عازفو الأنفاق

13 ابريل 2015
عازفو الشوارع ملّوا التسكع فقصدوا الأنفاق (Getty)
+ الخط -
ترتفع أصوات الموسيقى في أنفاق لندن القاتمة، وتضفي على رهبة المكان وضيق الممرّات لمسات من المرح والجمال والفن. تمنح الرخص بعد تقديم الطلب وإجراء مقابلة مع متخصّصين في عالم الفنً وممثّلين لمنظّمة أنفاق لندن، وبعد مراجعة الطلب من قبل شركة نقل لندن، يتمّ اتخاذ القرار بالرفض أو القبول، الذي يعتمد غالباً على أداء الشخص.

قد تطول الإجراءات أحياناً لسنين بسبب لائحة الانتظار الطويلة، ويقول بعض المتقدّمين إنّهم لم يحصلوا على المقابلة، رغم تقديمهم جميع المستندات وفق الشروط المطلوبة. فلوريد، عازف أنفاق فرنسي الجنسية، جلس يعزف على غيتاره في محطّة ساوث كينزينجتون اللندنية، واضعاً أمامه وعاء لنقود المارّة.

يهرع إليه الأطفال متمايلين مع أنغام الموسيقى بعفوية وبراءة تعكس فرحتهم بسماع تلك الألحان في مكان يعجّ بالآلات. وقد نجح في لفت انتباه الساعين إلى الإفلات من قبضة الأنفاق، وتمكّن من إبطاء حركتهم بموسيقاه المميّزة، حتى توقّف البعض منهم للاستماع والتصفيق والتبرّع بالنقود.

بدا فلوريد منزعجاً من التقاط الصور له، ورفض ذلك من دون أن يوضح الأسباب، واكتفى بالقول إنّه على ما يرام، طالباً التوقّف عن تصويره. أمّا تييري المتحدّر من أصول أفريقية، فبدا أكثر مرحاً وهو يغنّي ويعزف الأكورديون في محطّة بيكاديللي سيركوس.

وفي حديث لـ "لعربي الجديد" قال إنّه يعشق الغناء، وما يجنيه من مال في عمله الآخر، الذي امتنع عن ذكره، لا يكفي لسدّ حاجاته. يكمل تيري، أنّه حلم أن يصبح نجماً شهيراً حين كان طفلاً في الحادية عشرة من العمر، واشترك في أنشطة المدرسة الموسيقية، بيد أنّه وجد ذاته أخيراً يستمتع في أنفاق لندن ويكسب خلال ساعتين أكثر ممّا يجنيه في أيّام في مهنته التي فرضتها عليه الظروف.

يلفتنا وقوف رجل مسنّ في تلك الأنفاق، كان يعزف موسيقى للأطفال بنشاط وحيوية. إنّه بيتر، ذو الشعر الشائب واللحية البيضاء الكثيفة، يتهافت إليه الصغار من أول نغمة، يتراقصون ويغنّون في مجموعات. "مللت الجلوس في المنزل أو التجوّل في الأسواق" يقول بيتر لـ "العربي الجديد"، قدّمت طلباً للعزف في الأنفاق. انتظرت طويلاً حتى تمّت الموافقة على طلبي".

يضيف بيتر أنّه لا يشعر بالإرهاق، بل تغمره الفرحة حين يشاهد ابتسامة الأطفال، كما يلفت إلى أنّه أمضى ما يكفي من عمره في عمل شاق وهو سعيد أن يمضي ما تبقّى له من الحياة في القيام بأمر يعشقه. اختلفت أسباب العازفين وظروفهم، بيد أنّها توحدّت كلّها في منح أنفاق لندن مسحة جمال.

والجدير بالذكر إقامة المنافسات في لندن بين عازفي الموسيقى في الأنفاق والشوارع، وتشجيع الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 11 والـ 25 عاماً، على المشاركة في المسابقة للفوز بجوائز عديدة، منها رخصة للعزف داخل القطار أو رحلات إلى وجهات مختلفة أو غيرها.

فازت المراهقة نتالي شي (16 عاماً) في 2015، لمشاركتها في مسابقة العزف، بجائزة هي عبارة عن رحلة إلى باريس على متن قطار اليورو ستار، فتقاطر المسافرون للاستماع إلى أدائها ونشطت حركة مرتادي ذاك القطار يومها.

من جهتها قالت كيت جونز، مديرة برنامج "Gigs team at busk in London"، إنّهم بحاجة إلى المزيد من عازفي الأنفاق والشوارع، وبهدف جذب أكبر عدد منهم، ينبغي توضيح القوانين المطلوبة بشكل أفضل، للسماح لهم بالعزف وتوفير المزيد من المعلومات لجميع الراغبين بالانضمام إلى المسابقة.

ودعت إلى المشاركة في المنافسات الحالية قبل انتهاء المهلة المحدّدة في 30 مايو/أيار، آخر يوم للالتحاق بالمسابقة. وأوضحت جونز أنّ المجال مفتوح لجميع أنواع الموسيقى وللعازفين من مختلف الأعمار، سواء كانوا ضمن مجموعة (لا تزيد عن 8 أشخاص) أو العازفين بشكل فردي.
المساهمون