بعد انتظار طويل، أُعلنت ـ مساء الأحد، 9 فبراير/ شباط 2020 بتوقيت لوس أنجليس ـ نتائج النسخة الـ92 لجوائز "أوسكار"، التي تمنحها سنوياً "أكاديمية فنون الصورة المتحركة وعلومها". توقّعات صحافية ونقدية، تميل غالبيتها إلى التمنّيات، صَدَقت، مقابل توقّعات أخرى لم تجد ترجمة لها، في الحفلة المُقامة في "مسرح دولبي"، في "مركز هوليوود وهايلاند". مبالغات كثيرة قيلت في معرض التوقّعات، وقلّة تمكّنت من رصد مسار النتائج، منذ الترشيحات الرسمية في 13 يناير/ كانون الثاني 2020، كما في محطات أساسية أخرى، متمثّلة بجوائز "غولدن غلوب" الأميركية و"بافتا" البريطانية.
لكنّ النتيجة "الأسوأ" في جوائز عام 2020، بالنسبة إلى البعض، كامنةٌ في الغياب التام لـ"الأيرلندي" لمارتن سكورسيزي، رغم الاهتمام النقدي والصحافي به، منذ بدء عروضه التجارية القليلة في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قبل 26 يوماً من بدء بثّه على المنصّة الأميركية "نتفليكس". كلامٌ قيل بضرورة تكريم الفيلم وصانعه والعاملين فيه، لكنّه ظلّ مجرّد كلام، فأعضاء الأكاديمية لم يمنحوه شيئاً، رغم 10 ترشيحات رسمية، بعضها في الفئات الأساسية، أي أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل ممثل ثان، نالها آل باتشينو وجو بيتشي.
أما "جوكر" لتود فيليبس مثلاً، ففاز بجائزتين اثنتين فقط، في فئتي أفضل ممثل لواكِين فينيكس وأفضل موسيقى أصلية لهيلدور غوينادوتّي، من أصل 11 ترشيحاً أثارت جدلاً، نتيجة توافق شبه كامل على عدم استحقاقه الحصول على هذه الترشيحات كلّها، باستثناء إجماع كامل تقريباً على استحقاق فينيكس تلك الجائزة، على غرار فوزه بها في "غولدن غلوب" و"بافتا". هذا حاصلٌ أيضاً مع "حدث ذات مرة... في هوليوود" لكوانتن تارانتينو، المُرشّح لـ10 جوائز، والفائز باثنتين منها فقط، في فئتي أفضل ممثل ثان نالها براد بيت، وأفضل تصميم للإنتاج نالها الثنائي باربَرا لينغ ونانسي هاي.
هكذا تكون الغلبة لـ"1917"؛ فمقابل حصوله على 10 ترشيحات رسمية، فاز الفيلم الأخير لسام مانديس بثلاث جوائز فقط، في فئات أفضل تصوير لروجر ديكنس (أكثر الجوائز حصولاً على توقّعات كثيرين، لما في التصوير من إبهار بصري وجماليات فنية، هي حصيلة الحرفية الإبداعية للمُصوّر السينمائي)، وأفضل ميكساج صوت لمارك تايلور وستيوارت ويلسون، وأفضل مؤثّرات بصرية لغييوم روتشرون وغريغ باتلر ودومينيك تيوبي.
الغلبة ـ الصادمة أكثر من الأولى، رغم التوقّعات الحاصلة منذ فوزه بـ"السعفة الذهبية" في الدورة الـ72 (14 ـ 25 مايو/ أيار 2019) لمهرجان "كانّ" السينمائي وبجوائز كثيرة لاحقاً ـ متمثّلة بفوز "طفيلي (Parasite)"، للكوري الجنوبي بونغ جون هو، بأربع جوائز هي الأبرز: أفضل فيلم للمنتِجَين سين ـ آي واك وجون هو، وأفضل إخراج، وأفضل سيناريو أصلي لجون هو وجين وون هان، وأفضل فيلم أجنبي. هذا التداخل بين جوائز أميركية وواحدة أجنبية يُعيد طرح سؤال بشأن آلية اختيار الأفلام والترشيحات والجوائز. لكنّ "طفيلي" يمتلك مقوّمات سينمائية تُبهر العين، وتحرّض على التأمّل، وتُدهش ببساطة سياقاتها وجماليات معالجتها وقائع الصراع الحاصل بين فئات اجتماعية مختلفة.
