مساعٍ مصرية لإحياء مشروع جونقلي وتعويض نقص مياه النيل

03 يونيو 2017
فشلت اللقاءات السابقة بين رؤساء الدول الثلاث بحل الخلافات(الأناضول)
+ الخط -

تبحث جهات استخباراتية وفنية ودبلوماسية مصرية سبل إقناع حكومتي السودان وجنوب السودان بإعادة إحياء مشروع قناة جونقلي، للاستفادة أكثر من المياه في منطقة السدود ومستنقعات بحر الجبل وزيادة المياه الواصلة لمصر، كجزء من محاولات إيجاد بدائل لزيادة حصة مصر من المياه، بعد تزايد حدة تهديدها باستمرار العمل لإنجاز سد النهضة الإثيوبي، وتعثّر الاتفاق على قواعد ملئه بين مصر والسودان وإثيوبيا حتى الآن.
وكشف مصدر حكومي مصري أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أمر بفتح هذا الملف منذ ما قبل توليه رئاسة الجمهورية، في فترة عضويته بحكومة إبراهيم محلب الأولى في ربيع عام 2013، فكلّف وزارة الموارد المائية والري بإعداد دراسة وافية عن المشروع، انتهت إلى وجود عقبات مالية ودبلوماسية عدة تجعل من شبه المستحيل إحياءه.

وفي تفاصيل هذا الملف التي علم بها "العربي الجديد"، أن هناك خلافاً مالياً بين الدول الثلاث على تحمّل مبالغ تعويض مقاولي المشروع بعد توقفه بسبب الحرب الأهلية في جنوب السودان خلال ثمانينيات القرن الماضي، ما ضاعف الخلافات السياسية القائمة أصلاً بين السودان وبين مصر وجنوب السودان كل على حدة خلال السنوات الأخيرة بسبب المشاكل الحدودية واتهامات دعم المتمردين الانفصاليين.
يروي الملف أن مشروع قناة جونقلي كان نتيجة اتفاق الانتفاع الكامل في مياه النيل بين مصر والسودان المبرم عام 1958، والذي تضمّن في فقرته الثالثة أن تتولى البلدان معاً إنشاء مشاريع زيادة إيراد النيل بمنع الضائع من مياه حوض النيل، على أن يقسم صافي فائدة هذه المشاريع على الدولتين بالمناصفة، ويساهم كل منهما في تكاليف تلك المشاريع وفوائدها، وتم ترسيم خطة المشروع عام 1974 بالاستعانة بخطط بريطانية قديمة لتأمين المياه لمصر في فترة الانتداب البريطاني.

وفي يوليو/ حزيران 1976 أسند العمل في مشروع قناة جونقلي إلى شركتين فرنسيتين، وتم حفر 265 كيلومتراً من إجمالي 360 كيلومتراً هي الطول المخطط للقناة الواصلة بين مدينة بور عاصمة ولاية جونقلي وبين مدينة ملكال، كذلك تم تنفيذ بعض مشاريع التنمية لفائدة القبائل المقيمة في تلك المنطقة، والتي كانت تعارض شق القناة بحجة أنها ستغير طبيعة أراضي الرعي التي ينشطون فيها.
لكن ولاية جونقلي شهدت شرارة اندلاع الحرب الأهلية السودانية عام 1983 فتوقف حفر القناة نهائياً في فبراير/ شباط 1984 بعد هجوم المتمردين على معسكر سوباط، فأجبرت الشركتان الفرنسيتان (مقاول المشروع) على مغادرة المنطقة، ولجأتا إلى التحكيم الدولي ضد السودان، الذي كانت المنطقة تقع في أراضيه حتى استقلال جمهورية جنوب السودان عام 2011.
وفي عام 1988 أصدرت هيئة التحكيم حكماً لمصلحة الشركتين الفرنسيتين بإلزام وزارة الري السودانية (بصفتها الطرف المتعاقد رغم أن الأموال كانت مناصفة بين مصر والسودان معاً) بدفع تعويض، واستمر البلدان يدفعان مبالغ تعويضية حتى عام 2000 بإجمالي 75 مليون دولار.


