التعديلات الدستورية تغضب قضاة مصر: دعوات خافتة لمقاطعة الإشراف على الاستفتاء

06 فبراير 2019
هيئة الانتخابات ستقترح رفع المقابل المادي للمشرفين على الانتخابات(Getty)
+ الخط -

بدأت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر استعداداتها لإجراء سلسلة من الاستحقاقات الانتخابية عقب موافقة مجلس النواب على مشروع تعديل الدستور المقترح حالياً، أولها سيكون الاستفتاء الشعبي على هذه التعديلات بعد إقرارها، ثم انتخاب مجلس الشيوخ نهاية العام الحالي، يليها انتخاب مجلس جديد للنواب، إذ إن التعديلات الجديدة تغير من قواعد انتخابه، خصوصاً بشأن نسبة النساء التي سترتفع إلى 25 في المائة، ثم انتخابات المحليات التي ما زال تنظيمها قيد الدرس ولم يتم تقديمه في النسخة الأولية من التعديلات يوم الأحد الماضي. غير أن عدداً من قيادات البرلمان أكدوا، في تصريحات إعلامية ما نشرته "العربي الجديد" عقب تقديم مقترح التعديل، عن كون القائمة المقدمة حتى الآن "أولية"، ويمكن إجراء تعديلات عليها بالزيادة أو النقصان.

وقالت مصادر قضائية في الهيئة الوطنية للانتخابات، لـ"العربي الجديد"، إن أعضاء مجلس إدارة الهيئة، وجميعهم من القضاة، أصابتهم المفاجأة بسبب "فداحة التعديلات" التي سيتم إدخالها على مواد السلطة القضائية، وبصفة خاصة بشأن المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة، وأن هناك توقعات بأن تؤدي هذه التعديلات إلى تعدد الاعتذارات عن الإشراف القضائي على الاستفتاء الدستوري المقبل، خصوصاً من قضاة مجلس الدولة، وعددهم نحو 3 آلاف.

ومنذ نشر تفاصيل التعديلات بما تضمنته من حذف اختصاص مجلس الدولة بالمراجعة المسبقة على جميع التشريعات قبل إصدارها، ومراجعة جميع العقود الحكومية، وعدم اختصاصه وحده بالإفتاء في المسائل القانونية التي تثار أمام الجهات الحكومية، ظهرت دعوات لمقاطعة الإشراف القضائي على الاستفتاء والانتخابات المقبلة بكل أشكالها. ووصف مطلقو تلك الدعوات التعديلات بأنها "تخريب للمجلس وتفريط في دوره الكبير الذي اكتسبه في الدساتير والإعلانات الدستورية المتعاقبة بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011". واعتبر أصحاب دعوات المقاطعة أن رغبة الرئيس عبد الفتاح السيسي في تحجيم دور مجلس الدولة تعود لعدة أسباب، أبرزها إصداره أحكام مصرية جزيرتي تيران وصنافير، وتعطيله عدداً من مشاريع الحكومة لإصدار قوانين مشوبة بعدم الدستورية أو سيئة السمعة، وتدخُل المجلس في التعاقدات التي تبرمها الجهات الحكومية مع بعضها البعض ومع الغير بموجب الدستور والقانون كضمانة للتنافسية والالتزام بمشروعية العقود وحمايتها من البطلان لاحقاً.

ورغم الغضب العارم بين قضاة مجلس الدولة إلاّ أن هذا الغضب لم يتحول حتى الآن إلى خطوات تنفيذية في إطار معارضة التعديلات الدستورية المرتقبة. وظهرت بعض المطالب لجمع تواقيع لعقد جمعية عمومية غير عادية لقضاة مجلس الدولة وأعضاء نادي المجلس لإعلان رفض التعديلات، لكن رئيس المجلس المعين باختيار الرئيس، أحمد أبو العزم، لا يبدي حتى الآن أي تفاعل مع تلك المطالب، غير أنه يتخوف من عقد جمعية عمومية للقضاة رغماً عنه في الوقت نفسه، إذ يتيح قانون المجلس لعدد معين من القضاة الدعوة، من تلقاء أنفسهم، لعقد جمعية عمومية. لذا بدأ بعض القضاة الموالين له وللسلطة التنفيذية في التصدي لهذه الدعوات، بحجة أن عجلة التعديلات الدستورية دارت ولن يستطيع أحد، مهما كانت قوته، وقفها، وأن الرضوخ للتعديل الحالي سيقي المجلس أضراراً أكبر، كفكرة دمجه مع القضاء العادي والهيئات الأخرى في هيئة جديدة للقضاء الموحد، أو الإسراع في إصدار وتطبيق قانون حظر ندب القضاة في الحكومة، والذي سيؤثر سلباً على مداخيل القضاة ومستوى معيشتهم.



