مجدي لخضر: البحث عن خلاصٍ تونسيّ

11 ديسمبر 2019
مستورة وبن عبدالله ومحجوبي: ورطة الخلاص (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
علي (رؤوف بن عمر)، أبٌ خيّاطٌ يبحث عن كنز مخبّأ في قبو منزلٍ، يتداعى على ساكنيه، وهم عائلته المؤلّفة من زوجته بايا (ربيعة بن عبدالله) وابنه سيف (مجد مستورة) وابنته هاجر (سلمى محجوبي). شاردٌ في محلّ الخياطة. ساهٍ على طاولة العشاء مع عائلته. لكنّه مُنكبٌّ في عزلته داخل غرفةٍ في أسفل المنزل. سرّ عزلته وشروده ينكشف سريعا، فيتورّط الجميع معه في الحفر والتنقيب. يتصادمون فيما بينهم مرارا، ويواجهون موتا وخرابا وتوهانا، ويُصابون بتمزّقات، قبل بلوغ مَخرجٍ يُنقذهم إطفائيّون عبره، بعد تبلّغهم عن اندلاع حريقٍ في المنزل.

متابعة تلك الرحلة، التي يقترحها "قبل ما يفوت الفوت" (إنتاج تونسي فرنسي مشترك، 2019، 73 دقيقة) لمجدي لخضر، والتي تبدأ في غرفة كبيرة وتنتهي في "ثقبٍ" يتّسع لخروجهم، تمنح المُتابع إحساسا بضيقٍ يُصيب جسدا ونَفَسا وروحا. كأنّ المتابع متورّط، هو أيضا، في الحفر والتوهان، وفي مواجهة أقسى تحدّيات العيش والنفاذ. فالتصوير (فْريدة مرزوق) يعتمد على كاميرا متحرّكة تحتلّ، غالبا، مكان الشخصية/ الممثل وموقعها في السرد الدرامي، وتتحرّك كفعلٍ جسدي للشخصية، في لقطات عديدة. وهذا إلغاء لكلّ حدّ بين الممثل والدور، بمنح التصوير إمكانية تأدية الدور كأنّ الكاميرا ممثل/ ممثلة. لكنّه يبلغ أحيانا مرتبة الإزعاج البصري، الذي يُمكن أنْ يدفع المُشاهد إلى مزيدٍ من التوتر والغضب والارتباك، تماما كأحوال الأب وأفراد عائلته، المنهمكين بمغامرة مليئة باهتزازات وقلاقل وتعب وخوف.

وإذْ تبدو الحكاية سهلة وعادية، فإنّ الاشتغال الدرامي ـ المُترجِم إياها صُورا ولقطات ومتتاليات بصرية سردية (سيناريو مجدي لخضر وسمية جلاسي ومحمد علي بن حمرا) ـ يُتيح تفسيراتٍ تخرج من مجرّد بحثٍ عن كنز مخبّأ، كتلك الحكايات القديمة، المليئة بمزيج الأسطوريّ والواقعيّ والإسقاطات المختلفة، التي تحثّ تلك الحكايات على ابتكارها؛ وتنفتح على الاجتماعيّ والسياسيّ والاقتصاديّ والانفعاليّ، في تونس ما بعد "ثورة الياسمين" (18 ديسمبر/ كانون الأول 2010 ـ 14 يناير/ كانون الثاني 2011). كأنّ الكنز خلاصٌ من قمع وفقرٍ واستنزافٍ وتسلّط. وكأنّ "الأنفاق" التي تُحفَر تحت المنزل/ الوطن للعثور على الكنز/ الخلاص، تطهّرٌ يحتاج المرء إليه كي يستحقّ الخلاص المنشود هذا. وإذْ يغيب الكنز كلّيا، فلا كنز ولا ما يُشبه الكنز في أسفل المنزل أو في أي ركن من أركانه، فإنّ بلوغ ثقب النجاة أشبه بدعوة إلى إعادة التفكير والتأمّل بأحوالٍ بلدٍ مرتبك، واجتماعٍ مضطرب، وأناسٍ مُتعَبين. وأيضا بأحوال ثورة تبدو كأنّها معطّلة.



بعيدا عن أي إسقاط أو تأويل، يحافظ "قبل ما يفوت الفوت" ـ المُشارك في مسابقة "أسبوع النقّاد"، في الدورة الـ41 (20 ـ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" ـ على إيقاعٍ سرديّ واحد، يجمع 4 أشخاص في منزل يتداعى ببطء عليهم، في ظلّ تعنّت علي إزاء قول "حقيقة" تمسّكه بالمنزل، وبالبقاء فيه، قبل انكشاف السرّ. وهو، إذْ يُبقي أحداثه كلّها في متاهة الأنفاق تحت المنزل، يُطلق تلك الرحلة بمشاهد عادية قليلة (خارج المنزل، محلّ الخياطة، إلخ)، ويُنهيها بتمكّن رجال الإطفاء والإسعاف من نجدتهم.
بهذا، يعكس "قبل ما يفوت الفوت"، بسرده قصّة عادية، نبض بلدٍ وأناس وذوات وأرواح، بلغة سينمائية تُربِك أحيانا، رغم الحاجة إليها.
المساهمون