البوكمال... البوابة الشرقية للجرح السوري

15 أكتوبر 2019
البوابة الشرقية لسورية تحولت الى ميدان صراعٍ(أفشين إسماعيلي/SOPA Images/LightRocket)
+ الخط -
في أقصى الشرق السوري، تقع مدينة البوكمال التي ترزحُ تحت احتلالٍ إيراني مباشر، منذ أواخر عام 2017. شُرِّد أهلها في شتى أصقاع الأرض، وتحولت تلك المدينة المقصيَّة في الجغرافيا السورية، إلى مرتع لعشرات المليشيات التي تحاول ابتلاعها.

بالضبط، تقع البوكمال إلى الشرق بنحو 130 كيلومتراً من مدينة دير الزور، مركز المحافظة التي تقع البوكمال ضمن حدودها الإداريَّة. ولا تبعد البوكمال عن الحدود السورية العراقية سوى ثمانية كيلومترات، إذْ إنَّها البوابة الشرقية لسورية التي تحولت اليوم الى ميدان صراعٍ، تارةً معلن، وتارة خفيّ بين الإيرانيين والإسرائيليين والأميركيين. ليست البوكمال من المدن السورية الراسخة بالقدم، إذْ أسَّسها العثمانيَّون عام 1864، وتُنْسَب إلى فخذ أبو كمال من عشيرة العكيدات العربية التي تنتشر في الشرق السوري والغرب العراقي. من ناحية أخرى، تقع البوكمال على الضفة اليمنى من نهر الفرات قبيل خروجه من الجغرافيا السورية.

عاشت المدينة تحولات كبيرة على مختلف الأصعدة منذ عام 2011، العام الذي شهد انطلاقة الثورة السورية التي شارك فيها أهالي المدينة بقوة منذ أيامها الأولى، وهو ما استدعى تدخُّلاً من قوات النظام وأجهزته الأمنية التي بطشت بالمتظاهرين قتلاً واعتقالاً. حاصرت قوات النظام المدينة لعدة أشهر، قبل أن يعلن "الجيش السوري الحر"، أواخر عام 2012، السيطرة الكاملة على المدينة التي بدأت عهداً جديداً مع فصائل هذا الجيش الذي ظل مُسيطراً عليها حتى يوليو/ تموز من 2014، عندما احتلَّ تنظيم "داعش" المدينة، بعد معارك شرسةٍ استمرَّت أربعة أيام.

مع احتلال التنظيم الإرهابي المدينة، غادرها عدد كبير من أهلها خشية انتقام التنظيم منهم، متجهين إلى عدة مناطق في داخل سورية. منهم من ركب البحر كما فعل ملايين السوريين إبان موجة التغريبة السورية الكبرى عام 2015، باتجاه بلدان الاتحاد الأوروبي. حاول تنظيم "داعش" محو هوية مدينة البوكمال، إذْ حوَّلها إلى أهمَّ معاقله في شرق سورية، لأنَّها تقع في قلب مناطق سيطرته في العراق وسورية. أواخر عام 2017، لم يجد التنظيم بُدًّا من مغادرة المدينة، لتحلّ محلّه مليشيّات إيرانيّة مُتعدِّدة، تتعامل مع المدينة كقوة احتلال مباشر، في غياب شبه كامل للنظام الذي منح الشرق السوري كله للإيرانيين، مكافأةً لهم على وقوفهم معه ضد إرادة السوريين.

يؤكد الصحافي والكاتب السوري، ثائر الزعزوع، وهو ابن مدينة البوكمال، أنَّ أكثر من نصف سكان مدينته مُهجَّرون، قائلاً في حديثٍ مع "العربي الجديد": "لا تسمح الميليشيات بعودة المهجرين إلا بكفالةٍ مشروطةٍ طبعاً، إذْ تعمَلُ المليشيات الإيرانية على فرض طابعها السياسي والمذهبي من خلال إقامة دور عبادة، وترغيب أو ترهيب الأهالي الموجودين للانتماء والذهاب إليها قسرًا".

مصادر محليَّة تؤكد أن عمليَّات تغييب بل تشويه مدينة البوكمال تجري على قدم وساق من قبل المليشيات الإيرانية التي تنشر التشيّع السياسي في مجتمع سُنّي خالص، من طريق استخدام أدوات الترهيب والترغيب. وتشير ذات المصادر إلى أنَّ هذه المليشيات افتتحت مدارس في مدينة البوكمال لتعليم اللغة الفارسية، وتغري الأطفال وأهاليهم بالمال للانضمام إليها. وتصف المصادر حال المدينة بـ "البائس". لا خدمات ولا مراكز صحية ولا حركة تجارية. ويشير متابعون إلى أنّ المليشيات الإيرانية استولت على أغلب المرافق العامة في المدينة، وحولتها إلى مقار عسكرية، تتعرض بين فترة وأخرى لهجمات جويَّة من قبل طائرات إسرائيلية وأميركية. حوّل الإيرانيون البوكمال إلى ميدان صراع، لا ناقة للأهالي فيه ولا جمل. إذْ كانت مدينة وادعة تضجّ بالحياة، لكنّ أهلها، اليوم، مشرّدون، لا يستطيعون العودة إليها، بسبب ميليشات شديدة العدوانية تنشر ثقافة السواد في كلّ مكان.
المساهمون