"بيبي درايفر"... مغامرة لاهثة وسيناريو متواضع

30 يوليو 2017
المخرج إدغار رايت (Getty)
+ الخط -
يُعتبَر المخرج الإنكليزي، إدغار رايت، من أهم المواهب السينمائية التي ظهرت في العالم خلال العقدين الأخيرين. قدّم رايت 4 أفلام سابقة، منذ عام 2004، كل منها حمل بصمة ورؤية مختلفة للسينما. الأفلامُ خفيفةٌ جداً في ظاهرها، كوميدية على الأغلب، ولكنّ، قيمتها الحقيقية تكمن في استخدامها البارع والمبتكر لعناصر "فن" السينما، ليقدم شيئاً "لم تره من قبل"، وتكون النتيجةُ، متعةً استثنائية في المشاهدة. 

طزاجة سينمائيَّة
ربَّما تكون ذروة ما وصل إليه في هذا الجانب هو فيلم Scott Pilgrim vs. the World (إنتاج 2010)، والذي قدّمه بطريقةٍ هي أقرب لألعاب "الفيديو جيم". وفي فيلمه الخامس والجديد Baby Driver، والذي يعرض حالياً في دور السينما، ويحقّق نجاحاً كبيراً، على المستويين التجاري والنقدي، يستمرُّ رايت في حالة الإبهار، والاستخدام المختلف لعناصر الفن السينمائي (مثل المونتاج والصوت). يقدم رايت حكاية، في ظاهرها تشعر أنك شاهدتها عشرات المرات، ولكن مع الكثير من الطزاجة التي تملأ كل دقيقة من عرضه.

موهبة في خدمة السرقة
قصة الفيلم تدور حول "بابي"، المراهق المصاب بطنين في أذنه بسبب حادثة سيارة في طفولته مات على إثرها والده ووالدته. ونتيجة لذلك، فنسخته الحالية مميزة بشيئين: الأول، أنه يضع سماعة لسماع الموسيقى طوال الوقت ليغالب الطنين، والثاني، أنه بارع جداً في قيادة السيارات، وقد يكون الأفضل في العالم. تلك الموهبة تدفع لاستغلاله في عمليات سرقة يديرها "دوك" (الممثل الكبير)، إذ يجبره على أن ينتظر منفذي كل عملية سرقة من أجل نقلهم والهروب من مطاردة الشرطة، استغلالاً لموهبته في القيادة. وتسير الأمور بخير لبعض الوقت إلى أن يقع "بابي" في حب الفتاة "ديبرا" (النادلة في مطعم)، بالتزامن مع قرار "دوك" القيام بعملية كبرى أخيرة.

سيناريو ضعيف وإخراج مميز
من ناحية الكتابة، قد يكون هذا هو أضعف أفلام إدغار رايت، فكل محاور سيناريو الفيلم (الذي كتبه بنفسه أيضاً) تكون متوقعة، ولا مفاجأة في المسارات التي تأخذها الأحداث. الطريقة التي يقدم بها ماضي الشخصية تكون بأكثر الأشكال مباشرة، وبعض التحولات الكبرى التي تجري (مثل تحول شخصية "دوك" قرب الختام مثلاً) تكون غريبة وسريعة جداً. حتى النقط الأساسية التي تتحرك من خلالها القصة هي مُجرد "كليشيه" في الكثير من جوانبها، حيث الفتى المُجبر على العمل مع عصابة، والتهديدات المبطنة بحبيبته، والعملية الأخيرة التي لا تسير الأمور فيها، حتماً، على ما يرام. مروراً حتى بتتابعات الختام التي تعاني من فجوات عديدة ضمن منطق وعالم الفيلم ذاته. لذلك، فهذا الفيلم كسيناريو على الورق، لن يتحمس أي منتج لتقديمه، ما لم يكن يعرف مخرجه.

سرقة على أنغام الموسيقى
ولأن منجز إدغار رايت الحقيقي في كل أفلامه هو في "فن السينما"، فإن ميزة وقيمة هذا الفيلم أنه سينما خالصة. وهذا الأمر هو ما يتجاوز إلى حد بعيد كل العيوب في كتابته، لأننا ببساطة لم نشهد من قبل فيلماً مثل Baby Driver. ومثلما قام رايت ببناء فيلمه السابق "سكوت بيلجريم" على "ألعاب الفيديو"، وجعل العمل كله كأنه "رحلة طويلة من أجل الحصول على الأميرة"، فإنه هنا يبني فيلمه على الأغاني والموسيقى التي يسمعها البطل. في أحد المشاهد المهمة العابرة يقوم "بابي" بتشغيل "تراك" الموسيقى في أذنه، ويتعطل نزول العصابة بضع ثوان، فيوقفهم، ثم يعيد "التراك" من بدايته، ويقول لهم "تحركوا"، هذا بالضبط ما يفعله رايت في الفيلم: يبني المشاهد تبعاً لإيقاع كل "تراك"، وهي مشاهد استثنائية، من قبيل افتتاحية الفيلم الرائعة (أجمل افتتاحية فيلم في 2017 حتى الآن) لهروب ومطاردة لن تنسى بالسيارات، قبل أن يتبع ذلك بـLong Take (مدته 3 دقائق تقريباً) لـ"بابي" يحضر القهوة للعصابة على تراك موسيقي آخر.

خلق شخصيّات أيقونية
وهكذا، يستمر الفيلم بهذا المنوال، ولذلك فهو يملك منجزاً كبيراً بشأن المونتاج وشريط الصوت اللذين يحملان الفيلم على عاتقهما، مع عنصر ثالث هو الشخصيات والتمثيل. إدغار رايت ورغم هشاشة قصته، إلا أنه يخلق شخصيات أيقونية جداً، ويستغل فيها أداءات ممثليه إلى أقصى درجة، جيمي فوكس مثلاً في شخصية المجرم العنيف الحاد والمتهور، لا يخلق بعداً جديداً عن "الكاركترات" الشبيهة في أفلام أخرى، ولكنه يجذب انتباهك تماماً كمتفرج، كذلك جون هام (بطل مسلسل Mad Men الشهير) وكيفين سباسي، وصولاً للبطل الرئيس أنسيل إلجورت، ستخرج من الفيلم وتتذكر الشخصيات وصداماتهم جيداً، بقدر ما تتذكر مشاهد الحركة والصراع وإيقاع الفيلم اللاهث وساعتيه اللتين تمران سريعاً جداً. ليخرج الفيلم كتأكيد جديد على الموهبة العظيمة لمخرجه، والسينما المختلفة التي يقدمها.
وجديرٌ بالذكر، أنَّ إدغار هوارد رايت جونيور، ولد في 18 أبريل/ نيسان عام 1974. درس في بريطانيا، ونشأ في مدينة ويلز بسومرست، حيث انتقلت عائلته إلى هناك منذ طفولته. تخرَّج إدغار من بورنموث كلية اﻵداب، وهو شقيق الفنان أوسكار رايت. واشتهر إدغار بإخراج وكتابة أفلام الرعب والخيال العلمي، وقد اتّجه إلى الإنتاج عام 2006. وشارك في كتابة سيناريو فيلم "تان تان" للمخرج ستيفن سبيلبرغ.


دلالات
المساهمون