وأعلنت عن أسماء الفنانين وصناع الأفلام القطريين والدوليين الذين كلفتهم بتصميم أعمال تسهم في صناعة التجربة المتحفية، ومنهم: علي حسن، وبثينة المفتاح، وعائشة السويدي، وسيمون فتال، وجان ميشيل أوثونيل، إلى جانب صانعَي الأفلام جنان العاني، وعبد الرحمن سيساكو، وغيرهم.
وسيحظى زائرو المعرض بتجربة تفاعلية مثيرة في صالات عرض المتحف الجديد الفريدة من نوعها.
وتتمتع كل واحدة منها بشخصيتها المستقلة وبيئتها الشاملة، مقدمة فصلاً من فصول قصة قطر، معتمدةً في ذلك على الوسائل الفنية التي تتنوع بين الموسيقى والشعر والمرويات الشفوية والروائح المثيرة للذكريات والمقتنيات التراثية والأعمال الفنية المصممة خصيصاً للعرض في المتحف، إلى جانب العديد من الأفلام، وغيرها من الوسائل الفنية الأخرى.
وعبر هذه الصالات، ينطلق الزائر في رحلة تبدأ من الزمن الذي نشأت فيه شبه الجزيرة القطرية قبل ملايين السنين، ثم يمضي في طريقه متتبعاً تطور البلاد، حتى يحط الرحال في العصر الحالي بكل ما فيه من إثارة وتنوع، مستكشفاً على طول الطريق تراث قطر وثقافة شعبها عبر التاريخ ومستشرفاً أحلام أبنائها تجاه المستقبل.
وبهذه المناسبة، قالت رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر، الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، إن المتحف سيغدو "منصة استثنائية ترحب بالمجتمع الدولي وتمد جسور الحوار والتواصل مع الجميع في شتى دول العالم".
بدأت الخطوة الأولى قبل الشروع في البناء بعقد حوار مجتمعي موسع اشتمل على أكثر من 12 جلسة شارك خلالها مئات القطريين للحديث عن نوعية المحتوى الذي يرغبون في مشاهدته بمتحفهم الوطني.
كما سجل المتحف الوطني أكثر من 500 مقابلة شخصية مصورة استمع فيها إلى مرويات تاريخية. وكانت هذه المقابلات كفيلة بالحصول على كم هائل من المعلومات المتعلقة بنمط الحياة القديم في قطر، وقد شكلت هذه المرويات لاحقاً جزءاً رئيسياً من محتوى المتحف الوطني.
هذا إلى جانب النقاشات المعمقة مع الخبراء المحليين من مختلف التخصصات، التي ساهمت في رسم الخطوط العريضة للموضوعات التي ستتناولها صالات العرض في المتحف.
وضم فريق العمل المحلي في "متحف قطر الوطني" خبراء وعلماء في التراث والآثار والأحياء والتاريخ والسياسة من "جامعة قطر" و"جامعة حمد بن خليفة" و"كلية لندن الجامعية في قطر" و"مركز أصدقاء البيئة" و"ميرسك للبترول" وغيرها من المؤسسات المرموقة في الدولة.
وقد أنشأ هذا الفريق شراكات مع مؤسسات دولية منها "ليدن ناتشراليز" (لأبحاث التاريخ الجيولوجي والطبيعي)، و"أوتومن أركايفز" (للوثائق النادرة المرتبطة بفترة الحكم العثماني في المنطقة)، و"متحف التاريخ الطبيعي في لندن" (المتخصص في علم الحفريات القديمة)، و"متحف موسغارد في الدنمارك" (نظراً لجهوده الأثرية والأنثروبولوجية الرائدة في قطر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي).
وبالاعتماد على البحوث والمرويات والمواد التي جمعها فريق "متحف قطر الوطني"، بدأ الفريق بتحديد الموضوعات التي سيتناولها المتحف، وهي: البدايات، والحياة في قطر، والتاريخ المعاصر لقطر.
وتوصل فريق المعارض إلى تصور يتمثل في عرض محتوى هذه الموضوعات، على شكل رحلة تتكشف معالمها شيئاً فشيئاً، كلما مر الزائر بصالة من صالات العرض التي تتمتع كل واحدة منها ببيئتها المتعددة الجوانب والبانورامية المميزة.
ولمعرفة مدى تقبل الناس لهذه الموضوعات والأفكار، أطلق المتحف الوطني معرضاً تجريبياً استمر لثلاثة أشهر يروي من خلاله قصة القصر التاريخي للشيخ عبد الله الذي كان يتخذه مسكناً ومقراً للحكم، وصار بعدها مبنى للمتحف القديم. وقد زار هذا المعرض 11 ألف زائر وأعربوا عن مدى ارتباطهم به، ليدرك موظفو متحف قطر الوطني بعدها أنهم ماضون على الطريق الصحيح.
وقد صار قصر الشيخ عبد الله بن جاسم الذي جرى ترميمه بعناية فائقة القلب النابض لمتحف قطر الوطني الجديد، الذي صممه المعماري الشهير جان نوفيل على صورة يبدو معها من الخارج كنبتٍ عملاقٍ يخرج من الأرض يشبه وردة الصحراء.
ولكي تكون صالات العرض نابضة بالحياة ومصدراً للتفاعل الجماهيري، كلف "متحف قطر الوطني" مجموعة مختارة من صناع الأفلام دولياً، بإنتاج عدد من الأفلام، تحت إشراف مؤسسة الدوحة للأفلام، وتُعرَض على جدران صالات العرض بمساحتها الواسعة.
وقد صمم كل فيلم ليناسب عرضه جدار صالة العرض بشكل تام، وهو ما منح كل فيلم بصمة خاصة بأن جعله صالحاً فقط للعرض على جدار بعينه، وليس أي جدار آخر، ومع عرض هذه الأفلام على أحجام الجدران العملاقة، صارت هذه الجدران وكأنها صور متحركة بديعة.
