"عناية مشددة": واقع درامي بكاميرا إخبارية

07 يوليو 2015
مسلسل "عناية مشددة" (العربي الجديد)
+ الخط -

تفاصيل لا يدركها عدد من صانعي الصورة في الدراما السورية اليوم الذين أضاعوا البوصلة، خلال سعيهم خلف نقل الواقع.

أطاح صنّاع الدراما بكل الجماليات المأمولة من عملية التخييل البصري استجابةً لإثارة الصورة، ليتحولوا من فنانين دراميين إلى موثقين، وهذا الأخيرة مهمة سواهم لا مهمتهم. وذلك كله يبدو أن أكثر ما هو معني به هو صانع الصورة في مسلسل "عناية مشددة". 

لنتجاوز جدل النقاش حول أن "جميع الحكايا والقصص في عناية مشددة مأخوذة من الواقع السوري، ولن نقوم بتجميل ذاتنا ونكذب على المشاهد..." ، كما كتب مخرج العمل أحمد إبراهيم أحمد على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، وأن "..الهدف هو تسليط الضوء على هذه النماذج في المجتمع كي لا يقع البعض ضحيتها.."، كما يؤكد الرجل في معرض دفاعه عن العمل في وجه سيل من الانتقادات نالته.

فما تنقله مئات المقاطع المحملة على شبكة "يوتيوب" تؤكد أن الواقع أسوأ أحياناً مما صوره في ما يتعلق بمسألة العنف، تحديداً، أما ما يتعلق بمهمة التحذير والتنبيه ونبالة الهدف من إيراد نماذج عن العنف والإيحاءات الجنسية، فتلك أيضاً مسألة مفترضة من أي عمل درامي، ما دمنا اتفقنا أن مهمة الدراما التلفزيونية اليوم، باتت تتجاوز حيز الترفيه بكثير. وبالتالي ليست المشكلة بما عرضه مسلسل "عناية مشددة" وسواه من مشاهد العنف والجنس، وإنما في كيفية عرضها، وهو الأمر الذي يجعلنا نتحدث هنا عن صانعي الصورة في الدراما التلفزيونية بالتحديد، لا عن كاتبي مضامينها على الرغم من أن هؤلاء هم من تقع عليهم بعض المسؤولية في صنع الصورة.

إن مشاهد عنف مثل التي أدتها شخصية "هموم" (أمانة والي) وعصابة "زكوان" (مهيار خضور)، كما مشاهد الإيحاءات الجنسية لشخصيتي "عتاب" لينا كرم، و"نهلة" حلا رجب، ينقصها التخييل، أي ينقصها ما يجعلها تنتقل من حيّز الصورة الوثائقية إلى حيّز الصورة الدرامية، وفي الحالتين لا يفارق المضمون الواقع ولا يجمّله، ولكنه يحترم قواعد الفن وعقل المشاهد. فملاحقة أثر ضوء الشمعة، على سبيل المثال، لا يغيب حقيقة اشتعالها، ولكنه يأتي بتصور فني عنه، وإلا ما فارق بين الفني واللافني في تصوير الشمعة؟

الكلام على هذا النحو يعني أن عنصر الإيهام الذي تنطوي عليه عملية التخييل التي نطالب صانع مشاهد العنف والجنس بها، لا تفقد المتلقي السبيل إلى الهدف المقصود، وإنما تبقي الهدف في المعنى وتترك للمشاهد دور تشكيل الصورة بالمخيلة، وهو تشكيل يعتمد على التجربة أولاً والمعرفة المسبقة للمشاهد وإدراكه لما حدث ويحدث.

اقرأ أيضاً: الدراما السورية: حمل الكم الكاذب ورهان النوع المحكوم بالأمل

ذلك التخييل يمكن أن يدركه المشاهد ويستدعيه على نحو تلقائي عبر المعاني وأسلوب تحرك الصورة وتوقفها عند حد بعينه، وذلك عبر وسائط عديدة لا تقتصر على العين وإنما تشمل العقل والقلب والعاطفة، وفشل المتلقي في تخيل الصورة المطلوبة أو ما تبقى منها، هو في واقع الأمر فشل لصانعي المشهد الدرامي في صياغة المعاني ونقل صورتها، لا فشل للمشاهد في إدراكها.

إنها عملية إبداعية ينجزها المخرج/الفنان بمزج ما هو واقعي بما هو فني، وما هو محسوس بما هو متخيل، وبمقدار بلاغة السياق الدلالي لهذا المنجز بمقدار ما يدركه المشاهد ويدرك مراميه.

لطالما قلنا إن المخرج مفكر لا مجرد مولف صور، وأن واحدة من المهارات الإخراجية التي يفتقدها كثير من مخرجي الدراما اليوم هو إقرار اللحظة التي يجب بعدها إنهاء المشهد، وعن مسلسل "عناية مشددة" بالذات قلنا إن المشكلة الأساسية تكمن في عدم القدرة الإخراج على قراءة النص، وهذه الأخيرة هي أيضاً واحدة من المهارات الإخراجية التي لا بد أن يتقنها من يتصدى لتجسيد نص تلفزيوني.

ليس مطلوباً من المخرج الدرامي قراءة النص وحسب، بل عليه قراءة المُشاهد الذي يتوجه له أيضاً، وإدراك ما نسميه بـ "سيكولوجية المشاهدة" المتغيرة مع تغير المجتمع وأحواله، وكل ما يغفل ذلك أو يتغافل عنه، ينتقل من درجة الإخراج إلى درجة مولف الصورة، وعندها يليق به اسم لقب "مونتير" لا لقب "مخرج"، مع العلم أن المونتاج الدرامي فن لا يقل أيضاً عما ينجزه المخرج في صياغة الصورة.

"عناية مشددة" تأليف علي وجيه ويامن الحجلي، إخراج، أحمد إبراهيم أحمد، وبطولة: عباس النوري، أيمن رضا، مهيار خضور، يامن الحجلي، سليم صبري، فادي صبيح، رامز الأسود، أمانة والي، مرام علي، حلا رجب، علي كريم ، محمد قنوع، مهند قطيش، غادة بشور.

اقرأ أيضاً: باب واحد لمسلسلَين سوريين: كسل الكاميرا أم أوزار الحرب؟
المساهمون