أوغاريت.. أول أبجدية وأول نوتة موسيقية

27 فبراير 2015
الحفريات الأثرية لم تظهر سوى ثلث المدينة (دي أغوستينو/Getty)
+ الخط -
في العام 1928، كان فلاح يحرث أرضه كعادته، فعلقت سكة محراثه بحجارة ضخمة. حاول إبعادها ليكمل عمله، فليكشف المجهول تحتها وليتبين أن هذه الحجارة سقف لمدفن أثري. انتشر الخبر في أرجاء اللاذقية، فانطلقت أعمال الحفر والتنقيب بقيادة عالم الآثار الفرنسي كلود شيفر، لتظهر نتائج التنقيب في الموقع مملكة من أشهر الممالك السورية في تاريخ الشرق القديم. 
يحمل الموقع حالياً اسم رأس شمرة؛ وسبب هذه التسمية كثرة انتشار نبتة ذات رائحة عطرة تعرف بالشمرة عند أهالي المنطقة.

أما
، وقد وجد في الرقيم المكتشف في عاصمة مملكة ماري القديمة على الفرات. وفي القرن الثالث عشر قبل الميلاد كان اسم أوغاريت معروفاً وقد اشتق من كلمة أوغارو، التي تعني الحقل في اللغة الأكادية؛ فالموقع يتوسط مساحة كبيرة من الحقول المزروعة حالياً بأشجار الحمضيات المنتشرة في الساحل السوري.

عند دخولك المدينة تشاهد أطلال آثارها الخالدة والشاهدة على حضارة عريقة، رغم أن الحفريات الأثرية لم تظهر حتى الآن سوى ثلث المدينة، وأهم ما ظهر منها الحي الإداري الذي كان يعد الحي الرسمي، ويتصدره القصر الملكي الفخم مع ملحقاته، وتحصينات المدينة ومسكن الحاكم العسكري وقصر الملكة، وأقسام واسعة من أحياء المدينة كحي المعابد، ومعبد الإله دجن ومعبد الإله بعل والمكتبة وعدد كبير من القبور، بالإضافة إلى منشآت اقتصادية مثل معصرة للزيتون، وقصر إدارة التجارة الخارجية والحوانيت، والأدوات التي كانت تستخدم فيها؛ فقد نشط الأوغاريتيون بالزراعة والحرف وصناعة الأقمشة، والأصبغة الأرجوانية التي نالت وقتها شهرة عالمية، واشتهرت بالتجارة البحرية؛ فالفينيقيون جعلوا المتوسط بحيرة خاضعة لسلطانهم، وقد كانت تقوم بتصدير منتوجاتها عن طريق مينائها الذي يعرف حالياً باسم المينا البيضا، والذي تحول نقطة عسكرية منذ سبعينيات القرن الماضي.

الميزة الأبرز لأوغاريت والشهرة الواسعة التي اكتسبتها، جاءت من خلال اكتشاف أول أبجدية فيها على رقم فخاري محفوظ حالياً في متحف دمشق الوطني، وحجمه صغير جداً فطوله 5.5 سنتم وعرضه 1.3 سنتم، وتتألف الأبجدية الأوغاريتية من ثلاثين حرفاً.

اللغة الأوغاريتية تتطابق مع الجذور اللغوية العربية التي تظهر في العدد الهائل من الألفاظ المشتركة بين اللغتين، وكذلك في البناء اللغوي الذي أثبتت دراسته المقارنة مع اللغات الشرقية الأخرى أنه واحد، وبالنسبة للمفردات يبلغ عدد الكلمات الأوغاريتية الواردة في النصوص المكتشفة ما يقارب ألفين وسبعمئة وثمانيَ وستين كلمة، يتضمن هذا العددُ أسماء الآلهة، وأسماء الأشخاص، وأسماء الأماكن.

واكتشفت في المدينة أقدم نوتة موسيقية معروفة في العالم؛ والمتمثلة بلوحات مسمارية تعود إلى 3400 عام قبل الميلاد، وقد استطاع المؤلف الموسيقي ماك جندلي أن يعيد توزيعها وحوّلها عملاً موسيقياً فريداً بعنوان "أصداء من أوغاريت". وذلك بعد أن أضاف إليها الإيقاع والهارموني والتوزيع، وعزفها على البيانو برفقة فرق موسيقية على أهم المسارح في العالم؛
وهذه النوتة هي السلم الموسيقي لنشيد زوجة إله القمر.


وتدور فكرة العمل حول حكاية زواج لم يثمر أطفالاً، فنتج منه حزن وألم، فجاءت الحكاية مناحة ورثاء لحال الزوجة التي لا تنجب أطفالاً، وكأنها تسأل زوجها عن سبب عقمها، وهو الذي يمنح الأطفال للأزواج.
نهاية أوغاريت
تعرضت أوغاريت لدمار شامل قضى على المدينة إلى غير رجعة، وهناك فرضيتان لهذا الدمار، الأولى: أنها تعرضت لزلزال شامل قضى عليها بشكل مدمر. والثانية: أنها تعرضت لغزو لم يبقِ في المدينة أي حياة أو روح.

اليوم يبلغ عدد سكان المجتمع المحيط بأوغاريت نحو أربعة آلاف نسمة، يعتمدون في معيشتهم على الزراعة المروية من مياه الآبار الغزيرة ومياه الري الآتية من النهر الكبير الشمالي (نهر في اللاذقية). وأهم المحاصيل الزراعية الزيتون والحبوب والحمضيات حديثاً، وتشكل هذه الزراعات عماد النشاط الاقتصادي، وتذكر الروايات أن أول من زرع الحمضيات على الساحل السوري السيدة الفرنسية أوديت.

وأوغاريت كانت موقعاً سياحياً تراثياً مدرجاً على قائمة الوفود السياحية، والتي كانت تأتي لزيارته من مختلف أنحاء العالم لتتعرف إلى الحضارة السورية القديمة وإنجازاتها، أما الآن فحالها يرثى لها بعدما أقفرت من زائريها، وأصبحت حجارتها صمّاء بعد أن كانت تزدهي بزائريها.
دلالات
المساهمون