تعيش حكومة رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز كابوس الخوف من حلول شهر رمضان، الذي شكّل العام الماضي بيئة مناسبة لموجة من الاحتجاجات الشعبية الصاخبة، والتي أنهت ولاية رئيس الوزراء السابق هاني الملقي، بعد تراكمات سياسية واقتصادية وإرهاصات، كان أبرزها قانون الضريبة.
وتترقب الحكومة الأردنية، كما الأوساط الشعبية، حلول شهر رمضان، وسط تساؤلات حول إمكانية تكرار سيناريو سخونة رمضان الماضي، والذي تمثل باحتجاجات واسعة وتظاهرات بالقرب من الدوار الرابع، حيث يقع مقر الحكومة الأردنية، في العاصمة عمان على نحو غير مسبوق، خصوصاً بعد أن انطفأت شعلة الحركات الشعبية في الأردن بسبب الخوف من تكرار مشاهد العنف التي رافقت ثورات الربيع العربي، خصوصاً في سورية.
وفي مواجهة المفاجآت المحتملة، أعلنت الحكومة الأردنية خلال الأيام الماضية عن العديد من الإجراءات الاقتصادية والمعيشية، لقطع الطريق على انضمام مواطنين جدد إلى الحراكات الشعبية. فقد طلبت من البنوك تأجيل دفع أقساط القروض وجدولتها. كما أعلنت أنها لن تقطع المياه والكهرباء عن المواطنين المتخلفين عن الدفع في شهر رمضان، ولن تفرض أي ضريبة جديدة على المواطنين، وستتخذ حزمة من الإجراءات الاقتصادية الأخرى. كما ستضمن عدم ارتفاع أسعار السلع خلال رمضان، إضافة إلى تخفيضها في المؤسسات الاستهلاكية، المدنية والعسكرية.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي عامر السبايلة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن الحكومة الأردنية مسكونة بفكرة تكرار مشهد ما جرى خلال رمضان الماضي، باعتبار قضاء المواطنين أوقاتهم من الفطور إلى السحور في الاحتجاج نظرية خطيرة"، مشيراً إلى أن ثقافة الناس في رمضان تختلف وتتغير، ويميل الناس إلى قضاء الليل بالسهر، وبالتالي تصبح هناك فرص لتشكّل كتل بشرية قابلة للتظاهر والاحتجاج، وهذا شكّل عامل ضغط كبير العام الماضي، وأدى إلى التغيرات التي جرت. ويضيف أن "حالة الغضب والسخط الشعبي مستمرة، ولم يحدث تغير حقيقي، ولم يتم تقديم أي شيء جديد لتغير الظروف"، مشيراً إلى أن "المناخات المتشكلة من الممكن أن تفضي إلى فكرة العودة إلى التظاهرات، والحكومة تتخوف من فكرة أن يعيد رمضان الزخم لهذه الحركات".
ويوضح السبايلة أن الحراك الأردني مجتمعي وغير مؤطر سياسياً، وهذا يعني أن عامل المفاجأة قد يحدث، خصوصاً أنه لا توجد معطيات لتشكل كتل كبيرة، ولكن حالياً الجميع يعاني من ظروف اقتصادية سيئة وإحباط سياسي واقتصادي، وبالتالي من الممكن أن تتشكل مفاجأة وتحصل احتجاجات واسعة كما في العام الماضي. ويرى المحلل السياسي أنه "يجب عدم النظر إلى غياب قيادة ومحرك للشارع بأنه مؤشر على عدم قيام احتجاجات وأن الأمور لن تتطور"، مضيفاً "يمكن النظر إلى هذه القضية من زاوية أخرى خطيرة، فعند حدوث احتجاجات، لا يوجد شريك للتحاور لعقد صفقات سياسية". ويؤكد السبايلة أهمية النظر لهذه الجزئية من زاويتين، قائلاً "صحيح أن الحراك لم يقدم شيئاً يزيد الزخم، لكن من الجانب الآخر فإن صورة الحكومات تتهاوى وصورة النظام السياسي عند المواطن تتهاوى أيضاً"، مشيراً إلى أن الناس تجاوزت فكرة تخويفها مما جرى في الدول التي وقعت فيها ثورات.
