عالم الحجر الصحي: انتعاش وسائل الترفيه

04 ابريل 2020
تلغي المواقع الترفيهية ضجر المحجورين (Getty)
+ الخط -
ليس من الغريب على الملايين من البشر حول العالم توجههم، بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد ــ 19)، والتزامهم، بفعل الحجر الصحي، نحو البحث عن وسائل ترفيهية تسعفهم بعض الشيء من حالة الروتين والجمود الاجتماعي القسري. وبالرغم من توقف معظم النشاطات والفعاليات الفنية والثقافية والرياضية وإغلاق معظم دور السينما والأوبرا والنوادي والحانات الليلية وانخفاض حركة التجارة العالمية في مختلف البلدان الموبوءة منها وغير الموبوءة حول العالم، مما انعكس سلبًا على الأسواق المالية، إلا أن عددًا من الشركات استفاد بشكل كبير ومتوقع من حالة العزل الصحي بشكل خاص، ومن تراجع أعمال شركات أخرى عامة.

على رأس هذه الشركات تأتي منصات البث التدفقي ومتاجرها الرقمية، والتي توفر خدمات ترفيهية متنوعة، مثل شركة "نتفليكس" التي شهدت، بحسب تقريرٍ نشرته شبكة "سي إن إن بيزنس" الأميركية، ارتفاعًا وانتعاشًا ملحوظين في أسهمها بنسبة 15 في المائة مطلع شهر آذار/ مارس الماضي. وقد طرحت "نتفليكس"، مستفيدة من الحظر المنزلي، مزايا إضافية مجانية للمشتركين أبرزها خدمة Netflix party التي تتيح للمستخدمين مشاركة المشاهدة مع الأصدقاء المقربين افتراضيًا، حيث تمكنهم هذه الخدمة من التحكم بالمادة المعروضة إيقافًا وتشغيلًا في الوقت ذاته، فضلًا عن إتاحة الدردشة والمناقشة وإبداء الرأي في تفاصيل المادة ومستواها، وذلك في محاولة لتعويض العزلة المجتمعية التي سببتها جائحة كورونا المستجدة.

كذلك شهد كلٌّ من منصتي "هولو" و"أمازون" الشهيرتين، إقبالًا كبيرًا على شبكتيهما، لا سيما الأخيرة، بعد أن سمحت لمشتركيها، على غرار "نتفليكس"، بالاستفادة من تعدد استخدام الحساب الواحد لأكثر من شخص، وذلك من خلال خدمة "أمازون برايم" وهو ما سيجعل الاشتراك الواحد يطال حتى 6 حسابات إضافية. ليس من المفاجئ أيضًا مزاحمة المواقع الإباحية لكبريات الشركات الرقمية الترفيهية الأخرى؛ إذ ازداد الطلب على هذه المواقع بشكل تلقائي، إثر إغلاق النوادي الليلية وبيوت البغاء أبوابها في عدد من دول العالم، منها هولندا والولايات المتحدة الأميركية، مما دفع بعض هذه المواقع مثل "بورن هوب"، تماشيًا مع الظروف الراهنة، إلى تقديم اشتراكات مجانية مخصصة لبعض الأماكن حول العالم التي فرض عليها حجر صحي لمكافحة الوباء.

تلغي المواقع الترفيهية ضجر المحجورين، وتشغلهم في أوقات الفراغ المفروضة عليهم، ولكن بطبيعة الحال، أصبح هؤلاء المحجورون مستهلكين ومحكومين طواعيةً بفعل الحجر. ولكن ذلك لا يعد سببًا كافيًا يجعل شبكات البث الرقمية تحقق ما تحققه من مكاسب طائلة في ظل هذه الأزمة. فإن اتخذ من وسائل الترفيه بمختلف أشكالها وطرقها، سبلًا لإرضاء الناس وإشغالهم عما تمر به دول العالم أمام جائحة استعصى على كبار العلماء والمراكز الطبية الأحدث في بلدان متقدمة طبيًا وتكنولوجيًا، إيجاد اللقاح المناسب لدحر هذا الفيروس، حتى هذه اللحظة، فإن للطبيعة البشرية ذاتها أكبر الأثر، أمام تلقيها للأزمات والكوارث، في فرض ميولها وسلوكياتها، واختياراتها المتعلقة بشكل مباشر بنوع الكارثة أو الأزمة.

فمخاطر فيروس كورونا والتحديات التي فرضها هذا الفيروس على العالم أجمع، دفعت الناس القابعين في منازلهم للجوء للشبكات الرقمية، ليس بدافع الترفيه وحده فقط، بل لأنَّ البقاء في المنزل، هو من أجل الوقاية والعلاج من الفيروس، وهو الأمر الذي يأتي في طليعة هذه الدوافع. على سبيل المثال، احتل المسلسل الوثائقي pandemic: how to prevent an outbreak الذي أطلقته شبكة "نتفليكس" بالتزامن مع انتشار فيروس "كوفيد ــ 19" أواخر شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، المرتبة الأولى من حيث المشاهدة. وهو مسلسل يعرض جهود مجموعة من الأطباء والمتخصصين في علم الأوبئة من مختلف الجنسيات، في محاربة وباء الأنفلونزا، ويرصد المحاولات المبذولة لوقف تفشي أي وباء جديد قادم في المستقبل. وكذلك شهد فيلم Contagion للمخرج الأميركي ستيفن سوديربرغ، والذي تعرضه شركة "أمازون"، إقبالًا كبيرًا، رغم تاريخ صدوره البعيد قبل عشر سنوات تقريبًا. فهذا العمل يكشف، بمحض المصادفة، عن وباء يصيب البشرية يشبه إلى حد كبير، من حيث الأعراض ومكان تفشي الفيروس (الصين) وطرق الوقاية، فيروس كورونا المستجد. لذا بدأت الغاية من متابعة هذين العملين، من قبل المحجورين لأسباب علمية ومعرفية في المقام الأول. نزيد على ذلك ما أعلنته شبكة "أمازون"، قبل أسبوع، على موقعها الإلكتروني، عن إتاحتها 100 ألف وظيفة جديدة، بسبب ما لاقته من ارتفاع كبير لأعداد شراة وقرّاء الكتب الرقمية المنشورة عبر شبكتها العنكبوتية المتعلقة بفيروس كورونا، وما تقدمه هذه الكتب، من نصائح وقائية لتجنب خطر الإصابة بهذا الفيروس.

للرياضة أيضًا دور كبير في عملية الوقاية (تنشيط الدورة الدموية وتقوية الجهاز المناعي) إلى جانب الترفيه وملء الفراغ، وباعتبار أن قرارات الحجر الصحي قد طالت أيضًا الصالات الرياضية، مراكز التدريب البدني ومختلف النشاطات والفعاليات الرياضية، دخلت شركة "بيلوتون إنترأكتف" الأميركية للدراجات الرياضية، في سباق الاستهلاك المنزلي. ووفقًا لما نشرته شبكة "دويتشه فيله" الألمانية، لاقت مبيعات شركة "بيلوتون" ارتفاعًا ملحوظًا بسبب ما تتميز به هذه الدراجات، إذ تتيح هذه الدراجات لمستخدميها التواصل مع مدربين اختصاصيين افتراضيًا، دون الحاجة إلى وجودهم وجهًا لوجه.
دلالات
المساهمون