الدراما السورية... شخصيات خارج حدود الحدث

19 ابريل 2018
باسل خياط (العربي الجديد)
+ الخط -
خلال الأشهر الماضية، ذاع صيت مسلسل السرقة والتشويق الإسباني LE CASA DE PAPEL، ولربما طالعتنا صورة أحد الأبطال في بوستر ما، أو سمعنا صديقاً يقتبس جملة أو مشهداً ليسقطهما على حياته اليومية، فاستشعرنا مدى تأثير شخصيات العمل الأجنبي على الشخوص القريبين منا. 

إنها الدراما في فعلها الأقوى حين تتعدى حدود المتعة إلى التأثير. كيف لا وأنت تقابل أسماء ثماني مدن عالمية ارتبطت بأسماء ثمانية سارقين لدار الصك في إسبانيا. تعتزل التفكير خارج حدود الدار وفضائها الجغرافي المحيط، حيث يقبع مركز الحدث وتنتقل في جوفك إلى عوالم الشخصيات وهواجسهم. هذا ببساطة ما يجعل حبكة العمل نوعية برأي عدد من كتاب الدراما السورية! ولكن سورياً هل اقتربت الدراما من ترسيخ حالة بناء البطل ضمن العمل حتى اتسم بسمات خاصة جعلته الأوحد من دون إقصاء أبطال العمل الآخرين؟ لنتطرق إلى عدة نماذج لأبطال حكايات تمتعوا بنفوذ عالٍ وقدرة على فرض السلطة على الآخرين:


سامر - غزلان في غابة الذئاب
حين قدّم فؤاد حميرة نصه للشاشة علِم في داخله ربمّا أنه حفر شخصية في أذهان الجمهور لن تنسى بسهولة، بل إنها ستجعل من مُجسّدها بطلاً لسنوات قادمة. سامر، ابن الرجل المتنفذ، اللاهي والعابث بمصائر من هم أضعف منه، يريد أن يحظى بكل شيء يريده وإلا لجأ لتدمير حياة من يرفض له طلباً. لم يكن حضور قصي خولي في الدور ووسامته هما العامل الأبرز في بناء مجد الشخصية، بل ذكاء الكاتب في بنائها. وبذلك، قفز المشاهد أمام شخصية سامر خارج حدود المتعة، بل بلغ ضفة التأثر، وغدا يقاطع في ذهنه ما يفكر به سامر وما يقدم عليه في محاكمة متخيلة لتأييد فعله أو استنكاره. وحين يظن بعضهم أن بناء الكاتب لشخصية سيئة يحمل مجازفة كبيرة في أن يغرق الجمهور في حب هذه الشخصية رغم سوئها، أقدم حميرة على الفعل بذكاء تاركاً مسافة أمان تكاد لا تُرى بين المشاهد وسامر في التأثر بشخصه من دون تبني أفعاله ومن دون التبرير لسامر بأنه ضحية تربية عائلته أو نفوذ والده الذي منحه حرية التصرف كما يشاء.

رؤوف - الولادة من الخاصرة
كما شكل قصي خولي حالة رعب مبطن في العمل السابق، استنهض رؤوف حالة رعب علنية في ثلاثية "الولادة من الخاصرة" التي ألفها الكاتب سامر رضوان. هكذا، تصدر الفنان عابد فهد الشاشة بملمح استثنائي لا يقلّ عما قدمه قبل هذه الشخصية. لكنّه، وحسب الأثر الذي تركه العمل، فإن فهد بعد هذا العمل ليس كما قبله. يعود ذلك إلى حرفة الكاتب في مقاربة الواقع السوري واستقراء مشهد القوة الظاهر على السطح قبيل اندلاع الحرب وفور اشتعال نيرانها. رؤوف، الذي تربى في الملجأ وكبر ليغدو ضابطاً في الأمن، حمل في شخصه استقلالية عن خولي الذي ورث النفوذ وراثة في "غزلان.."؛ فتحرك فهد في ذهنية المستبد من حرمان داخلي وردة فعل سوداوية على المجتمع المحيط في نقمة، حتى لو بدت قاسية درامياً، إلا أنّها بدأت تجد أسبابها في سير العمل وإطلاع المشاهد على جوانب شخصية رؤوف في كافة أبعادها. وحين يستشعر المشاهد بانتهاء مسافة الأمان بينه وبين شخصية المقدّم واضطراره لإطلاق حكم على الشخصية في التبني أو الرفض، يتنفس قلم سامر رضوان الصعداء ويطلق العنان لخيال خصب حول ماضي رؤوف في اقتناعه بامرأة تنجب له طفلاً.



تيم حسن – الانتظار/ الهيبة 

يمكن استذكار ملامح تيم حسن بدقة في رائعة "الانتظار" للكاتبين حسن سامي يوسف ونجيب نصير. وحينها سيبرز في الدراما السورية النموذج الأول للبطل الشعبي في مقاربة لا تغلب فيها الكوميديا التي قدمها دريد لحام في أعماله أو "الزكرتاوية" التي قدّمها ناجي جبر قبل عقود. النموذج هنا مختلف، من حيث الطابع الإنساني والأبعاد التي تحملها الشخصية الشعبية من بطولة ونفوذ لا تقل شأناً عن عالم إنساني واسع يعشق فيه عبود ويعيش نار الهوى ويتألم حتى الرمق الأخير. إلّا أن البيئة المسحوقة التي روي عنها الانتظار جعلت من عبود هو الشخصية الأكثر تمرداً على الواقع بشكل بارز حتى ولو حملت شخصيات أخرى نوايا التمرد، أما عبود فكان المثال الأكثر تجسيداً لحال البطل الشعبي الذي يخرج من تحت الرماد فتغدو كل حركة يؤديها قانوناً في دستور البطولة. 

أما انتهاء حياة الشخصية بمأساوية، وإن تضمن ذلك تبايناً في وجهات النظر وحزناً عميقاً لدى المشاهدين كون عائد القوة لدى عبود كان لصالح أهل حيه وليس ضدهم، إلا أن البناء المتراكم للشخصية جعل من عبود أسطورة في أقل من ثلاثين حلقة؛ ما عنى أن رحيله عن العمل في مشاهده الأخيرة لا يعني رحيله عن قلوب المشاهدين وذاكرتهم. وبعد قرابة عقد من الزمن، أعاد تيم حسن الحضور بوقع إعلامي أكبر عبر شخصية جبل في "الهيبة"، لكن في بناء معاكس لما قدمه في "الانتظار" كمحاولة هروب للأمام. فجبل المتنفذ بزعامة عشيرته يتكئ على ملامح الشكل والحديث والحضور أكثر مما يتسرب مما يجول في خاطره، فإنْ تأثر المشاهد بقدرة تيم حسن على جذب المشاهد بحركته وطريقة حديثه فإنه لن يصل إلى حالة التأثر التي تتطلب منه التفكير في صواب أفعال جبل من خطئها. فيغدو التأثر لحظياً قوامه الحضور الفعلي لجبل في المشهد كممثل وليس كحالة. 

وخارج الحدود السورية، كان لا بدّ من أن تصنع الدراما العربية نماذجَ للتأثر على مدى العقود الماضية، كان أحدثها ما قدمه الفنان باسل خياط، العام الفائت، في مسلسل "30 يوم"؛ فالجمهور بلغ مرحلة التأثر بحضور باسل وتقمصه لشخصية الشرير المراوغ بكافة ملامحها أكثر مما سمح له النص بالاستغراق في أعماق هذه الشخصية وسبر أغوارها وتاريخها الذي أوصلها لهذه المرحلة.
المساهمون