كلّ ما قيل بخصوص "الأيرلندي" مثلاً صحيح وواقعي: الفيلم مهمّ، وأهميته كامنة في آلية اشتغاله وتقنياته الجديدة ومساره الدرامي، وفي كشفه للمرّة الأولى هوية قاتل النقابيّ الأقوى في أميركا، جيمي هوفا. وأهميته كامنةٌ أيضاً في أنّه أشبه بشهادة وداع لكبارٍ في الإخراج والتمثيل والاشتغالات الفنية والتقنية، اعتادوا العمل معاً في أكثر من فيلم، فإذا بـ"الأيرلندي" يأتي في مفصل واضح في سِيَرهم الحياتية والمهنية، خصوصاً أنّ أعمار غالبيتهم الساحقة تجاوزت الـ70 عاماً. لكن "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها" بدت غير معنيّة بهذا كلّه، كأنّها مهمومة بأفلامٍ لها ركائز تجارية ما.
في سياق آخر، أثار وجود فيلمين سوريين في لائحة الترشيحات الرسمية لأفضل فيلم وثائقي طويل، هما "إلى سما" لوعد الخطيب وإدوارد واتّس، و"الكهف" لفراس فياض، تمنّيات كثيرة بفوز أحدهما بالجائزة، في مرحلة تشهد مزيداً من الحدّة والعنف في التعامل مع السوريين الباقين في بلدهم، الذي يتعرّض لأقذر حربٍ. وإذْ اعتبر البعض أنّ حصولَهما على ترشيحٍ رسمي كافٍ، فإنّ أهمية الفيلمين منبثقة من كونهما "شهادة سينمائية جديدة"، توثِّق وقائع العيش في الخراب والمَهانة، وحقائق الالتزام الإنساني والأخلاقي إزاء أناسٍ وأحلامٍ وتحدّياتٍ.
غير أنّ الأكاديمية الهوليوودية منحت الجائزة لـ"مصنع أميركي" (نتفليكس)، لستيفن بوغنار وجوليا وجف رايكرت، وهو أول إنتاج للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وزوجته ميشيل: عام 2014، فتح ملياردير صيني مصنعاً في الولاية الأميركية أوهايو، الذي اعتبره سكّان المنطقة مناسبة لاستعادة وظائفهم. تابع الفيلم "صدام ثقافات" بين عمّال صينيين يعملون فيه والأميركيين أبناء المنطقة، الذين (الأميركيين) بدأوا العمل سريعاً على تشكيل نقابة. إذاً، ألا يُمكن القول إنّ أعضاء الأكاديمية الهوليوودية فضّلوا موضوعاً أميركياً، في ظلّ النزاعات المختلفة بين الولايات المتحدّة الأميركية والصين، لمنحه تلك الجائزة؟
من جهتها، نالت رينيه زيلويغر جائزة أفضل ممثلة عن دورها في "جودي" لروبرت غوولد، ولورا ديرن جائزة أفضل ممثلة ثانية عن دورها في "قصّة زواج" لنواه باومباخ (نتفليكس). هذا يُشير إلى "هزيمة" كبيرة تلقّتها المنصّة الأميركية في جوائز النسخة الـ92: فمن أصل 24 ترشيحاً لـ8 أفلام، حصلت "نتفليكس" على اثنين فقط.
أما الجوائز الأخرى، فهي: أفضل فيلم تحريك طويل لجوش كوولاي ومارك نيلسن وجوناس ريفيرا عن "توي ستوري 4" لكوولاي، وأفضل فيلم تحريك قصير لماثيو آي. شيرّي وكارن روبرت توليفر عن Hair Love لشيرّي، وأفضل فيلم قصير لمارشال كورّي وجوليا كينّيلّي وجوناثان أولسن عن The Neighbors’ Window لكورّي، وأفضل سيناريو مقتبس لتايكا واتيتي، مخرج "جوجو رابيت"، وأفضل أزياء لجاكلين دورّان عن عملها في "نساء صغيرات" لغريتا غرويغ
اقــرأ أيضاً
وأفضل فيلم وثائقي قصير لكارول ديسينغر وإيلينا أندري شيفا عن Learning To Skateboard In A Warzone (If You’re A Girl) لديسينغر، وأفضل ماكياج لكازو هيرو وآن مورغان وفيفيان بايكر عن "بومبشيل" لجاي روش، وأفضل أغنية أصلية لـ(I’m Gonna) Love Me Again لإلتون جون (موسيقى) وبيرني توبان (كتابة)، في فيلم "روكتمان" لدكستر فلاتشر. أخيراً، نال "فورد مقابل فيراري" لجيمس مانغولد جائزتي أفضل مونتاج، لمايكل أم. كوسكر وأندرو بوكلاند، وأفضل مونتاج صوت لدونالد سيلفستر.