فعلى سبيل المثال، كلف متحف قطر الوطني جنان العاني، المولودة في العراق والمقيمة في المملكة المتحدة، أن تصنع فيلماً مدته عشرون دقيقة عن المواقع القطرية والقطع الفنية القديمة للعرض في صالة الآثار.
تشتهر العاني بأعمالها المميزة في مجال التصوير الفوتوغرافي والسينمائي، وقد عرضت في "تيت مودرن"، و"متحف الفن الحديث"، و"مركز بيروت للفنون"، و"بيينالي البندقية" وغيرها من الجهات الأخرى. وقد تعاونت العاني مع "مؤسسة الدوحة للأفلام" وفريق من خبراء الآثار لتقديم فيلم تأملي بعنوان "الآثار".
صور المشروع عام 2017، لمدة أربعة أسابيع بواسطة طائرة مسيرة متطورة حلقت فوق أراض قطرية في رحلة جوية وثقت خلالها تاريخ الاستيطان البشري في قطر بداية من مجتمعات الصيد وجمع الثمار في العصرين الحجري القديم والحديث، حتى مستوطنات العصر البرونزي وما وراءها.
وبالتناوب مع المشاهد الملتقطة في هذه الرحلة الجوية، يعرض الفيلم صوراً دقيقة لآثار قديمة تشمل شفرات من حجر الصوان ترجع إلى العصر الحجري الحديث، ونصال أسهم من العصر الحديدي، وعملات معدنية قديمة، وأعمالاً خزفية إسلامية تعود إلى القرن الثامن عشر.
ومن بين صناع الأفلام الذين شاركوا في صناعة هذه الأفلام، المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو (صاحب فيلم في انتظار السعادة، تمبكتو)، الذي كلفه "متحف قطر الوطني" بإنتاج فيلم قصير، لعرضه في صالة العرض المخصصة لحياة البر.
أنتج سيساكو فيلماً مدته تسع دقائق، واستمر تصويره سبعة أيام في شهر مارس/ آذار عام 2017، قي منطقة روضة الغدريات في الصحراء الشمالية لقطر.
وجاءت مشاهد هذا الفيلم باللونين الأبيض والأسود، لتشبه الأفلام الكلاسيكية القديمة، وفيه يظهر أفراد من عائلة النعيمي التي أمدت الفيلم ببعض الدعائم والحيوانات اللازمة.
ويصطحب الفيلم، المبني على بحث عميق ومادة أصيلة، الزائرَ في رحلة إلى الصحراء، يعيش خلالها يوماً عادياً في حياة البدو خلال فترة الخمسينيات والستينيات.
ويوثق الفيلم الثاني لسيساكو مدينة الزبارة في ذروة مجدها، حيث يرصد حركة المواطنين والتجار في هذا المركز التجاري الحي طيلة اليوم من قبل أذان الفجر. ويقدم الفيلم لمحة عن الأسواق المفتوحة والجِمال التي تحمل البضائع ومجالس تجار اللؤلؤ الأثرياء وهم يرتشفون الشاي ويعقدون صفقاتهم.
ولإثراء التجربة المتحفية بمزيد من المشاعر والخيال، كلف "متحف قطر الوطني" مجموعة من الفنانين المحليين والإقليميين والدوليين بإبداع أعمال جديدة للعرض داخل المبنى وفي ساحاته الخارجية الواسعة.
ومن هذه الأعمال منحوتة للفنانة سيمون فتال بعنوان "بوابات البحر" توجد بالممر المؤدي لمدخل المتحف، وتثير هذه المنحوتة في النفس شعوراً بأن الماضي لا يزال حياً مرتدياً عباءة الحاضر، وهو عمل مستلهَم من النقوش الصخرية المكتشفة في منطقة الجساسية في قطر.
وعلى جدار داخلي في المتحف، يرتفع عمل فني للفنان القطري علي حسن بعنوان "حكمة أمة" مرحباً بالزائرين. ويحاكي هذا العمل في تصميمه العلم القطري مصحوباً ببيت شعري للشيخ جاسم بن محمد آل ثاني، مؤسس قطر الحديثة.
وأمام مدخل صالات العرض الدائمة، عمل فني للفنان القطري الشيخ حسن بن محمد آل ثاني، بعنوان "الوطن الأم"، وفيه تتجلى العلاقة التي تربط بين الصحراء والبحر ونساء قطر.
وتحتضن باحة المتحف عملين يتوسطان حلقة صالات العرض التي تحيط بقصر الشيخ عبد الله من الخارج. والعمل الأول منحوتة للفنان العراقي أحمد البحراني، بعنوان "راية العز" تجسد قصة الاحتفال السنوي باليوم الوطني مع صورة لأياد متعددة متشابكة وهي ترفع العلم.
والعمل الثاني منحوتة للفنان الفرنسي روش فاندروم بعنوان "في طريقهم"، تتكون من أربعة جمال، وفيها يستحضر الفنان التاريخ الطويل لقطر الذي يصور الحياة النمطية البدوية والاشتغال بالتجارة.
وأخيرًا العمل الفني "ألفا" للفنان جان ميشيل أوثونيل الواقع على بحيرة المتحف الممتدة بطول 900 متر، وهو أحد أبرز معالم الحديقة المحيطة بالمتحف ذات المناظر الطبيعية.
يتكون هذا العمل الضخم من 114 نافورة سوداء اللون، صممت على نحو يحاكي أشكال الخط العربي برشاقته المعهودة أو عيدان القصب التي يستخدمها الخطاطون أقلًاما. وتعمل هذه النوافير مرة كل ساعة.