جنيف8 بلا توقعات مرتفعة: المجازر وتعنّت النظام يصعّبان التفاوض

27 نوفمبر 2017
يقود الحريري مجدداً وفد المعارضة (سلفاتوري دي نولفي/فرانس برس)
+ الخط -

تنطلق الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، غداً الثلاثاء، في ظل اعتراف أممي بأن العملية السياسية في سورية "صعبة ومعقدة"، مع استمرار تعنّت النظام السوري ورفضه بحث مبدأ الانتقال السياسي، مقابل إصرار المعارضة، التي تذهب بوفد موحّد هذه المرة، على أن الانتقال السياسي القائم على هيئة حكم كاملة الصلاحيات، هو جوهر العملية التفاوضية مع النظام في جنيف تحت رعاية أممية، وتأكيدها أنها جاهزة للتفاوض حول كل شيء في هذا السياق، وليس في سياقات أخرى يحاول النظام جر التفاوض إليها. وما يزيد من تعقيد الأزمة السورية، عودة التصعيد العسكري من قِبل النظام وروسيا، الذي يتكرر قبل كل جولة من المفاوضات السياسية، مع مقتل نحو 60 شخصاً، أمس، على يد نظام بشار الأسد وموسكو في الغوطة الشرقية لدمشق ودير الزور. فقد قُتل 34 مدنياً، معظمهم من النساء والأطفال، وأصيب آخرون، أمس، جراء غارات جوية نفذتها طائرة حربية روسية، على تجمّع للنازحين داخل بلدة الشعفة في ريف دير الزور. كذلك أدى قصف للنظام على مدن وبلدات سويدان جزيرة، والعشارة، والقورية، ومحكان، في ريف دير الزور الشرقي، إلى سقوط إصابات في صفوف المدنيين. وفي الغوطة الشرقية لدمشق، أدى قصف جوي وصاروخي من النظام إلى مقتل 25 شخصاً على الأقل، إضافة إلى عشرات الجرحى. وتشنّ قوات النظام حملة قصف على الغوطة منذ أسبوعين، قُتل خلالها نحو مائة مدني.

وتبدأ الجولة الثامنة من جنيف، وسط انخفاض سقف التوقعات بتحقيق اختراق من شأنه التوصل إلى حل سياسي وفق القرارات الدولية الخاصة بالملف السوري والتي بقيت من دون تنفيذ على الرغم من مرور سنوات على صدورها، وأبرزها بيان جنيف1 الذي صدر منتصف عام 2012، وتعتبره المعارضة المرجع الرئيسي للتفاوض. ومن المرجح أن تكون هذه الجولة على مرحلتين، يتخللها مؤتمر "الحوار الوطني السوري" الذي تعتزم موسكو عقده في سوتشي، والمتوقع عقده مطلع الشهر المقبل. وأعلن النظام السوري، أمس الأحد، استعداده لحضور مؤتمر "الحوار الوطني". وقالت وزارة الخارجية التابعة للنظام إن "الانتصارات المتلاحقة" لقوات النظام السوري والمليشيات المساندة "دفعت إلى العمل على المسار السياسي وهيأت الأرضية المناسبة للحوار السوري-السوري".

من جهتها، أكدت روسيا أن رئيسها فلاديمير بوتين سيواصل "ماراثون" التفاوض لحل الأزمة في سورية، وفق تصريح السكرتير الصحافي للرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، أمس، الذي أضاف أنه "لا تزال هناك حاجة للقيام بعمل كبير". وأشار بيسكوف إلى أن مباحثات بوتين مع رئيس النظام بشار الأسد في سوتشي ساهمت بشكل كبير في نجاح القمة الثلاثية الروسية-الإيرانية- التركية في منتجع سوتشي.

ومع إدراك الأمم المتحدة صعوبة المضي في موضوع الانتقال السياسي بسبب رفض النظام، تحاول إنجاز تقدّم في ملفات أخرى في انتظار تسويات إقليمية ودولية يبدو أنها لم تنضج بعد، تجبر النظام على التنازل. وفي هذا السياق، أكد رمزي رمزي، نائب المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، الالتزام بالتعامل مع "السلال الأربع" (الحكم، والدستور، والانتخابات، ومحاربة الإرهاب) خلال الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، مع التركيز على سلتي الانتخابات والدستور، مشيراً، في تصريحات صحافية السبت في دمشق، إلى أن محادثاته مع نائب وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، ورئيس الوفد النظام المفاوض بشار الجعفري، تركزت على الإعداد لجولة مباحثات جنيف المقبلة. ولم ينف رمزي كون العملية السياسية في سورية "صعبة ومعقدة لأن الوضع في البلاد معقد"، مضيفاً: "نبني استراتيجيتنا على مبدأ خطوة ثم خطوة"، معرباً عن أمله بأن تساهم الجولة المقبلة بمشاركة فعالة من النظام، مع وجود وفد واحد من المعارضة "في دفع العملية إلى الأمام".

وكانت جولة جنيف السابعة، في منتصف يوليو/تموز الماضي، انتهت من دون تحقيق نتائج واضحة في التفاوض حول سلال دي ميستورا الأربع، بسبب رفض وفد النظام الدخول في مناقشة الانتقال السياسي الذي تعتبره المعارضة السورية "جوهر العملية التفاوضية".


