استمع إلى الملخص
- اعتمد البحث على علماء الحفريات لتحديد ترتيب العظام والعضلات في الحيوانات المنقرضة، وبناء نماذج روبوتية بسيطة لفهم تطور المشي في الأسماك القديمة.
- يتيح استخدام الروبوتات للباحثين تعديل النماذج بسرعة، مما يساعد في فهم الضغوط التطورية وتقديم رؤى حول تطور الأنواع تحت ضغوط جديدة.
يمثّل الانتقال من الماء إلى البرّ أحد أهم الأحداث في تاريخ الحياة. في دراسة جديدة نشرت يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مجلة سينس روبوتيكس (Science Robotics)، استخدم فريق من علماء الروبوتات وعلماء الحفريات وعلماء الأحياء، روبوتات لدراسة كيفية انتقال أسلاف الحيوانات البرية الحديثة من السباحة إلى المشي، منذ نحو 390 مليون سنة.
ولاستعادة لحظة مهمة من تاريخ التطور، تتمثّل في خروج الحيوانات المائية من المحيط، عمل الفريق البحثي متعدد التخصصات على بناء روبوتات تحاكي حركات الكائنات الحية القديمة، في ما يشبه حالة السفر عبر الزمن، لكن عن طريق الآلات الذكية التي أصبح بإمكانها استخدام أحافير الحيوانات التي تعود إلى ملايين السنين لفحص وفهم كيفية حركة الحيوانات الحالية والقديمة ذات الأصل المشترك.
يعتقد المؤلفون أن الجمع بين علم الحفريات والنمذجة الحاسوبية والروبوتات يمكن أن يسمح للعلماء بإعادة إنشاء كيفية عيش الأنواع القديمة.
يقول المؤلف المشارك في الدراسة، مايكل إيشيدا، باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر الروبوتات المستوحاة من البيولوجيا في جامعة كامبريدج، لـ"العربي الجديد": "لدينا تاريخ غني في بناء روبوتات مستوحاة من الكائنات الحية، تساعد الباحثين على فهم الأنواع الحية اليوم، لكننا نعتقد أنه من الأهمية استخدام الروبوتات لدراسة الأنواع المنقرضة، لأننا لا نستطيع ملاحظة أو قياس كيفية تحرك هذه الحيوانات؛ إذ يمكن لعلماء الروبوتات اختبار تأثيرات ملايين السنين من التطور في يوم واحد". لكن إيشيدا يوضح أن الأمر ليس سهلاً، وإنما يعتمد على كثير من الخطوات والمراحل المعقدة التي تعتمد بالأساس على الدقة الزمنية.
في المراحل الأولى من البحث، اعتمد الفريق البحثي على علماء الحفريات لتحديد كيفية ترتيب عظام حيوان منقرض، وكيف تربط العضلات العظام، وكيف تعمل المفاصل المختلفة معاً. بعد ذلك، فحصوا كيفية تحرك أقرب تطابق حي لمخلوقهم المستهدف، وفي هذه الحالة كان المخلوق هو سمكة تمشي على قاع المحيط. "باستخدام تقنيات الرؤية الحاسوبية، يمكننا التقاط مقطع فيديو للسمكة وترجمة تشريحها وحركتها إلى تمثيلات رياضية. لكن قبل أن يبدأ البناء، يفحص الفريق بعد ذلك الافتراضات التي يمكن أن نصل إليها. من المستحيل إعادة إنتاج كل سمة من سمات الحيوان تماماً، حتى استبدال العضلات بالمحركات يعني أن جوانب معينة من التصميم غير واقعية"، كما يقول المؤلف المشارك في الدراسة.
كانت المرحلة التالية هي الشروع في بناء أبسط نسخة روبوتية ممكنة من المخلوق المنقرض. وفقاً للباحث، فضل الفريق البحثي أن يبدأ بأبسط ما يمكن للبدء في معرفة جميع المشكلات التي يمكن أن تواجههم ويحتاجون إلى حلها. أيضاً، كلما كان النموذج أبسط، كان من الممكن تطبيقه على العديد من الأنواع. يضيف إيشيدا أنه في النهاية، أمكن للفريق البحثي استخدام روبوتات لطرح أسئلة تجريبية تخص الأسماك التي تعيش في المحيط على وجه التحديد، بهدف تعلم المزيد عن تطور المشي على البرّ في الأسماك القديمة: "كنا مهمومين بمحاولة فهم ماهية الضغوط التطورية التي دفعت هذه الحيوانات المائية بالكامل إلى تطوير تشريح قادر على المشي على البرّ. إن فهم مزايا المشي تحت الماء في الأسماك الموجودة اليوم، قد يساعدنا أيضاً في فهم ما دفع الأسماك القديمة نحو المشي تحت الماء" يقول الباحث.
بمجرد بناء هذه المخلوقات الميكانيكية ومراقبتها، يمكن للباحثين إجراء تعديلات في دقائق كان من الممكن أن تستغرق آلاف السنين من التطور. على سبيل المثال، لا يتطلب تغيير شكل الزعنفة سوى بضعة أسطر من التعليمات البرمجية في محاكاة حاسوبية أو شكل مختلف مطبوع ثلاثي الأبعاد لروبوت.
يلفت المؤلف المشارك في الدراسة إلى أن القدرة على محاكاة الطريقة التي ربما تحركت بها الحيوانات القديمة يمكن أن توفر أيضا لمحة عن المستقبل: "لا يمكننا فقط التعرف على تاريخ تطور الأنواع التي لدينا اليوم، بل يمكننا أيضاً أن نأخذ تلك المبادئ العامة للتطور ونطرح فرضيات حول أنواع المستقبل تحت ضغوط تطورية جديدة، مثل تغير المناخ أو التفاعل مع البشر"، يقول الباحث.