"أمبيانس": الفيلم في كانّ وبطله في سجون الاحتلال الإسرائيلي

08 يونيو 2019
أهدى المخرج وسام الجعفري فيلمه للأسير الشاب (مهرجان كانّ)
+ الخط -
في الوقت الذي يواصل فيه الفلسطينيون والمهتمون احتفاءهم منذ أيام بفوز فيلم "أمبيانس" (للمخرج وسام الجعفري) بالمركز الثالث لفئة الأفلام القصيرة من "سيني فنديسيون" في "مهرجان كانّ السينمائي الدولي" في دورته الـ72، بعد قدرته على منافسة أربعة آلاف فيلم، يَعدّ بطل الفيلم (الممثل الرئيسي الثاني) محمد الخمور (21 عاماً)، أيامه داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ 10 أشهر، فبعد انتهاء تصوير الفيلم بأشهر قليلة، اعتقله الاحتلال.

يحكي الفيلم قصة شابين من مخيم الدهيشة، جنوب بيت لحم، وهما محمد الخمور وصلاح أبو نعمة، إذ يحاولان تسجيل الموسيقى داخل المخيم، إلا أن أصوات الحياة فيه تقف حجر عثرة أمام ذلك، فيقرران استثمار هذا الحجر بتحويله من عائق إلى عامل وظيفي، بجعل الموسيقى الخاصة بهما هي صوت الحياة في المخيم.

محمد الخمور، طالب هندسة الاتصالات في "جامعة القدس" في بلدة أبو ديس، كان من المفترض أن يرافق زملاءه إلى "كانّ"، لكنه بدا مخنوقاً حين علم بفوز الفيلم، لا لشيء سوى أنه محاصر وعاجز عن التعبير عن فرحته، هو الذي تمنى الخروج ليرى الحياة خارج فلسطين، وكانت جدران سجن عوفر الإسرائيلي أقرب.

الرابعة فجراً
سعاد الخمور، والدة الممثل الأسير، عندما علمت بخبر فوز الفيلم في مهرجان عالمي، شرعت بالبكاء لأن ابنها في السجن ولن يتمكن من الذهاب برفقة طاقم العمل إلى فرنسا.
تخبرنا والدته: "كان محمد، وهو البكر في العائلة، سعيداً جداً بقيامه بدور ممثل في الفيلم، أخبرني بشعوره هذا أكثر من مرة: هذا الفيلم يما لوسام الجعفري، هذا الفيلم عشان المخيم، وكنت أنا أمارس الفُرجة عليهم أثناء أداء المشاهد التمثيلية في شوارع المخيم أو حتى عندما يأتون للاجتماع في منزلنا".

اعتُقل محمد من منزل عائلته في مخيم الدهيشة عند الرابعة فجراً من تاريخ 28 أغسطس/آب عام 2018، ولا يوجه الاحتلال له أي تهمة، أي أنه يُعتبر معتقلاً إدارياً. تؤكد والدته أن ابنها كان إلى جانب دراسته الجامعية، يعمل حارسا لأحد المجمعات التجارية القريبة، "ويوصيني بإيقاظه في حدود الثامنة صباحاً، لكنهم جاؤوا قبل أربع ساعات من دوامه في العمل، أيقظني أخوه الأصغر، فلم أصدق أن جنود الاحتلال حاصروا المكان، علمت أنهم قبل أن يدخلوا من الباب ثبتوا سلما باتجاه نافذة غرفة محمد ودخلوا منها، صحت وبكيت عندما طوقوا يديه بالكلبشات، وطرحوه أرضاً وانهالوا عليه بالضرب، لحقت بهم حتى منتصف الطريق وأنا أوصي محمد بالصبر والاعتناء بنفسه قدر الإمكان".
حينما ذهبت والدته لأول مرة لحضور جلسة محاكمته، لم تتمكن من التعرف عليه لولا أنه بادر بالقول: "كيف حالك يما؟". 
كهرباء وإضاءة وقهوة
فيلم "أمبيانس" استغرق إنجازه عاماً ونصف العام، وتم تصويره خلال 10 أيام، من أجل الخروج بـ15 دقيقة، وهي المدة النهائية التي قُدم بها الفيلم لمهرجان "كانّ"، فيما يهدي المخرج وسام الجعفري عمله هذا لمحمد الخمور المسجون، وقد رفعت صورته في المهرجان، وهو يتمنى أن يخرج محمد قريباً.

يتحدث الجعفري لـ"العربي الجديد"، عن الفيلم وإنتاجه، يقول: "عندما خرجنا للشارع لتصوير الفيلم، بدأ أهالي المخيم بسؤالنا: ماذا تفعلون؟ وبدأنا في تقديم الإجابات. ولقلة الإمكانات، كنا نطلب من الناس إبقاء الأضواء الخارجية للمنازل مشتعلة لصالح التصوير، وكنا أحياناً نقوم بمد كابل كهرباء من بيوت الأهالي، ولم يمانعوا مطلقاً".

يشير وسام إلى أنه، حتى عندما كان الطاقم يحتاج لوجود أحد الأهالي في المكان كممثل إضافي يشارك في المشهد ليكون حياتياً وحقيقياً، كأن يمر أمام الكاميرا مثلاً، "لم أطلب من أحد فعلها واعترض، لقد كان الأهالي متعاونين لدرجة أنهم يعدون القهوة أثناء التصوير، عدا عن إعداد الساندويشات للطاقم".

صوت المكان
يوضح المخرج وسام الجعفري أسباب فوز فيلمه في مهرجان "كانّ"، يقول إن "عضوة من لجنة التحكيم على فئة فيلمه أكدت أن الفيلم استطاع التعبير عن الحياة اليومية للمخيم، الحياة الاجتماعية في إطار كوميدي، ربما هذا أحد الأسباب التي أهّلت أمبيانس (صوت المكان) للفوز".

يوضح وسام أن الفكرة الأشد إلحاحاً بالنسبة إليه كانت أثناء تصوير الفيلم تتعلق بكيفية اصطحاب المُشاهِد إلى رحلة في المخيم عبر أصوات الحياة فيه، وهنا كمن التحدي، "لقد استطاع بطلا الفيلم، رغم أنه يضم ثلاثة آخرين، أخذ الأصوات التي قد تكون مُزعجة وتحويلها إلى قطع موسيقية، وكل ذلك رغم الإمكانات البسيطة".

قابلنا مُنتج الفيلم سائد أنضوني، وهو يشغل منصب رئيس برنامج الأفلام في كلية دار الكلمة الجامعية للفنون والثقافة في بيت لحم، يقول: "وسام طالب من طلبة الكلية، وفيلمه هذا مشروع تخرجه، وعلينا الأخذ بالاعتبار الجهد الجماعي الذي يبذله الطلبة في مساعدة بعضهم لإنتاج الأفلام. عدد كبير من أفراد الطاقم هم طلبة في الكلية، لولا هذه الروح الجماعية لم يكن هناك فيلم، وكان اجتهاد وسام خاصاً". 
يؤكد أنضوني في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن وسام لم يستهن بالتفاصيل أو غض الطرف عنها، بل أصر على إحكام وتفعيل كل تفاصيل الفيلم لإيصاله مع كل مرحلة لمستوى أفضل. في الكلية نوفر المعدات للطلبة، ولديهم مرجعيات استشارية ممثلة بالأساتذة والمختصين، والأمر الأهم في نجاح الفيلم هو صدق الممثلين الذين هم أبناء المخيم خلال أداء الأدوار، وقد انعكس حبهم للمخيم بحساسية عالية ومرهفة أثرت في سرد حكاية فيلمهم.
المساهمون