الدراما السورية: موسم الفراغ الخريفي

30 أكتوبر 2019
تكاثرت فكرة إنتاج عشاريات منفصلة مستقلة على نتفليكس (فيسبوك)
+ الخط -
ما زالت عجلة الدراما السورية متوقفة إلى أجل غير مسمى. حالة من الركود تنتاب الوسط الفني المتعثر في إيجاد قنوات تصريف للأعمال، وصل حد الرّهاب من الدخول في مغامرة عمل درامي جديد، مع تغير هوية الأعمال وفق ما يتطلب السوق، سواءً على صعيد النوع أو كمّ الحلقات.
يمكن القول إن الإنتاج السوري أصبح أسيراً للنظام، والممثل السوري دخل في حالة من الصمت التي باتت تهاجم نجوميته، في ظل صعود أسماء عربية تنال شهرة واسعة، وتراجع الصناعة الدرامية المحلية في قدرتها على صناعة النجوم.
الحرب السورية أثرت على جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، ما أدى بالبلاد إلى حالة من التدني في المستوى المعيشي والخدمي، إضافةً إلى نزوح من المدن السورية واللجوء إلى خارج البلاد.
وكان لقطاع الإنتاج الدرامي نصيب كبير من الأضرار؛ إذ إن الأعمال الدرامية التي قدمت قبل الثورة حملت ضخامة في الإنتاج، إضافةً إلى كم كبير من نجوم الصف الأول في سورية الذين خرج بعضهم مناصراً للحراك الشعبي ورافضاً لسياسة القبضة العسكرية التي يتبعها النظام، وآخرون خرجوا استغلالاً للفرص التي فتحت أمام الدراما السورية في العالم العربي بسبب الخبرة التي يمتلكها الممثل السوري والتدريب الأكاديمي الذي خضع له.
ومع بدء الحراك الشعبي ضد السلطة، تراجع الإنتاج الدرامي بسبب فرض عقوبات أميركية على بعض الشركات التي قلصت مشاركاتها بأعمال تكاد تكون معدومة الربح، مقابل بقاء وجودها في الساحة الدرامية. في حين اتجه البعض الآخر إلى إنتاج أعمال مؤيدة للنظام، وبعيدة كل البعد عن المواضيع الاجتماعية التي تمثل الشارع، إضافةً إلى ضعف قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، ما شكّل مشكلة رئيسية لانخفاض أجور الممثلين وصعوبة التصوير في بلد تنخره الحرب من كل جانب، وبالتالي تراجع وجود الممثلين المحترفين ضمن هذه الأعمال نتيجة عدم توفر مردود مادي كاف يساعد الممثل في حياته المعيشية.
بعد تسعة أعوام من الثورة في سورية، لم تقدم القنوات الفضائية المحلية التابعة للنظام مساحة كافية لأعمال بحجم إنتاج ضخم بسبب تكريسها لحملات إعلامية تموه حقيقة ما يحصل في البلاد، ومن أهم الأسباب التي ساهمت في تراجع الجماهيرية لهذه القنوات، لجوء الشركات المنتجة إلى منصات البديلة، مثل "نتفليكس" و"تين تايم"، التي لا تفرض شروطاً رقابية قاسية، كما أن هناك سهولة في متابعة الحلقات كاملة بالنسبة للمشاهد جعلت من هذه المنصات مساحة أسهل للمشاهدة، وبوابة أهم لكسب المال من قبل الشركات المنتجة، وحتى الترويج الدعائي الذي تقدمه المنصات بات أكثر حرفية من إعلان الشركة المنتجة.
سوق المنصات على الإنترنت، إضافةً إلى حزمة كبيرة من القنوات العربية التي باتت تستغل قوة الحضور السوري في الدراما، فشجعت شركات الإنتاج على استقطاب الممثلين السوريين إلى الأعمال العربية المشتركة وبأجور عالية. فكان لمشاركاتهم دور في رفع سوق البيع لهذه الأعمال، مقابل تراجع أكبر للدراما السورية على الصعيد المحلي، ومع استمرار هذه الصيغة وتحوّلها إلى سلعة تجارية وتجاوب واضح من قبل ممثلي الصف الأول السوريين وتصدرهم عربياً كفنانين عرب. هكذا، توفّر للفنانين مساحة أوسع لتصدير أنفسهم عربياً مقابل دراما محلية أسيرة للنظام، استغلها للترويج لإنجازاته عن طريق أعمال درامية تعكس الواقع السوري حسب وجهة نظر السلطة، لتبتعد بذلك الدراما المحلية عن إمكانية العودة إلى الصدارة العربية في المستقبل.
في سياق الأعمال العربية المشتركة، ونتيجة نجاح هذه الصيغة، بحثت شركات الإنتاج عن مساحة جديدة وسوق له استمرارية في تدوير المال، فكانت لـ نتفليكس الفكرة عن طريق أخذ صيغة الحلقات القليلة من الأعمال الأجنبية، وتحويلها إلى العربية، بحضور ممثلين سوريين وعرب؛ إذ إن الحلقات الثلاثين تراجعت لتصبح عشرا. وبهذا، ستعرض هذه الأعمال خارج السباق الدرامي لتتسابق في مضمار جديد وهو عالم المنصات.
معركة جديدة تولد أمام شركات الإنتاج السورية، بما أنها باتت أسيرة للنظام، سعت باحثة عن طريقة لتعيد هيكلة الدراما السورية من جديد ضمن دوامة دخل فيها ممثلون سوريون إلى الدراما العربية، في حين استفادت الدراما المصرية واللبنانية من نجومية بعض الفنانين السوريين الذين تم إدراجهم في جملة من الأعمال بأدوار رئيسية تألقوا فيها رغم عقبة اللهجة؛ حيث إنهم كانوا من نجوم الصف الأول في دمشق، ليتحولوا إلى نجوم عرب، مثل جمال سليمان وباسل خياط وقصي خولي وتيم حسن وغيرهم.
ويبدو أن موسم 2020 سيكون بداية خروج الدراما السورية من العناية المركزة وتجاوزها للأزمة التي حلت بها على مدار سنوات ليكون التعافي، إن سمّي ظاهرياً بذلك، فليس إلا صيغة تجارية بحتة، فبعد إنتاج مسلسل "دقيقة صمت" الموسم الفائت في سورية وحصده لجماهيرية عالية، قلبت الرقابة الطاولة وفرضت صرامة شديدة على النصوص وصلت إلى حد التدخل في اللوحات الكوميدية القصيرة، وحذف عبارات من الحوارات.
في حين اتجهت المؤسسة الحكومية إلى إنتاج عمل يحمل اسم "حارس القدس" من إخراج باسل الخطيب، تكاثرت فكرة إنتاج عشاريات منفصلة مستقلة، إلا أنها ستجمع في المستقبل لتكون ضمن مسلسل واحد، ليكون الإنتاج الجديد "بالمفرق والجملة" كما يقال، وهذه الأعمال حملت عناوين مختلفة، مثل "الحب جنون"، و"هوس" و"يا مالكاً قلبي"، مع بطولة مجموعة من الممثلين العرب؛ فبذلك يعلن عن سيطرة للعمل العربي وتهميش الدراما السورية وبدعم من ممثلين سوريين.
حتى تبيان المشاريع القادمة المفترض إنجازها في مساحة لا تتعدى الخمسة أشهر القادمة، يظهر للعيان ازدحام حول ما تبقى من الصناعة الدرامية السورية، فهل هو تهميش يقضي على أواخر معالم هذه الصناعة؟ أم إعادة انطلاق متعثرة لم تجد الطريق الأمثل بعد؟
المساهمون