فتحي غانم.. سيرة شخصية لكوابيس السلطة

24 مارس 2020
(فتحي غانم)
+ الخط -

مثّلت الصحافة المصرية أحد أبرز القطاعات التي تنازعها الحكم بعد حركة 23 تموز/ يوليو عام 1952، ومع هيمنة الأيديولوجيا وخطاب السلطة الجديدة، كان المشتغلون في المهنة الحامل الأساسي لتلك التطلعات، ومنهم الروائي المصري فتحي غانم (1924 -1999) الذي تمرّ اليوم ذكرى ميلاده.

اختار خرّيج كلية الحقوق في "جامعة القاهرة" عام 1944 الكتابة مهنةً له، حيث عمِل في عدد من المجلّات والصحف مثل "روز اليوسف" و"صباح الخير" و"الجمهورية"، وأدار تحريرها تباعاً في فترة باكرة، واقترب من دوائر النفوذ التي منحته مكانة خاصة، وفهماً أعمق لطبيعة التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية والتي ستنعكس في جلّ أعماله.

اهتمّ غانم برصد علاقات السلطة في المجتمع، متناولاً بشكل رئيس تأثير الشهرة والمناصب والمال على أفراد يأتون بالعادة من مناطق شعبية مهمّشة، راصداً بدقة تكوينها الشخصي بدءاً بتحصيلها العلمي وصلاتها الأسرية وطموحاتها الكبيرة، ومروراً بتشكيل وعيه تجاه السلطات المتعدّدة، وصولاً إلى التغيّرات التي يكون أحد صنّاعها أو الفاعلين في إحداثها، أو إحدى ضحاياها.

تحرّر الفرد شكّل ثيمة أساسية سنجد تمثّلاتها المختلفة في معظم نتاجاته التي بدأها برواية "الجبل" (1959)، وتناول خلالها اشتباك الناس مع تلك القرية النموذجية التي ستبنى لهم، في إسقاط على مشروع المعماري المصري حسن فتحي (1900 – 1989) في قرية "القرنة"، في تحليل معمّق لموقفهم الرافض للتمدّن خشية فقدانهم مصدر رزقهم الذي يعتمد على تهريب السلاح والمخدرات، حيث هم عالقون في النهاية بين "أوهام" الجبل، و"أوهام" النزول منه.

في مساحة مغايرة، يرصد غانم أحوال الصحافة في "الرجل الذي فقد ظلّه" حيث نموذج الصحافي الانتهازي الذي يتسلّق وصولاً إلى أعلى المناصب، لينتقم من حرمانه وفقره لكنه في النهاية سيكسب السلطة ونعيمها ويخسر نفسه، واعتبرت الرواية حينها نقداً مبطناً موجهاً لمحمد حسنين هيكل، لكنها حتماً تشير إلى مرحلة بأكملها.

وأتت روايته "تلك الأيام" التي نشرها في حلقات متسلسلة على صفحات "روز اليوسف"، لتصدر كاملة عام 1972، في قراءة متشعبة لأزمة المثقف نتيجة إخفاق السلطة في تحقيق مشروعها التي وعدت به الجماهير، ويتزامن ذلك مع انكسارات شخصية تجعله غير قادر على مواجهة المتغيّرات التي حدثت في الواقع.

وفي الحقيقة، كانت معظم أعماله موضع جدال في الوسط الثقافي، لكنها نالت انتشاراً ورواجاً أكبر حين تحوّلت إلى السينما. كان غانم شاهداً على مصر في تحوّلاتها المتسارعة والكبرى خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والتي لا تزال حاضرة ومؤثرة حتى اليوم، لا تحذوه رغبة في توثيق التاريخ الاجتماعي لبلاده إنما انشغل بتقديم شخصيات والحفر في دواخلها النفسية وسلوكها الاجتماعي، وأحلامها وكوابيسها، وآلامها وآمالها، لتجسّد دون تقصّد الزمن التي عاشته، ويشكّل مصيرها الفردي صورة متطابقة إلى حدّ كبير مع مآلات مصر كدولة ومجتمع.

المساهمون