من جهته، يقول المحامي تيسير المحاسنة العبادي، وهو من الناشطين الذين شاركوا في الاعتصامات ضد حكومة الملقي وفي الاحتجاجات على سياسة حكومة الرزاز، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة حاولت جاهدة خلال الأيام الأخيرة العمل على سحب المبررات لانضمام أشخاص جدد للحراكات الحالية، عبر تقديم حزمة من القرارات والوعود الاقتصادية لامتصاص غضب الشارع، على أمل أن تكون هذه الإجراءات قادرة على استيعاب الحراك الشعبي". ويوضح أن "الإجراءات الحكومية تسعى إلى احتواء ردود الفعل حيال أمرين: أولهما الحراك المتوقع في رمضان بسبب الأوضاع الاقتصادية وغياب الإصلاح السياسي. أما الأمر الآخر فيستهدف الحد من ردود الفعل المتوقعة على صفقة القرن (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) المرتقبة، والتي أرجأت الإدارة الأميركية الإعلان عنها لما بعد رمضان، بطلب قيادات في المنطقة". ويضيف أن "شهر رمضان المقبل لن يكون ساخناً كرمضان الماضي، ولن يكون في المستوى المتوقع، وأهم أسباب تراجع المظاهر الاحتجاجية الإحباط العام الذي يعيشه المواطن، إضافة إلى تولد قناعة لدى الشارع بأنه لا تجاوب حقيقي من الدولة للحراك السلمي، وهو أمر يخشى منه عقلاء الحراك في الساحة الأردنية وأن يصبح العنف عنوان الاحتجاجات". ويوضح أنه "على مدى عام، أي منذ رمضان الماضي، تراجعت حدة الحراك وفعاليته وأعداد المشاركين فيه، لأسباب بعضها يرتبط بالحراك نفسه، فالحراك عفوي شبه عشوائي وبلا قيادة، إضافة إلى حدوث خلافات بين مكونات الحراك، كونه مشرذما". ويتابع "كما أن السلطة العميقة تسعى إلى تجفيف القوة الداعمة للحراك عبر قمع حرية التعبير والرأي عبر الطلبات الأمنية والاعتقالات. كل هذه التراكمات أدت إلى تراجع حاد في مستوى زخم الحراك".
ويطالب الحراكيون الأردنيون بإجراء إصلاحات سياسية جوهرية شاملة، وتغيير النهج السياسي للدولة والسياسة الاقتصادية، والوصول إلى أردن جديد يخلو من مظاهر الفساد المالي، ومحاربة نهج الفساد، وحلّ مجلسَي النواب والأعيان، وعدم ملاحقة الأجهزة الأمنية للمواطنين بسبب قضايا التعبير عن الرأي، وإسقاط اتفاقية وادي عربة مع الاحتلال الإسرائيلي وإلغاء اتفاقية الغاز، وطرد السفير الإسرائيلي من عمّان. لكن لا بد من الإشارة إلى أن الجهة الأكثر تنظيماً وحشداً وتأثيراً في منسوب حركة الشارع، وهي جماعة الإخوان المسلمين، تبدو في حالة رضا وإيجابية مع التوجهات الرسمية، خصوصاً بعد اللقاء الذي جمع العاهل الأردني عبدالله الثاني ونواب كتلة "الإصلاح". يذكر أن هناك حراكاً مستمراً منذ خمسة أشهر في محيط الدوار الرابع مساء كل يوم خميس، منذ إقرار حكومة الرزاز قانون ضريبة الدخل، وما رافق ذلك من حالة استياء عامّة بين المواطنين الذين فقدوا الثقة في الكثير من مؤسسات الدولة، إذ يتجمع مئات النشطاء الأردنيين في ساحة محددة ومطوقة برجال الأمن، للتعبير عن عدم رضاهم وسخطهم على الأوضاع الاقتصادية والسياسية.