الشرفات التي أصبحت مسارح

01 ابريل 2020
خرج الناس إلى الشرفات للغناء في مواجهة كورونا (Getty)
+ الخط -
خلال العقود الماضية، لطالما كان التساؤل حول مستقبل المسرح والعروض الفنية الحية حاضراً في الندوات والنقاشات الثقافية؛ حيث وصف بعضهم المسرح بالفن المحتضر، وارتأوا بأنه غير قادر على مقاومة تيار العصر، ولن يصمد بوجه البدائل والوسائط الحديثة، التي تتمتع بمرونة أكبر وقابلية لحفظ العمل الفني وتكراره وإيصاله لأكبر عدد ممكن من الجمهور.

بدا الحديث عن نهاية المسرح والعروض الحية منطقياً في الكثير من الأحيان، ولا سيما في الحجج التي صاغها الناقد الأميركي، فيليب أوسلاندر، وابتدأ فيها من التغييرات التي طرأت على شكل العروض الحية في الأعوام الأخيرة، حيث غزت الشاشات والوسائط البديلة مساحة العرض الحي، وتصدرت المشهد في الكثير من العروض الموسيقية الحية.

ربما ما حدث في يوم المسرح العالمي، 27 مارس 2020، يثبت بقدر كبير أن الوسائط البديلة والشاشات باتت قادرة على احتلال مكانة المسرح والعروض الحية التي يتلاقى فيها المؤدي مع الجمهور زمانياً ومكانياً؛ إذ قام عدد من المسارح الكبرى حول العالم بتقديم العروض في يوم مسرح العالمي ببث مباشر على الإنترنت، منها مسرح البولشوي الروسي ومهرجان المسرح العالمي في تونس وغيرها؛ لتراعي بهذه العروض ظرف الحجر الصحي، الذي يعيشه العالم بتأثير من فيروس كورونا المستجد؛ فاكتفت بهذه العروض بتحقيق التواصل الزمني بين المؤدي والجمهور من دون التواصل المكاني، ليستقبل الجمهور العرض من خلال وسيط. وهو الأمر الذي فتح الكثير من التساؤلات حول موت المسرح في يوم المسرح العالمي، الذي جاء باهتاً هذه السنة، بكلمة كتبها المسرحي الباكستاني، هشام نديم، حملت عنوان "عندما يصبح المسرح ضريحاً".

وإن كانت الفعاليات الرقمية التي طرحها المسرحيون للتكيف مع تداعيات الوباء العامي في يوم المسرح العالمي توحي أكثر من أي شيء آخر بحالة الموت السريري الذي تعيشه العروض الحية بأساليبها التقليدية؛ فإن وباء كورونا أيضاً أثبت أن التقدم التقني وتعدد الوسائط لن يتسبب يوماً بانهيار شعبية العروض الحية. ذلك ما يمكن استنباطه من خلال العروض الحية التي قدمها الناس في حجرهم الصحي، فالبعض لم يتوجهوا إلى شاشات الموبايل والكاميرات ليخلقوا عروضاً فنية، بل فضلواً الخروج إلى شرفات منازلهم ليقدموا عروضاً حية في الفضاء المسرحي المدني الذي اختلقه الوباء؛ فخرج الصينيون في مدينة ووهان إلى شرفات منازلهم ليطرقوا على الطناجر ويعزفوا على إيقاع المأساة.
وقام الإيطاليون باستثمار شكل الفرجة في المدينة الخالية من المارة، ليعزفوا الموسيقى ويغنوا بعروض حية لفتت أنظار العالم؛ ليتحول هذا الشكل من الفرجة سريعاً إلى شكل فني شائع، انتشر في مختلف المناطق التي يعاني فيها الناس من وطأة الوباء والحجر الصحي.
فن الشرفات -إن صحت التسمية- تطور في وقت قياسي، فالبعض استفاد من شكل الفضاء العام وطبيعة القوانين السياسية والاجتماعية التي تحكمه لتطوير عروض فنية، قائمة على كسر السياق والخروج عن المألوف؛ كما حدث في شوارع إسبانيا، التي امتلأت بالديناصورات بعد قرار الحجر الصحي، حيث خرج البعض مرتدين زي الديناصور ليمشوا بالشوارع بطريقة استعراضية، ويكسروا المساحة المحرمة بما هو خارج عن المألوف ليقدموا استعراضاً فنياً غريباً.
ما يحدث اليوم يثبت ربما أن العروض المسرحية والموسيقية الحية لن تموت يوماً، وذلك لا يرتبط بمقومات المسرح وما يمتلكه من عناصر فنية لا تتوفر بالوسائط البديلة، وإنما يرتبط بالرغبة الأصيلة لدى الجمهور لتحقيق التواصل الزماني والمكاني مع العروض الفنية.
المساهمون