السينما الإيرانية الجديدة (2/2): هجرة ورياضة وكوميديا أولاً ومبالغات أفلام الحرب

16 يونيو 2019
نرجس أبيار: أفضل مخرجة إيرانية في عام 2019 (Getty)
+ الخط -
في المضمون، تفرض الهجرة نفسها على أفلام جديدة. هناك إشارات متكرّرة لإيرانيين إلى العائلة والأقارب والأصدقاء، المستقرّين في الخارج. جزء ثانٍ (2019) من "العذاب الحلو" (أو "مصائب شيرين" بالفارسية) لعلي رضا داوود نجاد، يتناولهم جميعهم، ويُبيّن حيرة جيلين من المهاجرين أمام مسألة الانتماء والهجرة. زوجان يسافران من مانشستر إلى لندن للاحتفال بعيد الميلاد الـ18 لابنتهما، التي تُفكّر دائمًا بإيران، وتريد العودة إليها. في الطريق، يتأمّلان حياتهما، وابتعادهما شيئًا فشيئًا عنها، بسبب ضغوط العيش في الغرب. فيلم يُكثر من الحوار، لا سيما عبر "سكايب". لذا، تبدو الصورة في معظم المَشاهد مهتزّة ومتعِبة، بالإضافة إلى كلامٍ لا يتوقّف. 

أما الرياضيون وقصصهم، فيظهرون في "تسونامي" (2019)، أول فيلم لميلاد صدر عاملي، القادم من الفيلمين القصير والوثائقيّ، كمخرجين جدد عديدين. لا مواجهة بين خير وشر في الـ"تيكْواندو"، فالفيلم عن كائن إنسانيّ، بقوّته وضعفه. هناك لاعب مشهور يقبل الهزيمة في الألعاب الأولمبية (2002)، كي لا يواجه اللاعب الإسرائيلي لاحقًا. أضاع كلّ شيء في حياته الخاصة والعامة، وبعد 8 أعوام، يُطلب منه المحاولة مجدّدًا ضمن الفريق الوطني. حينها، عليه مواجهة لاعب جديد عنيد، أكثر منه شبابًا، معروف باسم "تسونامي". في حياته الخاصة، يُعاني مع فتاة أفغانية لا تُقبَل في المنتخب الوطني الإيراني بسبب أصولها.

كوميديا من نوع آخر تظهر مُجدّدًا في السينما الإيرانية، بعد سيطرة أفلام التهريج الموجودة في إيران، كما في بلاد أخرى. يقول السيناريست بيمان قاسم خولي: "في الثمانينيات الفائتة، كان إضحاك الناس أسهل، وكذلك كتابة الكوميديا، إذْ كان الجمهور يضحك بمجرّد القاء أحدهم في حوض سباحة". الآن، اختلف الوضع، لا سيما أن الإيرانيين في الخارج يرغبون في مُشاهدة أفلام كوميدية.

رغم أنه لم يكن الأفضل، إلّا أنه أعجب الجمهور وأعضاء لجنة تحكيم "مهرجان فجر 2019". ذلك أنّ "ارقص معي أيها العالم"، الفيلم الأول لسروش صحت يُعبّر عن هذه الكوميديا، التي تتحلّى بقدر من الفانتازيا مُشابه لما كان يستخدمه دريوش مهرجوي، أحد المعلّمين في السينما الإيرانية. رجلٌ (علي مصفا، نجم السينما الإيرانية، الذي يمثّل في أفلام عديدة سنويًا) ينتظر موتًا وشيكًا، من دون أن يُغرقه هذا في مأسوية الحدث. يحاول الفيلم التخفيف من قسوة المضمون بالكوميديا، وبخلق أجواء ساخرة ومضحكة. فالبطل المريض يجد نفسه، فجأة، مُحاطًا في مزرعته بأصدقائه المقرّبين، للاحتفال بعيد ميلاده، الأخير ربما. الموت القريب يجبرهم على التسامح، وعلى تناسي خلافاتهم السابقة، والاقتراب من الطبيعة والحيوانات والموسيقى والرقص، تلك التي يهتمّ بها صديقهم المريض.

