10سنوات على رحيل يلتسين: التباين بتقييم سنوات حكمه مستمر

23 ابريل 2017
عاشت روسيا خلال حكم يلتسين أزمات عديدة(شيبارد شيربيل/Getty)
+ الخط -
يصادف اليوم الأحد ذكرى مرور عشر سنوات على رحيل أول رئيس لروسيا ما بعد السوفييتية، بوريس يلتسين (1931-2007)، وسط استمرار تباين التقييمات لسنوات حكمه بين تحميله المسؤولية عن أزمات التسعينيات والإشادة بدوره في طيّ الصفحة السوفييتية والحقبة الشيوعية بلا رجعة.

تولى يلتسين رئاسة جمهورية روسيا السوفييتية الاتحادية الاشتراكية في عام 1991 قبل أن يطلق عليها اسم روسيا الاتحادية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته. واستمر في الحكم حتى نهاية عام 1999، عندما أعلن في كلمته بمناسبة حلول عام 2000 عن تسليم زمام السلطة لفلاديمير بوتين الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس الوزراء.

عاشت روسيا خلال فترة حكم يلتسين مجموعة من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، ومن أخطرها الأزمة الدستورية في عام 1993، عندما أصدر يلتسين أوامر بقصف البيت الأبيض في موسكو (البرلمان) بالدبابات، وبرنامج خصخصة فاسد أسفر عن قيام طبقة أوليغارشية مقابل إفقار ملايين من السكان، والحرب الشيشانية الأولى (1994-1996)، والأزمة المالية في عام 1998، عندما تعثرت الحكومة عن سداد دفعات كافة السندات السيادية، بما فيها الديون الداخلية.

ولم تخل سنوات حكم يلتسين من عدد من الفضائح مثل ظهوره في حالة سكر أمام الجمهور في ألمانيا في أغسطس/آب 1994، وتدخل أسرته في الشؤون السياسية، وسيطرة الأوليغارشيين على وسائل الإعلام والموارد الطبيعية للدولة، فضلاً عن وجود تساؤلات حول وقوع حالات تزوير في انتخابات عام 1996 التي أسفرت عن فوز يلتسين بولاية رئاسية ثانية.

ويشير مدير برنامج "السياسة الداخلية والمؤسسات السياسية الروسية" في مركز "كارنيغي" في موسكو، أندريه كوليسنيكوف، إلى أن كل مواطن روسي له مواقف خاصة من يلتسين تتراوح بين اعتبار زمنه إما فترة انهيار كلي وإما مرحلة الإصلاح السياسي والاقتصادي اللازم. ويضيف كوليسنيكوف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الدعاية تقول إن حقبة يلتسين كانت فترة الانهيار، ولكن التناقض يكمن في أن النخبة الحالية خرجت كاملة من رحم عهد يلتسين، وكان بوتين رجل الأسرة. إلا أنهم يبنون سياستهم الآن على إنكار مؤسس دولتهم وسلطتهم"، بحسب تعبيره.


وحول موقفه من يلتسين، يقول كوليسنيكوف إنه "لم يكن مثالياً، ولكنني أصف عهده بعهد الإصلاحات الاقتصادية والسياسية اللازمة التي ما كانت ستجريها إلا شخصية بارزة وضعت اسمها على المحك"، بحسب وصفه. ويتابع أن عهد يلتسين شهد "قيام الدولة الروسية ومؤسساتها"، لافتاً إلى أن "الانتقال من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق ما كان إلا أن يكون مؤلماً".

وفي ما يتعلق بالتداعيات السلبية لحقبة يلتسين، يعترف كوليسنيكوف بأن "عهد يلتسين تحوّل إلى الرأسمالية الأوليغارشية أولاً، ثم إلى رأسمالية الدولة في عهد بوتين، ولكن إصلاح بلد ضخم بعد سبعة عقود من الشمولية والركود ليس بأمر سهل"، على حد قوله.

على مدى سنوات حكمه، تردد أكثر من اسم كخلف محتمل ليلتسين. ومع تفاقم الأزمات في عام 1998، عيّن يلتسين أربعة رؤساء حكومات واحداً تلو الآخر خلال عام ونصف العام. وكان آخرهم فلاديمير بوتين الذي تم تعيينه في أغسطس/آب 1999، ليتولى زمام الرئاسة خلفاً ليلتسين بعد شهر. وعند تنحيه عن الحكم، أعلن يلتسين أن "روسيا يجب أن تدخل الألفية الثالثة مع وجوه جديدة".
واعتذر للشعب الروسي عن "آمال لم تتحقق"، مسلّماً زمام السلطة لبوتين الذي وصفه بأنه "شخصية قوية، ويستحق أن يكون رئيساً". وفور تسلمه زمام الرئاسة، وقّع بوتين على مرسوم يضمن حصانة كاملة ليلتسين من أي ملاحقة مدنية أو جنائية. وعلى الرغم من التزامه بعدم محاكمة يلتسين، إلا أن بوتين توجه للتخلص تدريجياً من بعض الأوليغارشيين "غير الموالين" الذين وجدوا أنفسهم إما في المنفى وإما تحت ملاحقة جنائية، وأشهرهم المالك السابق لشركة النفط "يوكوس"، ميخائيل خودوركوفسكي، الذي سُجن لنحو عشر سنوات.

ومع بدء أسعار النفط في الارتفاع، تحولت روسيا إلى لاعب عالمي مؤثر في مجال الطاقة وتمكنت من تحقيق معدلات نمو قياسية، لتبدأ بإعادة النظر في علاقاتها مع الغرب قبل أن تعود قوة عسكرية تفرض الأمر الواقع خارج أراضيها.

توفي يلتسين في 23 إبريل/نيسان 2007 عن 76 عاماً. وبعد مرور عشر سنوات على رحيله، لا يزال المجتمع الروسي يحاول تقييم سنوات حكمه بشكل موضوعي. ولما كان الخطاب الإعلامي والرسمي في روسيا يقدم حقبة التسعينيات من القرن الماضي بوصفها فترة الاضطرابات وتقديم التنازلات للغرب، تشير استطلاعات الرأي إلى زيادة عدد الروس الذين يتخذون موقفاً سلبياً من يلتسين مقابل ارتفاع شعبية بوتين.