القتل لأجل السلطة

15 ابريل 2016
القرابين البشرية ساعدت على حياة اجتماعية (Getty)
+ الخط -
حفلت الكثير من الثقافات في التاريخ بتقاليد الأضحيات البشرية، والتي كانت الغاية الصريحة منها اتقاء غضب الآلهة ودفع شرورها، وإنْ بطريقة دموية. لكن يبدو من الأمر أنه كان لعمليات القتل الشعائرية هدف آخر أكثر دنيوية. فالأضحيات البشرية كانت من الوسائل التي ساعدت القبائل القديمة على الارتقاء والتطور إلى المجتمعات الحديثة. هذه هي الفرضية التي يحاول مقال علمي نشره باحثون من جامعة أوكلاند في مجلة "Nature" أن يبرهن عليها. يرى هؤلاء الباحثون أن هذه القرابين البشرية ذات الخلفية الدينية قد ساهمت في كثير من الحالات في تكريس هرميات السلطة وبنى القوة داخل الجماعات، وهو ما كان شرطاً حاسماً لنشوء نمط المجتمعات الحديثة.


ثمة الكثير من الوثائق التاريخية، التي تشير إلى ممارسة أغلب أديان الأرض لطقس الأضحية البشرية، في أوروبا لدى الجرمانيين والغاليين، ولدى الإغريق والإتروسكان. كذلك في الصين وبلاد ما بين النهرين، وفي حضارة الآزتك وهاواي عثر الباحثون على ما يشير إلى هذه الممارسة. في كثير من الحالات، لا يتّضح ما إذا كان قد ضُحّي فعليّاً بالقرابين، أم توقف الأمر على القيمة الرمزية للاستعداد للتضحية. المثال الأشهر على ذلك، هي القصة التوراتية عن النبي إبراهيم، الذي امتنع في اللحظة الأخيرة، وبأمر من أحد الملائكة عن ذبح ابنه اسحق.
وكان باحثون قد أجروا دراسات على 93 حضارة تتكلم إحدى اللغات الأسترونيزية، في تايوان ومناطق واسعة من جنوب شرق آسيا ونيوزلندا وبحر الجنوب ومدغشقر وهاواي. وقد بيّنت الدراسات على نحو مُؤكد ممارسة التقاليد القربانيَّة فيها بالمعنى الحرفي، حيث كان يُضحّى بالبشر فعلياً. وفي الدراسة المشار إليها، استطاع الباحثون أن يثبتوا أنَّ المجتمعات التي كان فيها شكلٌ ما من المساواة داخل أفرادها، لم تُسَجَّل فيه ظاهرة الأضحيات بشرية إلا نادراً.



كلما توطدت بنى السلطة الهرمية في الجماعة كلما تواترت شعائر التضحية بالبشر. وفي العادة يكون هؤلاء ممن ينتمون إلى شرائح اجتماعية دنيا كالعبيد. "نتائجنا ترجّح أن القرابين البشرية ساعدت في الانتقال بالإنسان من نمط الجماعات القليلة العدد والمتساوية الحقوق التي عاش فيها أجدادنا الأوائل، إلى المجتمعات الكبيرة الهرمية التي نعيش فيها اليوم"، يقول الباحثون. وتبعًا لذلك يبدو أن الأضحيات البشرية كانت وسيلة مرعبة لممارسة السلطة، وضريبة دموية لتحول البشرية إلى نمط الحياة الحديث. هذه الخلاصة يؤكدها، من جهة أخرى، الآثاري الألماني، ديرك شتويرناغل، من جامعة "ريغينسبورغ" والذي أجرى أبحاثاً على شعائر القرابين الرمزية والواقعية في العصور الأوروبية القديمة، إذ يقول: "سواء في الأضحيات البشرية والحيوانية، فإن تقصّد الممارسة العلنية لهذه الطقوس كان يعين أصحاب السلطة على إظهار تحكمهم بحياة وموت الآخرين".
دلالات
المساهمون