وأضافت مصادر هيئة الانتخابات أن مجلس الإدارة سيقترح رفع المقابل المادي الذي سيحصل عليه القضاة المشرفون على الانتخابات لتلافي تأثير دعوات المقاطعة، كما سيتم التوسع في الاستعانة بأعضاء هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية، وهما الهيئتان اللتان كانتا تعارضان في العام 2014 توسيع اختصاصات مجلس الدولة إلى هذا الحد، بل ويعتبر تقليم أظافره انتصاراً لأعضاء الهيئتين على أكثر من صعيد. وكان الأعضاء الجدد بالهيئتين خضعوا العام الماضي لدورات تدريبية في أكاديمية ناصر العسكرية، ثم في الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب للقيادة، التي أنشأها السيسي لتفريخ جيل جديد من القيادات التي تدين له بالولاء، وتم تعيينهم بناءً على تقارير أمنية واستخباراتية ورقابية قبل وأثناء دراستهم في الأكاديمية.

أما قضاة المحكمة الدستورية العليا، والتي تعتبر الجهة الأبرز من حيث الخسائر في التعديلات الدستورية المرتقبة، فلا يبدو في الأفق أي نية لتحرك قضاتها ضد التعديلات. وأرجع مصدر في وزارة العدل هذا الصمت إلى أن النص المقترح بأن يختار رئيس الجمهورية رئيس المحكمة من بين أقدم 5 أعضاء منها، فتح باب الأمل لبعض هؤلاء القضاة لرئاسة المحكمة لفترة طويلة تناهز 10 سنوات، ما يغلب المصلحة الشخصية لبعضهم، حال اختيارهم، على المصلحة العليا للمحكمة باستمرار اتباع مبدأ الأقدمية المطلقة في اختيار رئيسها، وهو المبدأ الذي كانت المحكمة قد طالبت بتنفيذه طويلاً، حتى تم تضمينه، للمرة الأولى، في دستور 2012.

وأشار مصدر في وزارة العدل إلى أن المشكلة الأشد تأثيراً على صغار القضاة في التعديلات الجديدة هي إلغاء الموازنات المستقلة لكل جهة وهيئة قضائية، ما يعني عودة السيطرة المالية على القضاة لوزارة العدل وحدها، وإسناد عملية توزيع المخصصات المالية لكل هيئة إلى المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية، الذي يرأسه السيسي وينوب عنه في رئاسته وزير العدل، وبالتالي ستحرم كل هيئة من رفاهية توزيع فوائض الميزانيات على أعضائها في صورة مكافآت أو بدلات كما كان يحدث في السنوات الست الماضية. فضلاً عن إمكانية إحداث "تغيير نوعي في حجم مخصصات الهيئات نحو مزيد من عدالة التوزيع"، أخذاً في الاعتبار أن أعضاء النيابة الإدارية وقضايا الدولة والقضاء العادي –بنسب متفاوتة- طالما شكوا عدم استفادتهم من فوائض الميزانيات أسوة بمجلس الدولة والمحكمة الدستورية، نظراً لانخفاض عدد أعضاء وموظفي الهيئتين الأخيرتين.

وكانت مسودة التعديلات الدستورية المقدمة من ائتلاف "دعم مصر" قد أكدت ما انفردت "العربي الجديد" بنشره قبلها بساعات، عن تضمينها نصاً يضفي حماية دستورية على القانون الذي أصدره السيسي في إبريل/نيسان 2017 ويجعله صاحب القرار الأخير في تعيين رؤساء الهيئات القضائية من بين 5 مرشحين من أقدم 7 قضاة، مع إضافة نص يجعله صاحب الاختصاص الوحيد في تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا أيضاً، بدلاً من الجمعية العمومية لهذه المحكمة، مع عدم استثناء المحكمة الدستورية من ذلك. وسيختار رئيس الجمهورية رئيس الهيئة القضائية من أقدم 5 أعضاء بها، فضلاً عن جعله المختص باختيار أعضاء المحكمة الجدد من بين ترشيحات متقابلة من الجمعية العامة للمحكمة ورئيس المحكمة، إلى جانب نزع اختصاص مراجعة جميع القوانين من مجلس الدولة. ويؤدي وضع هذا النص إلى أن الطعون المرفوعة حاليا أمام المحكمة الدستورية العليا على قانون تعيين رؤساء الهيئات ستصبح عديمة الجدوى، لأن النصوص المشكوك في دستوريتها ستغدو دستوراً بحد ذاتها، وبالتالي ينتفي أساس الطعن عليها. أما التغيير الثاني والأهم فهو إلغاء سلطة الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية في اختيار رئيسها وأعضائها، والعودة إلى وضع أشبه بالوضع الذي كانت عليه قبل ثورة يناير، في عهدي الرئيسين السابق أنور السادات والمخلوع حسني مبارك، اللذين كانا يعينان رئيس هذه المحكمة تحديداً من أي هيئة كانت من دون اشتراط أن يكون من أعضائها أو سبق له العمل في القضاء الدستوري.