرئيس الأميركي دونالد ترامب تغريدات تويتر، باعتباره غلافاً جديداً لمجلة التايم الأميركية. يصوّر الرسم، الذي جاء غاية في البساطة والقوة، وجه الزعيم النازي هتلر بتسريحة شعره الشهيرة، ولكن بدلاً من شاربه المعتاد، نرى ظلاً لوجه دونالد ترامب، لتظنّ الملايين حول العالم أن المجلّة قرّرت الوقوف في وجه الرئيس الأميركي، خاصة أن الغلاف/ الكاريكاتور نشر يومي 17 و19 من مايو/ أيار الجاري، لكن انتشاره السريع على تويتر، ولاحقاً على جميع منصّات السوشال ميديا، لم يأت إلا بعد أن شاهد الملايين حول العالم مقتل الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد يوم 25 مايو في مينيابوليس التابعة لولاية مينيسوتا، على يد ديريك تشوفين، أحد رجال الشرطة البيض هناك. مات جورج فلويد على مسمع ومرأى من العالم وهو يردّد عبارة "لا أستطيع التنفس"، لتنفجر المظاهرات في أرجاء الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الأوروبية، رافضة العنصرية التي يعاني منها السود في بلاد العم سام حتى يومنا هذا.
لكن الحقيقة التي كشفت عنها الصحف البلجيكية الأربعاء الماضي، هي أن الكاريكاتور لا علاقة له بالمجلة الأميركية الشهيرة، وإنما هو من صنع رسام الكاريكاتور الفلمنكي لوك ديسخيمايكر (64 عاماً)، الذي يوقّع رسومه في الصحافة البلجيكية والعالمية منذ سنوات باسم O-Sekoer، ويكشف لصحيفة "ده ستاندارد" البلجيكية أن الرسم ليس جديداً، بل يعود إلى أوائل مارس/ آذار 2016، عندما كان دونالد ترامب لا يزال ينافس على الانتخابات الأميركية.

حمل الرسم في صورته الأحدث شعار مجلة التايم وكأنّه أحد أغلفتها، فيما ذيّله الرسام بجملة واحدة كتبت بالأسود تقول: "العنصرية، الفيروس الأكبر". كل ذلك باللونين الأسود والأبيض، في تناقض حاد مع اللون الأحمر المشرق لاسم مجلة التايم الذي يعلو الصورة. يوضّح رسام الكاريكاتور البلجيكي لوك ديسخيمايكر للصحيفة قائلاً: "أعدت نشر الكاريكاتور على صفحتي في فيسبوك صباح 17 مايو، ثم أعدت نشره ليلة 19 مايو على تويتر، وقتها كتبت كلمة واحدة تعليقاً على الرسم وهي "سوريالية"، في إشارة إلى أن ما يحدث في العالم اليوم هو سوريالية تفوق أن نجد هذا الرسم في يوم ما على غلاف التايم الأميركية، لأُفاجأ بانتشار الرسم على مواقع السوشيال ميديا ليحتل المنصّات جميعها خلال دقائق، كأنّ الرسم القديم استمد المزيد من القوة، خاصة على خلفية مقتل جورج فلويد المأساوي قبل أيام أمام العالم أجمع".
يصرح الرسام البلجيكي للصحيفة بأنه رسم الكاريكاتور في مارس 2016، بمناسبة ترشّح ترامب لانتخابات الرئاسة الأميركية. يضيف قائلاً: "كان السبب هو الوعود الانتخابية المجنونة التي كان ترامب يتاجر بها آنذاك، ومن أهمّها وعده ببناء جدار عازل على الحدود الأميركية المكسيكية، حينها طلب مني فنان مكسيكي المشاركة في معرض للرسوم الكاريكاتورية سيقام في مكسيكو سيتي في يونيو/ حزيران 2016، فرسمت هذا الكاريكاتور الذي انتقاه المنظّمون ليكون غلاف الكتاب التذكاري للمعرض. وبالفعل، صدر الكتاب حاملاً الرسم ذاته كغلاف. وقتها، أثار العمل الكثير من النقاشات، واعتبر البعض أنه سيكون أحد الرسوم التي لن تنسى في تاريخ الكاريكاتور السياسي المناهض لترامب".
أعاد ديسخيمايكر نشر الرسم القديم من جديد إذن، لكنّه أضاف عليه شيئين جديدين، وهما اسم مجلة تايم بحروفه الحمراء الفاقعة، وشعار: "العنصرية، الفيروس الأكبر" المكتوب بحروف سوداء على خلفية بيضاء. ومع خبر مقتل جورج فلويد الذي انتشر على وسائل الإعلام يوم 25 مايو، أعاد أحد الأشخاص مشاركة الرسم على حسابه على تويتر، ليحصد الكاريكاتور اهتماماً كبيراً من المتابعين، ظناً منهم أنه غلاف التايم الجديد بعد مقتل فلويد، لتتمّ مشاركة الكاريكاتور أكثر من 40 ألف مرّة، وليكتب عنه في أكثر من 50 منبراً إعلامياً عالمياً.


