الفيلم الوثائقي اللبناني الجديد: جمالية السينما

19 ديسمبر 2016
لقطة من "مخدومين" لماهر أبي سمرا
+ الخط -
منذ أعوام عديدة، يُثبت الفيلم الوثائقي اللبناني حضوره في المشهد السينمائي العربي. كثيرون يقولون هذا، مؤكّدين تطوّره، ومعتبرين تطوّره هذا تفوقاً سينمائياً على نتاجات عربية، من دون تناسي جودة بعضها وأهميته.

للفيلم الوثائقي اللبناني ميزة التحرّر من تقنيات وأساليب قديمة، بقيامه بالخطوة الأولى في إنجاز "الدوكيو دراما"، أو "الوثائقي المتخيّل". مزيج الروائي بالمتخيّل يُتيح للبنانيين عديدين إمكانية تحقيق أنماطٍ سينمائية، ترتكز على حكايات ذاتية بحتة، مستلّة من الحرب الأهلية اللبنانية، أو عائدة إليها، عبر راهنٍ مليء بأسئلة معلّقة.

النتاج السينمائي اللبناني أغزر، على المستوى العربي. والغزارة غير مُبْتعدة عن جودة بصرية في مقاربة الحكايات والانفعالات والذاكرة والأنا والعلاقات المتداخلة بين الخاص والعام. بعض العناوين اللبنانية لن ترتقي إلى مصافّ الإبداع المعروف في عناوين أخرى، ومنها ما يتوغّل في متاهات أسئلة ممنوعة وقضايا محرَّمة، لن يقف سينمائيون لبنانيون على الحياد إزاءها. أسئلة وقضايا سياسية، لكنها في الأساس جزءٌ من اجتماع بلدٍ غير متعافٍ من جروح حربٍ لن يُراد لها أن تلتئم، فإذا بهؤلاء السينمائيين يمسّون بمحرَّم وممنوع سياسياً وطائفياً، بجمالية وثائقية واضحة.



حصول فيلمين وثائقيين لبنانيين على جائزتين اثنتين، في "مسابقة المهر الطويل"، في الدورة الـ13 (7 ـ 14 ديسمبر/كانون الأول 2016) لـ "مهرجان دبي السينمائي الدولي"، دافعٌ إلى إعادة طرح سؤال القيمة الجمالية، المفتوحة على الثقافي والإنساني والاجتماعي والذاتي، لهذا النوع من العمل السينمائي. إليان الراهب تُنجز "ميِّل يا غزيِّل"، فتنال جائزة لجنة التحكيم الخاصّة؛ وماهر أبي سمرا يُحقِّق "مخدومين"، فيحصل على جائزة أفضل فيلم غير روائي. فيلمان يُكملان مساراً تطورياً لحالة سينمائية لبنانية، يُقرّ نقّادٌ وسينمائيون عرب عديدون بأهميتها الجمالية والإبداعية.

تستمر إليان الراهب في الحفر عميقاً في البنيان اللبناني المتنوّع. في جديدها، تتّخذ من مُزارع مسيحي يُدعى هيكل شخصية أساسية لسرد حكاية بلدٍ واقعٍ في جغرافيا التناقضات المحيطة به. يريد هيكل حياة هادئة. في منطقة جبلية في مرتفعات عكار (شمال لبنان)، يُنشئ مزرعة ومطعماً، ويواجه انقلاب الأقدار حوله، من كسّارات وأزمة سورية وتحوّلات الاجتماع والعيش. وباختيارها، كعادتها، شخصية فرد واحد لتفكيك العام والجماعة، تُضيف الراهب فصلاً من فصول الحكايات الممنوعة في لبنان. ويفتح ماهر أبي سمرا، مجدّداً، ملف الخادمات الأجنبيات في المنازل اللبنانية، الذي يتداخل فيه السياسي بالأمني والاجتماعي والثقافي، والذي يكشف اتّساع الانهيارات الأخلاقية والفكرية والإنسانية، في بلدٍ تزداد فيه وحشية التنانين الدموية المختلفة.

هذه ملاحظات أولى، تضع الفيلم الوثائقي اللبناني، مجدّداً، أمام تحدّ إضافي، يكمن في أولوية استكمال مشروعه السينمائي.

دلالات
المساهمون