لكن تأزم الأوضاع السياسية بين النظام الحاكم في السودان ونظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وكذلك انشغال السودان بالأوضاع المتوترة في الجنوب، أديا إلى توقف البلدين عن سداد الأقساط الباقية المستحقة، والتي كانت تبلغ بالفوائد حتى عام 2003 نحو 38 مليون يورو، وأدى هذا التوقف إلى الحجز على حسابات سودانية حكومية في المصارف الفرنسية.
وبعد استقلال جنوب السودان، طالبت جهات قضائية ودبلوماسية سودانية بإعادة احتساب المبالغ المستحقة لتعويض الشركتين الفرنسيتين على أساس تحمل مصر نصف المبالغ باعتبارها كانت تملك 50 في المائة من المشروع، وأن يعاد تقسيم نسبة 50 في المائة الباقية بين السودان وجنوب السودان، كجزء من عملية إعادة النظر في الديون الخارجية المترتبة على كل منهما جراء الانفصال.

ويوضح الملف أنه على الرغم من مناقشة هذه المشاكل المالية بين مصر والسودان وجنوب السودان، كل على حدة، خلال اللقاءات رفيعة المستوى بين الرؤساء في السنوات الثلاث الماضية، إلا أنهم فشلوا في حلها، فالسودان يرى أن علاقته بالمشروع قد انتهت بانفصال الجنوب وأنه لن يفيده شيئاً نظراً لاكتفائه من المياه وعدم معقولية تحمله مسؤولية تحسين خدمات الري في الجنوب.
بينما يبدي جنوب السودان اعتراضات مالية تتمثل في أن حكومته لم تكن هي الطرف المتعاقد ولم تكن تحمي المشروع وقت تعثره، وكذلك اعتراضات سياسية لها أصول تاريخية؛ فعلى الرغم من أن المشروع سيخدم المنطقة ويحقق وفراً مائياً ويقلل ظاهرة إهدار النيل، خصوصاً من مياه بحر الجبل، إلا أن حكومة جنوب السودان لا تريد إغضاب القبائل المقيمة في المنطقة، والتي تتمسك بنمط حياة سيؤثر عليه المشروع سلباً، لا سيما أن جون غارنغ زعيم الحركة الانفصالية لجنوب السودان والقائد التاريخي للجنوب، سبق أن عارض هذا المشروع سياسياً وعلمياً، بل وحصل على درجة الدكتوراه بأطروحة عن الآثار السلبية لهذا المشروع على السكان التقليديين في ولاية جونقلي.

وذكر مصدر في وزارة الري المصرية أن القاهرة تحاول حالياً إقناع الدولتين للوصول لحل وسط في ما يخص تسوية الخلافات المالية، مع تقديم عرض لجنوب السودان لإقامة عدد من المشاريع التنموية والمرفقية في ولاية جونقلي مقابل المشاركة في إنجاز ما تبقى من المشروع بمعزل عن الخرطوم، علماً بأن مصر دعمت جنوب السودان بمشاريع تنموية بقيمة 26 مليون دولار منذ تأسيسه.
وأشار المصدر إلى أنه على الرغم من جودة العلاقات المصرية-الجنوب سودانية حالياً، وتزامنها مع تدهور مستمر للعلاقات بين القاهرة والخرطوم، إلا أن عقبة المشاكل المالية بين السودان والجنوب تقف عائقاً أمام اتخاذ قرار استئناف المشروع سياسياً وفنياً، مشدداً على أن المشروع سيزيد الحصة الإجمالية للمياه للدول الثلاث بنحو خمسة مليارات متر مكعب سنوياً.
يذكر أن وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور يقوم حالياً بزيارة رسمية إلى مصر لبحث المشاكل التي طرأت على العلاقة بين البلدين والتصعيد السياسي للخرطوم ضد القاهرة في ملفي النزاع الحدودي حول حلايب وشلاتين ودعم المتمردين.