المدهش أنه رغم إشارة العديد من وسائل الإعلام الأميركية، إلا أن الغلاف ليس لمجلة التايم الأميركية، وحذف فيسبوك الكاريكاتور مع بيان أنه "أخبار زائفة". لكن هذا لم يمنع الملايين من الاحتفاء بالرسم الكاريكاتوري لأنّه أصاب الحقيقة من دون كثير كلام، وهو ما يفسّره رسام الكاريكاتور البلجيكي قائلاً: "رسم مواطني رينيه ماغريت غليوناً وكتب تحته "هذا ليس غليوناً"، وكان يعني ما يقوله، فما رسمه لم يكن غليوناً بل لوحة، ما فعله هذا الرسم لدى الناس هو أنه وضع أياديهم على حقيقة العنصرية، التي هي أشد فتكاً بنا من كورونا، لذلك حين كتبت كلمة "سوريالية" تعليقاً على الرسم، كنت أقصد الحقيقة السوريالية التي تحياها الولايات المتحدة اليوم، وبالتالي العالم كله، تحت حكم ترامب".
كذلك يعلن الرسام الفلمنكي الذي تقاعد قبل عدة سنوات من عمله أستاذاً للفنون الجميلة، والذي قدم عدداً كبيراً من كاريكاتورات ضد الرئيس الأميركي، أنه استوحى كاريكاتور هتلر/ ترامب من غلاف رواية الكاتب الألماني "تمور فيرمس" والتي صدرت عام 2014 في فرنسا تحت عنوان "لقد عاد" أو "Il est de retour"، والتي تحوّلت في ما بعد إلى فيلم سينمائي بعنوان "Er ist wieder da"، في كوميديا ​​ساخرة تتخيّل ماذا سيحدث لو عاد هتلر إلى الحياة في 2011، بعد أكثر من 70 عاماً من انتهاء الحرب العالمية الثانية التي أشعلها بجنونه.


ليست هذه هي المرّة الأولى التي يبرز فيها اسم لوك ديسخيمايكر عالمياً بسبب رسومه الكاريكاتورية اللاذعة، فالفنان الذي حصل على العديد من الجوائز الدولية، أثار غضب الكيان الصهيوني في أغسطس 2016 أيضاً، حين حصل على جائزة كبرى في المسابقة الدولية الثانية للكاريكاتور في إيران حول الهولوكوست، والتي أطلقتها إيران عام 2006 رداً على رسوم الكاريكاتور الساخرة من النبي محمد والتي نشرتها إحدى الصحف الدنماركية آنذاك. ما تسبب في حملة قوية ضد الرسام البلجيكي في الصحافة الإسرائيلية باعتباره معادياً للسامية، وكان الكاريكاتور الذي أثار غضب إسرائيل يتناول أيضاً قضية جدار الفصل العنصري الذي يبلغ طوله 700 كيلومتر، فرسم ديسخيمايكر هذا الجدار الإسرائيلي وفوقه راية ترفرف وهي تحمل شعار "Arbeit Macht Frei" أو "العمل سيحرّرك"، وهي الكلمات ذاتها التي كانت ترفرف فوق معسكر الإبادة الجماعية في أوشفيتز، حيث قتل النظام النازي أكثر من مليون يهودي وأقليّات أخرى خلال الحرب العالمية الثانية.
المساهمون