لكنّ النتيجة "الأسوأ" في جوائز عام 2020، بالنسبة إلى البعض، كامنةٌ في الغياب التام لـ"الأيرلندي" لمارتن سكورسيزي، رغم الاهتمام النقدي والصحافي به، منذ بدء عروضه التجارية القليلة في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قبل 26 يوماً من بدء بثّه على المنصّة الأميركية "نتفليكس". كلامٌ قيل بضرورة تكريم الفيلم وصانعه والعاملين فيه، لكنّه ظلّ مجرّد كلام، فأعضاء الأكاديمية لم يمنحوه شيئاً، رغم 10 ترشيحات رسمية، بعضها في الفئات الأساسية، أي أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل ممثل ثان، نالها آل باتشينو وجو بيتشي.
أما "جوكر" لتود فيليبس مثلاً، ففاز بجائزتين اثنتين فقط، في فئتي أفضل ممثل لواكِين فينيكس وأفضل موسيقى أصلية لهيلدور غوينادوتّي، من أصل 11 ترشيحاً أثارت جدلاً، نتيجة توافق شبه كامل على عدم استحقاقه الحصول على هذه الترشيحات كلّها، باستثناء إجماع كامل تقريباً على استحقاق فينيكس تلك الجائزة، على غرار فوزه بها في "غولدن غلوب" و"بافتا". هذا حاصلٌ أيضاً مع "حدث ذات مرة... في هوليوود" لكوانتن تارانتينو، المُرشّح لـ10 جوائز، والفائز باثنتين منها فقط، في فئتي أفضل ممثل ثان نالها براد بيت، وأفضل تصميم للإنتاج نالها الثنائي باربَرا لينغ ونانسي هاي.
هكذا تكون الغلبة لـ"1917"؛ فمقابل حصوله على 10 ترشيحات رسمية، فاز الفيلم الأخير لسام مانديس بثلاث جوائز فقط، في فئات أفضل تصوير لروجر ديكنس (أكثر الجوائز حصولاً على توقّعات كثيرين، لما في التصوير من إبهار بصري وجماليات فنية، هي حصيلة الحرفية الإبداعية للمُصوّر السينمائي)، وأفضل ميكساج صوت لمارك تايلور وستيوارت ويلسون، وأفضل مؤثّرات بصرية لغييوم روتشرون وغريغ باتلر ودومينيك تيوبي.
الغلبة ـ الصادمة أكثر من الأولى، رغم التوقّعات الحاصلة منذ فوزه بـ"السعفة الذهبية" في الدورة الـ72 (14 ـ 25 مايو/ أيار 2019) لمهرجان "كانّ" السينمائي وبجوائز كثيرة لاحقاً ـ متمثّلة بفوز "طفيلي (Parasite)"، للكوري الجنوبي بونغ جون هو، بأربع جوائز هي الأبرز: أفضل فيلم للمنتِجَين سين ـ آي واك وجون هو، وأفضل إخراج، وأفضل سيناريو أصلي لجون هو وجين وون هان، وأفضل فيلم أجنبي. هذا التداخل بين جوائز أميركية وواحدة أجنبية يُعيد طرح سؤال بشأن آلية اختيار الأفلام والترشيحات والجوائز. لكنّ "طفيلي" يمتلك مقوّمات سينمائية تُبهر العين، وتحرّض على التأمّل، وتُدهش ببساطة سياقاتها وجماليات معالجتها وقائع الصراع الحاصل بين فئات اجتماعية مختلفة.
