يُجهد العراق نفسه منذ أسابيع، لتحقيق شرط منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، بإزالة التغييرات التي طرأت على مدينة بابل الأثرية، وذلك بعد شهر من إدراجها على قائمة التراث العالمي. وأبرز هذه التغييرات أنبوب النفط، وقصر صدام، والزحف العمراني، والمستنقعات المائية التي تحاصر المدينة قبل فبراير/ شباط المقبل.
ويقع على عاتق وزارة الثقافة العراقية، غالبية الجهود التي من المفترض أن تنتهي بنجاح. وفي حال فشل المهم، ستسحب مدينة بابل من لائحة التراث العالمي، وهو ما يعني خسارة العراق معلماً مهماً، تأمل الحكومة أن يتحول بعد وقت قصير إلى قبلة للسُيّاح العرب والأجانب.
ورغم التشوّهات التي لحقت بالمدينة الأثرية، فإنّ منظمة الـ"يونسكو" سبق أن أشادت ببابل (جنوب بغداد)، واعتبرتها تجسيداً لإبداع الإمبراطورية البابلية في أوجها. كما أشارت إلى أن ارتباط المدينة بواحدة من عجائب الدنيا السبع قديماً، أي حدائق بابل المعلقة، كان له تأثيرات على الثقافة الفنية، والشعبية، والدينية، على مستوى العالم.
وزير الثقافة العراقي عبد الأمير الحمداني، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الجهود الميدانية للوزارة، وشُعب الإدامة، والتنقيب، والتصليح، مستمرة بتنفيذ التعهدات التي تبناها العراق أمام الـ"يونسكو" خلال الأشهر الماضية". وبيّن أن "بقاء بابل على لائحة التراث العالمي هو أمر مؤكد، ونحن في وزارة الثقافة مستمرون بعملنا من أجل إتمام كل المتعلقات من إزالة التركة الصدامية عن المدينة، قبل الموعد المحدد من قبل المنظمة العالمية". ولفت إلى أن "المبالغ المالية التي خصصتها الحكومة العراقية من أجل ترميم المدينة، عليها رقابة كبيرة من قبلي شخصياً وباقي المسؤولين في الوزارة ولن يتم التلاعب بمقدرات العراق من أجل إنقاذ حضارته. وهناك تكاتف وتعاون من قبل باقي مؤسسات الحكومة على إنجاح الخطة المتعلقة بصيانة الموقع والأبنية الشاخصة في منطقة المعابد".
يذكر أن العراق كان قد رصد 250 مليون دولار لإزالة التغييرات والتشوهات التي لحقت ببابل الأثرية، إلا أن مراقبين يخشون من عدم استطاعة وزارة الثقافة تنفيذ شروط الـ"يونسكو"، بسبب وضع الموظفين الفاسدين يدهم على الأموال، وخصوصاً أن الفساد ظاهرة تنخر كل مفاصل ومؤسسات الدولة العراقية.
الحاجة إلى إنماء المدينة
من جهته، قال بدر الجنابي وهو مسؤول محلي في بابل، إن "مجلس محافظة بابل وعبر لجنة الثقافة والإعلام تمكن من إعداد خطة بقيمة 60 مليار دينار عراقي (نحو 50 مليون دولار)، لترميم وصيانة الأجزاء التي اعترضت عليها منظمة الـ"يونسكو"، وهي تلك الأطراف التي تدخّل فيها نظام صدام حسين، وترك عليها بصمته غير العلمية". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الفرق المتخصصة بالآثار والتنقيب وتصليح الجدران القديمة لم تحصل على إجازة منذ لحظة إدراج بابل على لائحة التراث العالمي المشروط". ولفت إلى أن "الأموال الحكومية لأغراض الصيانة مراقبة بواسطة الحكومة ومنظمات قانونية محلية وأخرى دولية دائمة للتراث والبيئة، ومن المستبعد أن تتم السيطرة الحزبية على هذه الأموال، وذلك لوجود رغبة عامة لجعل بابل على لائحة التراث العالمي والاستفادة من المكتسبات اللاحقة لهذا الإدراج من الناحية السياحية والإنمائية والاقتصادية".
إلى ذلك، بيَّن الصحافي من بابل حسين المشهداني أن "الجهود الحالية تعتبر هي الأعلى منذ عام 2003، في ما يتعلق بصيانة مدينة بابل الأثرية، وكله في سبيل ضمان بقاء بابل على قائمة التراث العالمي". كما سأل: "هل يا ترى حين تبعث منظمة الـ"يونسكو" بوفودها لفحص المدينة قبل فبراير/ شباط المقبل، ستقتنع بالمدينة الأثرية المهجورة، التي لا يتوفر فيها أيّ دليل سياحي أو متجر لبيع التماثيل المستوحاة من الحضارة البابلية القديمة".
وأكمل في حديثهِ مع "العربي الجديد"، أن "زوار المدينة يشتكون من الإهمال الكبير الذي تسببت فيه وزارة الثقافة في دوراتها السابقة، والحكومة المحلية في بابل. حتى إن كثيرين منهم تعرضوا إلى هجوم من قبل كلابٍ شاردة تملأ المدينة. وعلى الحكومة ووزارة الثقافة الاهتمام بكل المدينة من حيث الوضع السياحي، إلى جانب الاهتمام برفع وإزالة مخلفات نظام صدام حسين، لضمان الموافقة النهائية للـ"يونسكو"".
إعادة الآثار المنهوبة
وكانت سلطات الآثار العراقية قد بذلت جهوداً كبيرة لإعداد هذا الملف، الذي تم طرحه خمس مرات منذ عام 1983، بهدف تسجيل هذا الموقع الذي يمتد على مساحة 10 كيلومترات على بعد نحو 100 كيلومتر جنوب بغداد. وقد تعرض كثير من معالمها وآثارها لعمليات نهب وتدمير بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وفي السنوات التي تلت الغزو. وقد بدأت آثار عراقية كثيرة من بابل وغيرها من الأماكن الأثرية في العراق، تظهر في دول غربية، وتقوم وزارة الثقافة بمباحثات مع دول مختلفة لاستعادة كل ما نهب في العقدين الأخيرين، وهو ما بدأ بالفعل في السنة الأخيرة. فعل سبيل المثال ومطلع الشهر الماضي، أعادت الشرطة البريطانية مجموعة من 154 نصاً مسمارياً نقشت على ألواح من الصلصال، بعد دخولها إلى المملكة المتحدة في فبراير/ شباط عام 2011. ويعود تاريخ معظمها إلى الفترة الممتدة بين 2100 و1800 قبل الميلاد، وتنتمي إلى سلالة أور الثالثة (أسرة سومرية)، والدولة البابلية القديمة، وتمت إعادتها إلى المتحف العراقي في بغداد.