باحثتان مصريتان تكشفان لغز مومياء المرأة الصارخة

02 اغسطس 2024
اكتشفت بعثة أميركية مومياء المرأة الصارخة في مدينة الأقصر عام 1935 (سحر سليم)
+ الخط -

في عام 1935، اكتشف باحثون في الدير البحري بالقرب من الأقصر، في جنوب مصر، تابوتاً خشبياً يحوي مومياء امرأة مسنة، ترتدي شعراً مستعاراً أسود وحلقتين على شكل خنفساء من الفضة والذهب. لكن ما لفت انتباه علماء الآثار كان تعبير المومياء: بفم مفتوح على اتساعه، وكأنها تطلق صيحة رعب، ليطلقوا عليها اسم "مومياء المرأة الصارخة".

في دراسة جديدة نشرت الجمعة في مجلة Frontiers in Medicine، بعد مرور نحو 3500 عام على دفن المرأة، استخدمت باحثتان من مصر أحدث التقنيات العلمية لفحص مومياء المرأة الصارخة والتعرف على حياتها ووفاتها.

لقد ساد اعتقاد منذ مدة طويلة بأن تحنيط المرأة كان سيئاً، ما قد يفسر تعبير وجهها المروع، حيث أهمل المحنطون إغلاق فمها قبل دفنها. لكن الدراسة الجديدة التي أجرتها الباحثتان أستاذة الأشعة التشخيصية بكلية طب القصر العيني في جامعة القاهرة سحر سليم، والباحثة الآثارية سامية الميرغني، توصلت إلى خلاف ذلك، وتعتقدان أن المرأة ربما ماتت أثناء تعرضها للتعذيب الشديد.

وأوضحت سليم في حديث مع "العربي الجديد" أن المومياء عثر عليها في مقبرة عائلة سنموت (رجل الدولة والمهندس المعماري المهم في زمن الملكة حتشبسوت)، بواسطة بعثة متحف المتروبوليتان في نيويورك في الدير البحري في الأقصر عام 1935. كانت المرأة المحنطة ترتدي شعراً مستعاراً طويلاً، وكان فمها مفتوحاً على مصراعيه وكأنها تصرخ، ومن هنا جاءت تسميتها بـ"مومياء المرأة الصارخة".

أظهرت صور الأشعة المقطعية أن المخ والأحشاء بالكامل لا تزال داخل جسم المومياء ولم يكن هناك شق تحنيط في بطن المومياء على عكس أسلوب التحنيط القياسي في عصر المملكة الحديثة في مصر القديمة. كما أثبت تحليل عينات المومياء وجود مواد تحنيط مستوردة باهظة الثمن مضادة للحشرات على سطح المومياء (مثل راتنج العرعر واللبان). وقد أظهرت الأشعة المقطعية والفحوصات طريقة تصنيع الشعر المستعار المصنوع من ألياف النخيل المعالجة بخشب العرعر والمطلية ببلورات معدنية لإضفاء لمعان ولون أسود على الشعر المستعار.

تضيف أستاذة الأشعة التشخيصية أن الفحص كشف أن حالة الحفظ الجيدة للمومياء ترجع إلى استخدام مواد التحنيط على سطح الجسم، وهو ما يدحض الاعتقاد السائد بأن عدم إزالة الأحشاء الداخلية يعني سوء عملية التحنيط.

تدعم هذه الدراسة وجود تجارة قديمة لمواد التحنيط في مصر. "وقد أدى التحنيط الجيد إلى استبعاد إهمال المحنطين في إغلاق الفم المفتوح بشكل طبيعي بعد الوفاة، وهو ما فتح المجال أمام تفسيرات أخرى للفم المفتوح على نطاق واسع. قد يشير تعبير وجه المومياء في هذه الدراسة إلى تشنج جثي، ما يشير إلى أن المرأة ماتت وهي تصرخ من الألم".

التشنج الجثي، أو تشنج ما بعد الوفاة، هو نوع من التصلب الذي يظهر الفعل النهائي قبل الموت، والذي يحدث بعد ضائقة بدنية أو عاطفية شديدة تؤدي إلى تصلب العضلات فور الوفاة وعدم قدرتها على الاسترخاء. في حالة المرأة الصارخة، قام المحنطون بتحنيط الجثة قبل تحللها أو ارتخائها، ومن المحتمل أيضاً أن العضلات المتقلصة كانت تمنع المحنطين من إغلاق الفم.

في الدراسة الجديدة، استخدمت سليم طريقة إشعاعية متقدمة (التصوير المقطعي المحوسب) وبرامج متقدمة لإعادة بناء الصور لتشريح المومياء افتراضياً وتقدير عمرها وتحديد الأمراض وحالة الحفظ والبحث عن سبب الوفاة المحتمل. كما استخدمت المؤلفتان المجهر الإلكتروني الماسح (SEM)، ومطيافية تحويل فورييه للأشعة تحت الحمراء (FTIR)، وتحليل حيود الأشعة السينية (XRD) لتحديد المواد المختلفة المتعلقة بالجسم المحنط.

استغرق العمل على هذه الدراسة قرابة ثلاث سنوات، وتؤكد الباحثة أن التحنيط في مصر القديمة لا يزال يحمل العديد من المفاجآت، مضيفةً: "نستمر في التعرف عليه ومراجعة معتقداتنا السابقة بناء على الحقائق التي تم الحصول عليها من خلال الأساليب العلمية المستخدمة لحل هذا اللغز".

المساهمون