آيدا بناهنده: قضايا المرأة هي الأهم بالنسبة لي

20 أكتوبر 2019
"أريد فقط أن أكون مخلصة وصادقة" (Getty)
+ الخط -
آيدا بناهنده مخرجة إيرانية شابة (1979)، لها 3 أفلام، آخرها في اليابان بعنوان "سقوط نيكايدو" (2018)، وهو فيلم عن مأساة معاصرة حول التعلّق المرضي بالماضي، وعن شخصيات يطاردها شعور بالالتزام تجاه الأجداد، يمنعهم من العيش لأنفسهم. لها أيضًا "إسرافيل" (2017)، وهو ملاك النفخ في الصُوَر يوم القيامة، وعن الاحتياجات العاطفية والعلاقات الإنسانية، وحيرة رجل بين امرأتين. أما أوّلها وأشهرها، فهو "ناهد"، الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في "نظرة ما"، في الدورة الـ68 (13 ـ 24 مايو/ أيار 2015) لمهرجان "كانّ"، وهو فيلم حميميّ وشخصي، ومتميّز شكلاً، إذْ تسرد فيه ملامح من حياة والدتها، المترمّلة شابّة، فكان عليها إعالة أطفالها. في الدورة الـ7 (9 ـ 15 سبتمبر/ أيلول 2019) لـ"مهرجان دهوك السينمائي الدولي"، شاركت آيدا بناهنده في لجنة تحكيم المسابقة الدولية، فالتقتها "العربي الجديد" في هذا الحوار.

* أنتِ الإيرانية الثالثة التي تصنع فيلمًا في اليابان، بعد عباس كيارستمي وأمير نادري. لمَ اليابان؟
- ببساطة، لأنّي فزت في "مهرجان طوكيو السينمائيّ" بجائزة للإنتاج، وكان عليّ التصوير في اليابان.

* في أفلامِكِ، تهتمّين بعلاقات الحب المعقّدة. فيلمُك "ناهد" صُنِّف في فرنسا بأنّه نسوي. أعرف أنكِ تعترضين على هذه التسمية. أذكر أنّي قرأتُ ذلك في حوار معك منشور في مجلة فرنسية.
- لا أميل إلى التسميات والتصنيفات: مخرجة امرأة، مخرجة نسوية، إلخ. ربما تلمسين ذلك في أفلامي، وربما لا، هذا شأنك. في الغرب، لديهم أفكار منمّطة ووجهات نظر جاهزة، لا سيما في ما يخصّ إيران والشرق الأوسط وأفريقيا، وكلّ ما هو بعيد عنهم. لا يريدون اكتشاف هذه المناطق، مع أنّ عليهم البحث فيها جيّدًا. أقصد الإعلام، الذي يُقرّر أيضًا ما يجب عليك التفكير به. حين كنتُ في مهرجان "كانّ" مع "ناهد"، كانوا يطرحون عليّ أسئلة كهذه. هم لا يميّزون بين إيران وبلد آخر مجاور. لديهم أفكار مسبقة عن البلاد المسلمة. المرأة عندنا مثقّفة، تذهب إلى الجامعة وتعمل. معظمهم كان يسألني عن السياسة أيضًا، وكنتُ أبلغ حينها 35 عامًا. كنتُ موجودة كفنانة، وكلّ ما أرغب في الحديث عنه هو الفنّ والسينما.

* لكن، هل يمكن فصل السياسة عن الفنّ، خصوصًا في ما يتعلّق بإيران؟ ألم يساهم الاهتمام السياسي بإيران في نشر الفيلم الإيراني؟
- ربما لا يُمكن الفصل بينهما أحيانًا. لكن، حين تُسألين عن هذا فقط، أو غالبًا، فهذا يدعو إلى القول: "لنتحدّث في الفنّ أيضًا". أما عن الشقّ الثاني من السؤال، فأنا لا أوافق على هذه النظرة. هناك مخرجون إيرانيون كثيرون، وهناك سينما إيرانية أصلاً، قدّمها كيارستمي إلى العالم. ربما يحدث هذا في بلاد أخرى، حيث يُحصر الاهتمام بسينماها بفضل ما يعكسه مخرجوها في أفلامهم عنها.

* متى أدركتِ أنّك تريدين العمل في السينما؟
- حين كنتُ صغيرة، كانت لدينا محطّتان تلفزيونيتان فقط، كنتُ أحبّ الفرجة عليهما، وأجلس طويلاً مبهورة بالصُوَر التي تعبر الشاشة، ومشاهدة أفلام لم أكن أفقه منها شيئًا، لكنّي كنتُ أتفاعل معها. كان هذا يثير استغراب عائلتي. عندما بلغت 12 عامًا، قلتُ لأمي إنّي أريد العمل في السينما، وكان الرد شجاراً وغضباً. ظللتُ أعوامًا أثير الأمر معها وأناقشه، محاولة إقناعها، إلى أنْ درستُ السينما. حتى الآن، لا تميل أمي إلى عملي، لأنه لا يؤمِّن لي دخلاً كافيًا، فأنا أعمل عامًا وأتوقّف عن العمل 3 أعوام. لكن هذه حال المخرجين المستقلّين جميعهم في إيران، بل في العالم. طبعًا، هي تفخر بي حين أنجح. أخبرتني أنّها تجد نفسها في أفلامي. ربّتنا لوحدها، ومهما فعلتُ، لن أستطيع أبدًا التعبير كفاية عن تقديري وحبّي لها.

