قبائل "النوماد"... التشبث بالتقاليد

02 اغسطس 2016
نظامهم الغذائي مقوى بالبروتين (Getty)
+ الخط -
يطلق اسم "النوماد" على البدو الرحل في منطقة آسيا الوسطى، والذين يتشكَّلون من قبائل عدة، فمنهم رعاة "الرنة" في سيبيريا، ومربو الخيل في كازاخستان، والرعاة التركمان وغيرهم. حيث يتشبَّثُون بثقافتهم وتقاليدهم التي استطاعت البقاء عبر الزمن، على الرغم من بدائية حياتهم وفُقر إمكاناتهم. ولتلك القبائل، قوانينها الخاصة التي تحكُم المكان وتنظِّم الوقت، حيث يتَّبع النوماد دورات الطبيعة بدقة شديدة؛ فهم في سعي مستمر وراء الربيع الأبدي كما تقول أغانيهم.

فالحياة بأكملها هي الحركة، والحركة حياة، وكل ما هو حيٌّ لابدَّ أن يتحرَّك، فالشمس والقمر والنجوم والرياح والماء والطيور والحيوانات تتحرَّك مادامت على قيد الحياة. لا تسمح الخصوبة المنخفضة للأراضي ببقاء النوماد وقطعانهم طويلاً في منطقة واحدة، ومع أولى بشائر الربيع يقودون ماشيتهم إلى مراعي الربيع، حيث تضع الحيوانات صغارها، وتبدأ الحياة دورة جديدة، وتعد بداية للاحتفال بالسنة الجديدة. ثم يقود النوماد ماشيتهم باتجاه مراعي الصيف في أماكن أخرى، حيث يتوافر الغذاء اللازم لتسمين الحيوانات، وكذلك يتَّسع الوقت أمام الشباب للعب وخوض المسابقات، وكذلك، للقاء الأقارب الذين تتقاطع معهم مسارات الهجرة المنتظمة للنوماد. وفي الوقت ذاته، تجري الاستعدادات على قدمٍ وساقٍ لفصل شتاء بارد؛ حياكة الملابس ونسج السجاجيد وصنع اللباد، ومع حلول الخريف يتجهون إلى تحضير الألبان واللحوم، وهكذا دواليك.


هذه هي دورة حياة النوماد من سنةٍ لأخرى، قد تختلف بعض الشيء في كلِّ عام، ولكنَّها تحتفظ بنفس الإيقاع الطبيعي، ونفس الأشكال الثابتة للتنظيم الاجتماعي، والالتزامات في العلاقات بين الناس. والنجاح في الحياة البدوية دائمة الترحُّل، يعتمد على التمكُّن من مجموعة هائلة من المعرفة الجماعية، التي تراكمت عبر القرون، وتنتقل بين الآباء والأبناء والأمّهات والفتيات.

مسكن النوماد يسمى "يورت"، وهي نوعٌ عبقريٌّ من المنازل؛ غني بالرموز. وعند قيام النوماد بتشييد مسكنهم يبدو الأمر وكأنه عمل سحري، فبالنسبة للنوماد، يشبهُ الأمر إعادة الخلق. التحوُّل من الفوضى والاضطراب إلى النظام، ويرمز اسم كل قطعة في المنزل إلى الخلق؛ فوسط المنزل، حيث يقع الموقد يسمى "سرة"، والجدران هي "الفخذان". وما داخل الإطار المنسوج من الشعر هو "الرحم"، والسقف هو "أكتاف"، وفتحة خروج الدخان هي "العين"، والجسم الخشبي هو "العظم" أو "الهيكل العظمي". ويعتقد النوماد أن كل منزل "يورت"، له روحه الخاصة، ولذلك، ينحني الضيوف إجلالاً وإكباراً، ويسلّمون عند دخول اليورت، حتى ولو كان المنزل خالياً من أصحابه.


والنظام الغذائي لهؤلاء البدو الرحل يحتوي على كثيرٍ من البروتين، ويتألَّف في معظمه من اللحوم والحليب ومنتجاته. ويوفَّر هذا الغذاء الطاقة التي يحتاج إليها الناس للانخراط في العمل البدني الشاق، ويرمز الطعام إلى البقاء على قيد الحياة. ومشاركة الطعام من الأمور المهمة في حياة النوماد. وجلسات الطعام المشترك تُعدُّ فرصة لتبادل الأخبار، وكذلك فرصة للضيوف لتقديم أنفسهم للآخرين للتعارف، وللتعريف برحلاتهم ومسقط رأسهم، ومناقشة فرص التعاون والتجارة بينهم وبين الآخرين.

يبدأ النوماد الاستعداد لعيد "النيروز" مُبكِّراً، فتخيط الثياب وتُنظَّف المنازل، وعشيَّة النيروز يشعل شباب النوماد النيران ويقفزون من فوقها، وتتجمَّعُ النساء للطهو في الأواني الضخمة، ويصنعون الحساء المُسمَّى "سميلاك" أو "النوروز"، وهو مصنوع من سبعة مكونات هي: الماء والملح واللحوم والقمح وذرة الدخن والأرز والحليب. ويُغنّون الأغاني الخاصّة بهم. ومع شروق الشمس، يجلسون لتناول وجبتهم الأولى سويّاً. ثم تقام مسابقات الخيل والألعاب المضحكة الكوميدية كالبحث عن العظام في الليل، حيث تمتلئ السهول بالضحكات الصافية تحت سماء الربيع المليئة بالنجوم المتلألئة.
المساهمون