حرب عالمية ثالثة لن تُسفك فيها نقطة دم

19 ديسمبر 2014
بين عالم الافتراض وعالم الواقع (Getty)
+ الخط -
هي حرب بين عالم الافتراض وعالم الواقع. لا تستخفوا بالأمر أبداً، فالمنافسة بينهما تشتد، وأحدهما سيهيمن على الآخر في نهاية المطاف. إنّها حرب يصعب معها إيجاد مكان آمن، محايد وبعيد. لا الملاجئ تنفع معها ولا أي مخبأ من أي نوع. حرب ستطال الجميع، والصغار قبل الكبار. 

ولا يتوهّم أحدنا أنّ لديه حرية الاختيار، بأن ندخل هذه الحرب أو لا. لن تستطيع أقوى الشعوب وأكثرها حكمة وإدراكاً لمصالحها، أن تقف متفرجة. حرب لا حياد فيها، بل إن تعبير "عدم الانحياز" سوف يشطب من ذاكرة البشرية جمعاء.

علينا التفكير من الآن، لأنّ الوقت ليس لصالحنا. مَن سنختار، ومع أي جهة سنقف؟ الطريق الثالث لن يكون خياراً مطروحاً. اجتياحات هذه الحرب تتخطى حدود الجغرافيا، وستغيّر شكل كتابة التاريخ البشري. وإذا كان عالمنا اليوم قد تحوّل إلى "قرية صغيرة" بفعل التكنولوجيا والتواصل الافتراضي، فهذه القرية سيتّسع نفوذها ليشمل كل بقاع الأرض. الاحتلالات التي ستنجم عنها لن تقتصر على مراكز ومواقع سلطوية، إنّما ستشمل الأدمغة والعقول. والغلبة هنا، ليست لمن يتمركز في البيت الأبيض. كل مراكز السلطة ستصبح مواقع رمزية، بل قد تتحوّل إلى متاحف يزورها الناس من باب الفضول أو السياحة. ومن يخال نفسه حصناً منيعاً لا يُخترق، فهو مخطئ بالتأكيد.

فلا الصين بقمعها ورقابتها الصارمة على مواطنيها، ولا كوريا الشمالية بعزلتها عن العالم والتي ترتكب جرائم ضد الإنسانية بحق أبنائها، ولا أي نظام ديكتاتوري آخر يظنّ نفسه خليفة لهتلر سيصمد طويلاً. الاستعداد لهذه الحرب لا يتطلب تخزيناً للطعام والشراب والمعدات الطبيّة، إنّها حرب على الرغم من شراستها لن تسفك فيها نقطة دم، وقد لا تكون السبب المباشر لأي مجاعة أو وباء. إنّها تتخطى الشكل التقليدي للحروب التي عاشتها البشرية. تتطلب هذه الحرب استعداداً ذهنياً وعقلياً، وتدريباً معلوماتياً وتقنياً. مع من ستقفون في هذه الحرب؟ من ستؤيدون؟ لا حاجة لنا للحديث عن الواقع، فتجربة العيش فيه خير برهان. أما العالم الافتراضي والذي يمثل أمامنا يومياً، يتغلغل في حياتنا اليومية، حتى إنّه استوطن بيننا وفينا، ويثبت قدميه رويداً رويداً، ليتربع على عرشه مرتاحاً هانئاً. وها هو يمهد بتكتيك حيناً وبهجمات صاعقة أحياناً، للسيطرة على مجالات كثيرة في حياتنا، والهيمنة على واقعنا. اذكروا مجالاً من مجالات الحياة لا يدخل فيه الافتراض ويجعل الناس منساقين له.

من مكانه يستطيع الإنسان، أن يتعلم، أن يتعرف ويصادق ويحب، أن يغزو الفضاء، كما يمكنه تناول الطعام الافتراضي من خلال كبسولات. الواقع يريد إقناعي بالغصب أنّ مشاكل الجوع والمرض والبؤس على كوكبنا مستعصية على الحل، ولا علاقة لها بالسياسة والأعراق والإثنيات والتجارب الطبية. والواقع يسعى جاهداً لغسل دماغي وجعلي نعجة راكنة لا تخرج عن السياق والخطوط المرسومة. فمن سأختار في هذه الحرب يا ترى؟
دلالات
المساهمون