* قلتِ عن أمّك إنّها تجد نفسها في أفلامك.
- كلّ ما أفعله هو لأجلها، لكنّها لا تعرف، فأنا لا أقول لها هذا. في ثقافتنا، لا نثير أمورًا كهذه، ولا نحكي عن المشاعر. أريد أنْ أقول لها: "لن أنسى تضحياتك"، فهي لم تتزوّج بعد وفاة والدي، وكانت شابة. لا أعرف لِمَ ضحّت هكذا؟ أكره هذا. ركّزت حياتها كلّها على ولديها. لا صديقة لها. لا تشتري لنفسها شيئًا غاليًا، ولا تحكي كثيرًا. أرى وجهها الذي يشيخ، فأشعر بمعاناة شديدة. إنّه السبب الحقيقي الذي جعلني أرغب في صنع الأفلام. أريد الإضاءة على نساء مثلها.
* من خلال السينما، هل تسعين إلى تغيير وجهات النظر في ما يتعلّق بوضع المرأة في إيران مثلاً؟
- لديّ حساسية خاصة تجاه قضايا المرأة في أيّ مكان، كوني امرأة ربّتني امرأتان هما أمّي وجدّتي، المسؤولة عن المدرسة الوحيدة للبنات في أذربيجان (إحدى محافظات إيران الشمالية الغربية). امرأتان حازمتان، أرادتا أنْ أكون مستقلّة بشخصيتيّ.
حين أنجزتُ أول فيلم، أدركتُ أنّي أرغب في إثارة هذا كلّه، فلا أحد يُبرز نساء مثلهما في أفلامه. أريد فقط أنْ أكون مخلصة، وأنْ أقدّم لوحاتٍ صادقة، ليس بهدف تغيير وجهات النظر. أريد للنساء أن يكتشفن أنفسهن ويحترمنها ويغيّرنها. حين أحكي عن المرأة، لا أقصد تلك التي في المدن الكبرى، بل التي تعيش في بلدات صغيرة. هؤلاء هنّ جمهوري. أودّ أنْ يحترمن أجسادهنّ. لكنّي لا أثير هذا الموضوع بشكل مباشر، لأنّنا لا نستطيع الحديث عن جسد المرأة صراحة في السينما الإيرانية، بسبب الرقابة. هذا مؤسف.

* هل واجهتك صعوبات للعمل كمخرجة في إيران؟
- هي ليست صعوبات متعلّقة بكوني امرأة، بل لأنّي لست من عائلة غنية. في البداية، حصلت على المال من جمعية تدعم الأفلام القصيرة. كنتُ صغيرة، ولم تكن هناك نساء كثيرات، فاحترموا رغبتي وساعدوني. الآن، هناك كثيرات، ولا عوائق أمامهنّ. أمّا العمل، فيعتمد على شخصية الإنسان، ويتطلّب الجدّية، وأنْ تكون المرأة قوية كفاية، لجعل فريق من الرجال يستمع إلى إرشاداتها. بفضل أفلامي القصيرة، تعلّمتُ كيفية التعامل مع الرجال. أنا بطبعي منضبطة ومنظّمة وجدّية. هذا موروث عندي. البعض يراني جدّية زيادة عن اللزوم، لكنّه طبعي، ولا أستطيع تغيير الأمر.
* كيف تحضّرين للفيلم، وأنت كاتبة سيناريو أيضًا؟
- أعمل مع أرسلان (أرسلان أميري سيناريست، وزوج آيدا). درسنا معًا، وأحبّني منذ اليوم الأول. لكننا تزوّجنا بعد 8 أعوام. أخذ الأمر منّه كثيرًا لإقناعي. نتبادل الأفكار، هو وأنا، لأسابيع عديدة، ثم نكتب في عامين مثلاً. تأتي الكتابات من حياتنا، وممّا يحيط بنا. بعدها، أسعى إلى إيجاد منتجين. معًا، نحكي عن السينما ليلاً ونهارًا.

* بمن تأثّرت من المخرجين في إيران؟
- أحبّ عباس كيارستمي ورخشان بني اعتماد جدًا. هناك أوروبيون أيضًا، تعلّمت منهم السينما، وكيفية النظر إلى الحياة والعالم. تعجبني السينما اليابانية، المعروفة والمحبوبة في إيران، ربما لتشابه ثقافتينا. كلّما أشاهد فيلمًا يابانيًا، أشعر بالإحباط، وأتساءل: "لكن، ماذا بمقدوري فعله بعد هذا؟". طبعًا، أحبّ تاركوفسكي كذلك.
* كيف ترين حال السينما الإيرانية اليوم، وقد اختفت عنها شاعريّتها؟
- هي بين صعود وهبوط دائمين. هناك مخرجون عديدون يقدّمون المجتمع الإيراني وثقافته إلى العالم، ويكافحون لصنع الأفلام. أجدهم أقوياء، يحبّون الفنّ ويقاومون، وأنا فخورة بهم. السينما تقليد متجذّر في ثقافتنا. مرآة تعكس أحوال المجتمع. اليوم، بات هذا قاسيًا، وعليه ضغوط كثيرة، اجتماعية واقتصادية. فكيف نجد الشعرية في مجتمع يكافح أفراده يوميًا لتأمين الغذاء للعائلة؟ لكنّي مؤمنة وكلّي أمل بأن هذه الفترة ستمرّ، وستجدين حينها تلك الشعرية التي ميّزت السينما الإيرانية.

* هل لديك مشاريع جاهزة حاليًا؟
- لدي مشروعان أبحث عن منتجين لهما. أحدهما أريد تصويره في إيران، يختلف عمّا حقّقته سابقًا، وعلى مسافة من الواقعية الإيرانية. قصّة غريبة. أما الثاني، فأودّ تصويره في تركيا.
دلالات
المساهمون