القصر من حق الجميع

11 اغسطس 2019
يبقى القرار النهائي بيد الشعب (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -
شهدت فترة الترشح للانتخابات الرئاسية التونسية المبكرة المقررة في 15 سبتمبر/ أيلول المقبل، طفرة غير منتظرة للمرشحين، إذ تقدّم لهذه الانتخابات نحو مائة مرشح في أسبوع فقط (98 بالتحديد)، ولو كانت الفترة أطول لربما تقدّم لها أكثر من ذلك بكثير.
وتقول هيئة الانتخابات المستقلة في تونس، إن نحو ثلثي المرشحين لا يتوفرون على الشروط الضرورية للتقدّم إلى الانتخابات في القائمة النهائية، وسيكون العدد النهائي في حدود الثلاثين مرشحاً تقريباً، ولكنها لا تستطيع أن ترفض أياً كان لأن القانون يمنعها من ذلك ويتيح لكل من يريد أن يصبح رئيساً أن يقدّم ترشحه، ثم تنظر فيه وتقرر بعد ذلك.

هذا العدد فاجأ كثيرين وسبّب لبعضهم امتعاضاً، لأنه "أضرّ بصورة الرئيس ومنصبه" و"رذّل الانتخابات"، وغيرها من التعابير التي سيقت هنا وهناك. قد يكون بعضهم على حق، فلا أحد فهم ما يدور بعقل من جاء للرئاسة يتحدث عن برنامجه الذي يقوم على تحرير فلسطين أو تحويل تونس إلى شركة عالمية أو منع هذا اللباس أو ذاك، وغيرها من البرامج والمظاهر الغريبة التي قد تدفعك إلى الشك في بعض المدارك. ولكن الصورة على الرغم من هذا كله بقيت جميلة، لأنها دفعت عشرات المواطنين إلى الاقتناع بأن السياسة ليست حكراً على نخبة، وقصر الرئيس ليس من حق أولئك الذين لا نراهم إلا في التلفزيون فقط، وإنما بإمكان مواطن في قرية بعيدة أو حيّ شعبي أن يسهم في الفعل السياسي، ولا يكتفي بالاستهلاك والتصويت لغيره على مدى حياته.

هذا يعني دمقرطة الفعل السياسي وتوزيعه بين الناس، انتخاباً وترشحاً أيضاً، وربما كان على المستغربين والمنزعجين أن يتعجبوا أيضاً من قيادات سياسية، جُرّبت ولم تحقق شيئاً في كل الانتخابات الماضية وتوارت أحزابها إلى النسيان، ومع ذلك فهي تتقدّم أيضاً للانتخابات الرئاسية، على الرغم من علمها واقتناعها بأنها ستكون منطقياً في المراتب الأخيرة. ولكنه الحلم السياسي بالقدرة على التغيير، والاحتكام إلى صوت الناس الذين قد يرغبون في تجربة شيء جديد، ولولاه لاقتصر الحكم دائماً على الأشخاص والأحزاب نفسها، غير أن الشعوب تفاجئ دائماً كل التوقّعات وتختار من يعجبها في لحظة من تاريخها، تجرّب وتعاقب وتكافئ، وتُبقي على الحلم متاحاً للجميع، بما فيه قصر الرئيس.
المساهمون