وتذهب المعارضة السورية هذه المرة إلى مفاوضات جنيف بوفد واحد، إثر تفاهمات سعودية روسية في الرياض أفضت إلى ضم منصتي موسكو والقاهرة إلى الهيئة العليا للمفاوضات، وتالياً إلى الوفد المفاوض، وهو كان مطلب أممي تحقق أخيراً، على الرغم من وجود شكوك في قدرة هذا الوفد على تحقيق الانسجام السياسي المطلوب، إذ لا تزال منصة موسكو تتمترس خلف رؤية تناقض تماماً رؤية بقية مكونات الهيئة العليا للمفاوضات، خصوصاً فيما يتعلق بمصير رئيس النظام بشار الأسد والدستور.
ويُخشى أن تتحول منصة موسكو إلى عقبة أمام وفد المعارضة المفاوض في حال أصرت على تجاوز مرجعية هذا الوفد، وهو البيان الختامي لمؤتمر المعارضة الموسع والذي يطلق عليه الرياض2، وانتهى يوم الجمعة الماضي. وذكر مصدر في الهيئة العليا للمفاوضات لـ"العربي الجديد" أن الهيئة لم تشكّل، حتى ظهر أمس الأحد، الوفد المفاوض، مشيراً إلى أن كل مكوّن قدّم قائمة بأسماء مرشحيه لعضوية الوفد، لافتاً إلى أن تشكيلة هذا الوفد ستظهر مساء الأحد، أو الإثنين، عقب وصول وفد المعارضة إلى جنيف، اليوم الإثنين.

ويترأس وفد المعارضة السورية نصر الحريري، الذي سبق أن ترأس الوفد في الجولتين السادسة والسابعة، ولكن أغلب أعضاء الوفد سيتم استبدالهم بأعضاء جدد، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة الوفد على التفاوض، وهو لم يأخذ الوقت الكافي بعد لترتيب أوراقه التفاوضية، إذ لم يكد ينتهي مؤتمر الرياض2 حتى بدأت الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف. وأكد الحريري عقب اختياره رئيساً للهيئة العليا للمفاوضات، الالتزام "بمبادئ الثورة السورية"، مضيفاً: "جادون في تأسيس هيئة حكم انتقالي، من دون رأس النظام بشار الأسد"، مطالباً بإشراف الأمم المتحدة على أي اجتماعات لحل قضية الشعب السوري.

من جهته، قال عضو الهيئة العليا للمفاوضات أحمد العسراوي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن وفد المعارضة السورية "جاهز لمناقشة كل الملفات في مفاوضات جنيف، بما فيها الانتخابات والدستور، ولكن في سياق الانتقال السياسي"، مشيراً إلى أن الهيئة "ترى أن إعلاناً دستورياً يحكم المرحلة الانتقالية على أن نضع دستوراً دائماً خلال هذه المرحلة".
وشدد العسراوي على رفض المعارضة القطعي لفكرة تشكيل "حكومة وحدة وطنية موسعة" تحكم المرحلة الانتقالية، كما يعرض نظام الأسد على المعارضة، في محاولة للالتفاف على مسألة هيئة الحكم الانتقالية، مضيفاً: "نصرّ على هيئة حكم مشتركة مع النظام كاملة الصلاحيات وفق القرارات الدولية ذات الصلة".

وأشار العسراوي إلى أن التفاوض مع النظام "يبدأ الآن من حيث انتهى في الجولة الماضية"، مؤكداً استمرار العمل بكل ما رتبته الهيئة السابقة، ملمحاً إلى أنه "ربما يتغير أسلوب التفاوض والأداء السياسي، مع الإبقاء على كل ما أنجزته الهيئة السابقة في كل الملفات". وأكد العسراوي أن النظام يحول دون تحقيق تقدم في مفاوضات جنيف، منتقداً بشدة تصريحات لنائب وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، أشار فيها إلى أنه لن يتحقق انتقال سياسي في سورية. وشدد العسراوي، وهو أحد ممثلي هيئة التنسيق الوطنية (معارضة الداخل السوري) في الهيئة العليا للمفاوضات، على أنه "لا تراجع عن التغيير الجوهري والعميق في سورية"، وفق قوله.

وليس من المتوقع أن يحصل اختراق كبير في الجولة التفاوضية المقررة غداً الثلاثاء، خصوصاً أن المعارضة لا تزال تصر على أولوية البدء في الانتقال السياسي، فيما يدفع النظام إلى تأجيل التفاوض في هذا الملف، والتركيز على ملف الإرهاب، في محاولة متكررة للقفز فوق القرارات الدولية. كما أن النظام لا يزال ينظر إلى مفاوضات جنيف على أنها "مجرد لقاءات إعلامية لا أكثر"، رافضاً مبدأ الانتقال السياسي، معتبراً بقاء أو رحيل بشار الأسد عن السلطة "خارج التفاوض".

ويُعد موضوع الدستور من الملفات الشائكة في التفاوض، ويرى دبلوماسي سوري معارض أن الدستور خارج نطاق وظيفة الموفد الأممي، مشيراً إلى أن الدستور يكتبه الشعب السوري من خلال مختصين مستقلين خلال المرحلة الانتقالية. ولكن دي ميستورا يبدو متماهياً إلى حد بعيد مع مسعى روسي ترفضه المعارضة والنظام معاً في فرض دستور على السوريين يحقق رؤية موسكو لمستقبل البلاد، إذ يمهد دستور وضعه خبراء روس منذ أشهر ونُشر في وسائل الإعلام، الطريق أمام تقسيم البلاد تحت ذريعة اللامركزية، والمجالس المحلية.