كلّ ما قيل بخصوص "الأيرلندي" مثلاً صحيح وواقعي: الفيلم مهمّ، وأهميته كامنة في آلية اشتغاله وتقنياته الجديدة ومساره الدرامي، وفي كشفه للمرّة الأولى هوية قاتل النقابيّ الأقوى في أميركا، جيمي هوفا. وأهميته كامنةٌ أيضاً في أنّه أشبه بشهادة وداع لكبارٍ في الإخراج والتمثيل والاشتغالات الفنية والتقنية، اعتادوا العمل معاً في أكثر من فيلم، فإذا بـ"الأيرلندي" يأتي في مفصل واضح في سِيَرهم الحياتية والمهنية، خصوصاً أنّ أعمار غالبيتهم الساحقة تجاوزت الـ70 عاماً. لكن "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها" بدت غير معنيّة بهذا كلّه، كأنّها مهمومة بأفلامٍ لها ركائز تجارية ما.
في سياق آخر، أثار وجود فيلمين سوريين في لائحة الترشيحات الرسمية لأفضل فيلم وثائقي طويل، هما "إلى سما" لوعد الخطيب وإدوارد واتّس، و"الكهف" لفراس فياض، تمنّيات كثيرة بفوز أحدهما بالجائزة، في مرحلة تشهد مزيداً من الحدّة والعنف في التعامل مع السوريين الباقين في بلدهم، الذي يتعرّض لأقذر حربٍ. وإذْ اعتبر البعض أنّ حصولَهما على ترشيحٍ رسمي كافٍ، فإنّ أهمية الفيلمين منبثقة من كونهما "شهادة سينمائية جديدة"، توثِّق وقائع العيش في الخراب والمَهانة، وحقائق الالتزام الإنساني والأخلاقي إزاء أناسٍ وأحلامٍ وتحدّياتٍ.
غير أنّ الأكاديمية الهوليوودية منحت الجائزة لـ"مصنع أميركي" (نتفليكس)، لستيفن بوغنار وجوليا وجف رايكرت، وهو أول إنتاج للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وزوجته ميشيل: عام 2014، فتح ملياردير صيني مصنعاً في الولاية الأميركية أوهايو، الذي اعتبره سكّان المنطقة مناسبة لاستعادة وظائفهم. تابع الفيلم "صدام ثقافات" بين عمّال صينيين يعملون فيه والأميركيين أبناء المنطقة، الذين (الأميركيين) بدأوا العمل سريعاً على تشكيل نقابة. إذاً، ألا يُمكن القول إنّ أعضاء الأكاديمية الهوليوودية فضّلوا موضوعاً أميركياً، في ظلّ النزاعات المختلفة بين الولايات المتحدّة الأميركية والصين، لمنحه تلك الجائزة؟
من جهتها، نالت رينيه زيلويغر جائزة أفضل ممثلة عن دورها في "جودي" لروبرت غوولد، ولورا ديرن جائزة أفضل ممثلة ثانية عن دورها في "قصّة زواج" لنواه باومباخ (نتفليكس). هذا يُشير إلى "هزيمة" كبيرة تلقّتها المنصّة الأميركية في جوائز النسخة الـ92: فمن أصل 24 ترشيحاً لـ8 أفلام، حصلت "نتفليكس" على اثنين فقط.
أما الجوائز الأخرى، فهي: أفضل فيلم تحريك طويل لجوش كوولاي ومارك نيلسن وجوناس ريفيرا عن "توي ستوري 4" لكوولاي، وأفضل فيلم تحريك قصير لماثيو آي. شيرّي وكارن روبرت توليفر عن Hair Love لشيرّي، وأفضل فيلم قصير لمارشال كورّي وجوليا كينّيلّي وجوناثان أولسن عن The Neighbors’ Window لكورّي، وأفضل سيناريو مقتبس لتايكا واتيتي، مخرج "جوجو رابيت"، وأفضل أزياء لجاكلين دورّان عن عملها في "نساء صغيرات" لغريتا غرويغ
وأفضل فيلم وثائقي قصير لكارول ديسينغر وإيلينا أندري شيفا عن Learning To Skateboard In A Warzone (If You’re A Girl) لديسينغر، وأفضل ماكياج لكازو هيرو وآن مورغان وفيفيان بايكر عن "بومبشيل" لجاي روش، وأفضل أغنية أصلية لـ(I’m Gonna) Love Me Again لإلتون جون (موسيقى) وبيرني توبان (كتابة)، في فيلم "روكتمان" لدكستر فلاتشر. أخيراً، نال "فورد مقابل فيراري" لجيمس مانغولد جائزتي أفضل مونتاج، لمايكل أم. كوسكر وأندرو بوكلاند، وأفضل مونتاج صوت لدونالد سيلفستر.