كوميديا من نوع آخر، رغم جدية الموضوع وغرابته، تعتمد كلّيًا على الحوار: "طلّقني بسبب قطة" لمحمد علي سجّادي. مأخوذٌ عن قصّة حقيقية، يروي الفيلم حكاية زوجين يجتمعان بقاضٍ بهدف الطلاق، بسبب قطّة. قصّة عن الجنّ والإنس، وأداء رائع، وإخراج بعيد عن الملل، رغم أن التصوير يحدث كلّه في غرفة مغلقة، ولا شيء هناك غير الحوار وتعابيره الغريبة والمُضحكة في آنٍ واحد. في فيلمٍ كهذا، تتجلّى أيضًا قدرة السينما الإيرانية على القصّ.

لا يُمكن ذكر السينما الإيرانية من دون الإشارة إلى أفلام الحرب العراقية الإيرانية ("أفلام الدفاع المقدس"، كما توصف)، التي لا بُدّ من إنتاج كَمّ منها سنويًا، مع مضمون لا يخلو من مبالغات، ووجهات نظر ثابتة تعكس رأي جهة واحدة، كـ"23 نفر" (2018) لمهدي جعفري مثلاً، حيث الخير خيرٌ، والشر شرٌ. كما بدأت تظهر أفلام تتناول الحرب على الإرهاب و"داعش"، وتعاين تأثيرهما المباشر والمدمِّر على الناس: "بتوقيت الشام" لإبراهيم حاتمي كيا، المُنجز العام الفائت، خير مثل على هذا. لكن التطرق لموضوع كهذا من مخرجة صاعدة في إيران، تُدعى نرجس أبيار (6 جوائز في "مهرجان فجر الوطني 2019"، منها أفضل فيلم وإخراج)، له طعم آخر. في فيلمها الرابع، "حين يكتمل القمر" (2019)، تنطلق من أحداث حقيقية، وتجعل المرأة "البطل الأول"، إنْ تكن أمًّا أو زوجة أو أختًا، كي تُبيّن كيف تُدمَّر حياتها بسبب سيطرة التطرّف الديني على رجال العائلة. الفيلم قصّة حبّ بين فتاة من جنوب طهران وشاب من منطقة حدودية مع باكستان (جنوب شرق إيران)، وما يجلبه عليها هذا من مخاطر وأهوال، بسبب انتماء الشاب إلى تنظيم جهاديّ. الممثلة ألناز شاكر دوست وزميلها هوتن شكيبا كانا أفضل ما في الفيلم، إذْ ساهم أداؤهما الرائع في الاندماج في قصّة مليئة بمبالغاتٍ، وبحركة كاميرا مُتعبة بسرعتها.

إلى ذلك، هناك أفلام مُكرّسين، كتلك التي أنجزها رضا مير كريمي (10 أفلام)، ورسول صدر عاملي (13 فيلمًا): اهتمام اجتماعي، مع انفتاح دائم على قضايا معاصرة جريئة، كما فعل صدر عاملي في "سنتي الجامعية الثانية" (2019)، وفيه صديقتان مقرّبتان إحداهما من الأخرى، تتشاركان أسرارهما كلّها أثناء دراستهما الجامعية، وتقومان برحلة جامعية إلى أصفهان، فتُصاب إحداهما بغيبوبة، وتواجه الثانية تحدّيات كثيرة مع أمها وشقيقتها وخطيبها، وحتّى مع صديقتها الغائبة عن الوعي، وطبعًا مع إدارة الجامعة. فيلمٌ لا يخلو من جرأة، مع كل ما يُمكن لشابة جامعية أن تواجهه، وهي تكتشف الحرية والانطلاق. أما مير كريمي، فيهتمّ، في "قصر شيرين" (2019)، بظروف المرأة ومسؤولياتها الكثيرة، وبموقف الأب حين يُضطرّ إلى العودة بعد غياب للاهتمام بأطفاله، الذين عوّدتهم أمهم على العيش في "قصور من الأحلام".

أفلام كهذه تُذكّر بالسينما الإيرانية الكلاسيكية، من دون أن يعني هذا جمودها. لكن الواضح أنّ السينما الإيرانية اليوم هي في حالة موار وغليان وبحث، شكلاً ومضمونًا. بحثٌ يُتوقّع له أن يُنتج في المستقبل أسلوبًا جديدًا، "ربما تكون له جذور من الماضي، وربما لا"، بحسب رضا مير كريمي. لكنها سينما لا تزال تعبّر اليوم بعمق عن الكائن الإنساني، وإن بثرثرة أكثر.
المساهمون